المراقب لتعليقات القراء من المواطنين الأردنيين على صفحات الأخبار والفيسبوك حول اللقاء الذي لاقى الكثير من الانتشار مساء أمس الاثنين والذي أجرته قناة أل بي بي سي مع جلالة الملك عبدالله الثاني يجد نسبة عالية من تأييد تلك التصريحات والتي قال فيها جلالته رداً على سؤال حول الأجواء السائدة في سوريا حاليا، وفيما لو كان جلالته إفتراضيا يعيش هذا الواقع، قال العاهل الاردني “أعتقد أنني كنت سأعتزل”، مضيفا “ولكن كنت سأتأكد أن الذي سيخلفني لديه القدرة على تغيير الواقع الذي نراه”. جاء هذا اللقاء بعد حادثة وقعت أمام مكاتب العربية والجزيرة في العاصمة عمان أول أمس الأحد لمؤيدين للنظام السوري ومتظاهرين ضد القناتين بتهمة ارتباطهما بالحليف الأمريكي ذو الأهداف الاستعمارية في المنطقة، تلك الحادثة التي أجمعت فيها وسائل الإعلام المحلية في الأردن عن ولادة شرخ يفرق بين شريحة واسعة من اصحاب الحراك الإصلاحي، الأمر الذي قد يشكل فسيفساء جديدة للتركيبة الداخلية لدى حركات الإصلاح التي طالما اتفقت في الأمس القريب على معايير وأهداف وطنية من ضمنها عدم الرضوخ للسياسات الأمريكية والاستسلام لها وفض اتفاق وادي عربة، هذا إلى جانب إصلاح النظام. في المقالة الأخيرة التي نشرتها بمدونتي بتاريخ 12 /11 /2011 وبعنوان “حتى لا نتعرض مرة أخرى لأزمة جديدة مع التاريخ!”، ذكرت بها أن “(مسار) الإصلاح في الأردن يفرز تحالفات وتقاطعات عديدة، بدأت تؤثر في (مسيرة) الإصلاح ذاتها، وإذا ما اشتدت الأوضاع في سوريا وتصاعدت، إلى جانب تصاعد الأوضاع في العراق والتهديد بحرب جديدة على غزة، فإن كل ذلك من شأنه تأخير حركة الإصلاح الداخلي في الأردن، وهو الأمر الذي يتيح ترتيبات سياسية جديدة قد تكون فريدة جداً من نوعها هذه المرة”. وقبل ذلك وبتاريخ 31 /10 /2011 نشرت على صفحتي على الفيس بوك مقالاً أشرت خلاله أنه من الممكن أن تكون غزة ضحية صراعات وحسابات سياسية في المنطقة التي تشهد توتراً متصاعداً، وذلك بعيد خطاب وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في اجتماع لكتلة “إسرائيل بيتنا” البرلمانية، قال فيه أنه “يتعين على إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق في غزة بهدف القضاء على حكم حركة حماس”، حيث كانت الأحداث قد توترت بين الاحتلال وحماس في الوقت الذي أعلنت فيه اليونسكو قبةل فلسطين دولة كاملة العضوية. صباح الإثنين 14 /11 /2011 استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية موقعا تابعا لجهاز الشرطة البحرية في قطاع غزة أدى إلى سقوط شهيد وخمسة جرحى، ذلك بعد غارات شنتها الحربية الإسرائيلية على رفح الأسبوع الماضي. يأتي ذلك في ظل تصاعد التصريحات المهددة بالحرب بين إيران والغرب، وتوتر الحوار السياسي في العراق ومخاطر تقسيمه في ظل انسحاب القوات الأمريكية. مباشرة يأتي تصريح العاهل الأردني جلالة الملك عبدالله الثاني بالشأن السوري، وها هو ما أن نشرته وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية حتى انتشرت التآويل حول هذه التصريحات التي أخذت تفسر بأكثر من تفسير، الأمر الذي أدى إلى لبس بين محرري مواقع الأخبار الإلكترونية الكثيرة العدد، بين مؤكد على ما قصده الملك وبين أنه فقط وجه دعوة للرئيس الأسد لبذل المزيد من الجهود لدرء خطر محتمل قد يؤثر على الأردن بشكل مباشر. ربما اتجه الإعلام إلى تخفيف اللهجة أو تصعيدها في بعض الحالات إلا أن تعليقات الجمهور على هذا الخبر لم تشر في غالبيتها إلى الخطر الذي قد يلحق في الأردن إذا ما سارت الأمور إلى حرب جديدة في المنطقة. ربما هناك إشارات حرب، حتى وإن كانت غير مؤكدة إلا أنها قد تؤثر على خارطة الحراك الإصلاحي في الأردن وتوجهاته، وقد يسبب في خلق جو جديد في البلاد لا يعرف كيف سيكون طعمه أو شكله أو لونه، فهناك انتماءات سياسية للنظام السوري باعتباره آخر معاقل القومية العربية والمدافع عن الحقوق الفلسطينية والداعم للمقاومة في لبنان وغزة، وهناك انتماءات أخرى ناحية العراق، وفي ذكرى رحيل الرئيس العراقي صدام حسين انتشرت الكثير من التعليقات التي تترحم عليه، وانتشرت على صفحات الفيسبوك صوره ونشرت أقواله، واما الباقي من القوى فليست لديها مشكلة في إلغاء وجودها وهي على توافق كبير بينها وبين النظام بشأن الوضع في سوريا، وهناك شريحة واسعة ضد إيران واخرى تتفق مع تركيا. المنطقة لا محالة تتجه نحو التغيير، وقد يأخذ هذا التغيير أشكالاً تصاعدية وأخرى أفقية، أحياناً رمادية وأحياناً بنفسجية وربما قرمزية، ترتبط الأحداث فيما بينها أكثر فأكثر، ويأخذ شكل الإصلاح أبعاداً غير محددة المعالم، ذكرت ذلك في مقالي الأخير، ولكن ما تبع تصريحات الملك من أحداث يضيف إنشقاقاً بين الأخوة سواء داخل سوريا أو داخل الأردن كمؤدين للنظام أو معارضين، وهو يتعاكس ولا يتقاطب هذه المرة في ظل تسارع الأحداث. السوريون جزء منهم ثار واحتج وتهجم على السفارة الأردنية في دمشق وجزء منهم قدموا التحية لمبادرة الملك كونها المبادرة الأولى من زعيم عربي على هذا النحو، وفي الأردن ظهرت بعض صفحات الفيس بوك التي تساءلت عن إمكانية سقوط النظام الملكي في الأردن إذا ما سقط النظام في سوريا، وفي نفس اليوم ليلاً حدثت ما سمتها وسائل الإعلام بأكبر عملية ردع لمنشقين من الجيش ومتظاهرين سوريين راح ضحيتها 40 قتيلاً ومثلهم من جانب الجيش السوري في منطقة قريبة جداً من الحدود الأردنية ناحية الشمال، يبدو أنهم كانوا يحاولون اللجوء للاردن بعد تصريحات العاهل الأردني. وفي أمر ذو صلة فقد أرسل بعثيو العراق رسالة إلى إيران مفادها أن عدم الدفاع عن سوريا حالياً وتركها بلا مساعدة سيؤدي إلى مخاطر لا يحمد عقباها خاصة وأن الحدود بين العراق وسوريا كبيرة الأمر الذي سيؤدي إلى فوضى عارمة في المنطقة ستؤثر على بقية الدول المجاورة ومنها الأردن. الأردن وهو أكبر خط حدودي مع فلسطين، وهو على الحدود مع العراق والسعودية وسوريا ومصر، هل ستكون الدولة التي تحاصرها الأشباح من كل الجوانب والاتجاهات؟ .. أم هل سيجد العقلاء منطقاً يذودون به عن نذر انشقاق سياسي عام يجتاح المنطقة بين معارض للربيع العربي وآخر مؤيد له وبحرارة!.