يشهد مجتمعنا في الفترة الأخيرة ظاهرة جديدة بدأت تستفحل فيه، فبعد أن كنا نرى الشباب الطائش هو الذي يعاكس الفتيات فقط، انتقلت العدوى أيضا إلى الأطفال الصغار، وهذه الفئة تميزت عن غيرها من السنوات السابقة التي كان فيها الطفل صغيرا يسير وفق تطابق بين تفكيره العقلي وسنه الأصلي، إلا أننا الآن أصبحنا نشاهد أطفالا يكبرون سنهم بكثير، فهم دائما يتدخلون في مواضيع أكبر منهم ويرتكبون أفعالا لا تليق حتى بالكبار. يسعى بعض الأطفال إلى تقليد فئة من الشباب حتى يشعروا بأنهم خرجوا من مرحلة الطفولة ودخلوا عالم الكبار، إلا أنهم يجهلون أن تقليد تصرفات الكبار قد تسبب لهم المتاعب، ومن الأمور التي أصبحوا يقومون بها هي معاكسة من تكبرهم سنا بلهجة الشباب، وإن قامت بإخبارهم أنهم أطفال وعليهم أن لا يتجردوا من صفات البراءة، أسمعوها مختلف الكلمات السيئة، كما أنهم لا يجدون أي حرج في طلب رقم هاتف إحداهن أو قول بعض الجمل الرقيقة في وصفها بمجرد مرورها بقربهم. ففي نفس السياق، تعرضت إحدى الفتيات وتقطن في بلد أوروبي حين جاءت في زيارة إلى بيتها العائلي الكائن بالعاصمة إلى معاكسات من أطفال مازالت البراءة مرسومة على محياهم، فأخذوا يسمعونها كلاما غير لائق وبعيد عن الحياء، ولم يكتفوا بهذا الفعل فقط، بل قاموا بمطاردتها وقذفونها بالحجارة، وهو السلوك الذي استاء منه بعض سكان الحي، ودعوا إلى ضرورة اهتمام الوالدين بتصرفات أطفالهم. وهو الأمر الذي أكدته «جميلة» صاحبة ال28 سنة، حيث تقول «كانت ظاهرة غريبة عني في بادئ الأمر، لكنها أصبحت مألوفة، فكثيرا ما تعرضت للمعاكسة من قبل أطفال ومراهقين يصغرونني بكثير، فقد كنت ألاحظ ذلك من خلال نظراتهم لي من بعيد قبل أن أصل أمامهم حينها يبدأون في ترديد عبارات الإطراء والغزل وكأنهم كبار فأشعر بالاشمئزاز، لأن هذا السلوك يعني أن الصغير لم يعد يحترم من يكبره سنا، وهذا ما سيؤثر سلبا على شخصية الطفل الذي يقلد تصرفات يجهل معناها». إن تصرف الأطفال الطائش جعلهم لا يهتمون بالفتاة التي يعاكسونها، فالمهم عندهم هو تقليد الكبار، ليثبت للجميع أنه لا يختلف عن الشباب حتى وإن كانت شابة تكبرهم كثيرا، و»حسام» صاحب ال10 سنوات والذي يسكن بأحد أحياء «جسر قسنطينة»، واحد من الأطفال الذين كبروا أنفسهم، فكثيرا ما يراه أصحاب الحي يتبع الفتيات وحتى النساء، يعلق على مشيتهن وطريقة لباسهن، فلا يترك لا كبيرة ولا صغيرة، وعندما يسألونه عن السبب، يجيب بأنه قد كبر ولا يمكن لأحد أن يلومه على فعله لاعتقاده بأنه يقوم بالصواب. إن أكثر مكان نلاحظ فيه تحرشات بعض الأطفال هو قرب المدارس الابتدائية والإكمالية في أوقات انتهاء الدوام، حيث يأتي التلاميذ المتمدرسين وحتى الأطفال الذين غادروا مقاعد الدراسة للتحرش بفتيات بريئات يلجأن لإخبار الأهل عن الإزعاج الذي يتعرضن له فيقوم أحد الوالدين بمرافقتها لوضع حد لذلك الشخص ولمثل هذه التصرفات. ولم يبق هذا الفعل يمارسه الأطفال في الشارع وفقط، بل أصبح حتى الراشدين يستغلون مثل هذه المواقف ويدخلونها إلى مواقع التواصل الاجتماعي للانترنت ك»الفايسبوك» و»اليوتيوب»، ويرسلونه بين بعضهم البعض قصد التسلية والضحك، وهو الأمر الذي قد يشجع انتشار هذا الفعل عند بعض الأطفال عندما يطلعون على هذه المقتطفات من الأفلام المسجلة، وأغرب ما يحدث على أرض الواقع هو قيام بعض الشباب والمراهقين بتحريض أي طفل لمغازلة الفتاة التي تكون بالقرب منهم بدلا عنهم، حيث يقومون بتلقينه الكلام الذي يرغبون في قوله لها لينوب عنهم في توصيل الرسائل اللفظية لتنتهي المعاكسة أحيانا بتبادل أرقام الهاتف وإن حدث ذلك يكمل الشاب حديثه معها وهو التصرف الذي قد يروق للطفل ويجربه مرات أخرى بمحض إرادته. إن الطرف الملام في هذه الظاهرة ليس الطفل، لأنه صفحة بيضاء، وإنما الخطأ في أولئك الشباب الذين يقومون بتصرفات غير لائقة على مرآى ومسمع الطفل الذي يدفعه الفضول إلى التقليد لاكتشاف ما يقوم به من هم أكبر منه سنا.