لم تمر موت السجين المصري عمر عبد الرحمان على الحركات الجهادية لأحد رموز التيار الجهادي المعاصر من دون أن ترتفع أصوات متهمة بقتله وأخرى طالبة بالثأر له. توفي عمر عبد الرحمان في الثامن عشر من فبراير في عام 2017 عن عمر 78 عاما في سجنه بالولاياتالمتحدةالأمريكية بعد أربع وعشرين سنة من الأسر ليكون بهذا أقدم سجين إسلامي على الإطلاق. الكثير من الناس يحسبونه الأب الروحي للجماعة الإسلامية المصرية وأحد آباء الإرهاب المؤسسين له ولكن هذه الإطلاقات فيها إجحاف بحق الرجل الذي نشأ إماما وخطيبا ورجل علم صداعا بالحق قوالا أمارا بالمعروف. وإنما كانت له فتاوى متشددة ألصقت به التهم. فمن الناحية العملية لم يقم بأي عمل مسلح ولا عرف السلاح ولا رآه في حياته فهو رجل أعمى منذ الطفولة ضرير لا يقوى على أكثر من الكلام والفتوى غير أنه كان له تأثير على الشباب فجرم بسبب فتاواه. حياته في كلمات موجزة عمر عبد الرحمن (3 ماي 1938 - 18 فبراير 2017)، عالم أزهري مصري. وهو الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية. له مجموعة من المؤلفات. كان معارضا سياسيا لنظام الحكم في مصر، اعتقل في الولاياتالمتحدة ويقضي فيها عقوبة السجن المؤبد بتهمة التآمر، في قضية تفجيرات نيويورك سنة 1993، التهم التي ينفيها عمر، توفي بتاريخ 18 فبراير2017 في سجون الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولد بمدينة الجمالية بالدهقلية عام 1938، فقد البصر بعد عشرة أشهر من ولادته، حصل على الثانوية الأزهرية عام 1960، ثم التحق بكلية أصول الدين بالقاهرة ودرس فيها حتى تخرج منها في 1965 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف وتم تعيينه في وزارة الأوقاف إماماً لمسجد في إحدى قرى الفيوم، ثم حصل على شهادة الماجستير، وعمل معيداً بالكلية مع استمراره بالخطابة متطوعاً. أوقف عن العمل في الكلية عام 1969، وفي أواخر تلك السنة رفعت عنه عقوبة الاستيداع، لكن تم نقله من الجامعة من معيد بها إلى إدارة الأزهر بدون عمل، واستمرت المضايقات على هذا الحال، حتى تم اعتقاله في 13 أكتوبر 1970 بعد وفاة جمال عبد الناصر. بعد الإفراج عنه، تمكن من الحصول على ال "دكتوراه"، وكان موضوعها؛ "موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة"، وحصل على "رسالة العالمية" بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، إلى أن تم منعه من التعيين. استمر المنع حتى صيف 1973 حيث استدعته الجامعة وأخبرته عن وجود وظائف شاغرة بكلية البنات وأصول الدين، واختار أسيوط، ومكث بالكلية أربع سنوات حتى 1977، ثم أعير إلى كلية البنات بالرياض حتى سنة 1980، ثم عاد إلى مصر. في سبتمبر 1981 تم اعتقاله ضمن قرارات التحفظ، فتمكن من الهرب، حتى تم القبض عليه في أكتوبر 1981 وتمت محاكمته في قضية اغتيال السادات أمام المحكمة العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا، وحصل على البراءة في القضيتين وخرج من المعتقل في 2 أكتوبر 1984. الاعتقال في أمريكا سافر إلى الولاياتالمتحدة ليقيم في ولاية نيوجرسي، وأعتقل هناك بتهمة التورط في تفجيرات نيويورك عام 1993، وثبتت إدانته وعوقب بالسجن مدى الحياة، وأعلن تأييده لمبادرة وقف العنف التي أعلنتها الجماعة بمصر عام 1997. كونه ضرير وعمره يتجاوز السبعين عاماً، ومصاب بعدة أمراض، من بينها سرطان البنكرياس والسكري، والروماتيزم والصداع المزمن، وأمراض القلب والضغط وعدم القدرة على الحركة إلا على كرسي متحرك، وفي حبس انفرادي بلا مرافق، مقطوعة اتصالاته الخارجية، جعل المجتمع المدني يتدخل للوقوف معه، وكانت من بينهم المحامية الناشطة الحقوقية إلين ستيورات التي كانت تدافع عنه، والتي تم سجنها بتهمة مساعدته وتوصيل رسائله إلى أسرته وتلاميذه. محاميه في مصر هو منتصر الزيات ويدافع عنه في الولاياتالمتحدة رمزي كلارك. يسمح له بمكالمة هاتفية كل 15 يوما تتيحها له إدارة السجون الأمريكية للشيخ منذ اعتقاله. في 29 يونيو 2012 تعهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي في أول خطاب له في ميدان التحرير أمام المتظاهرين ببذل جهده والعمل على تحرير عمر عبد الرحمن. وهنأ عمر عبد الرحمن، من داخل سجنه، الشعب المصري على فوز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة. متزوج من المدرسة عائشة حسن وله منها ثمانية أولاد وبنتان ومتزوج أيضاً من المهندسة فاتن شعيب وله منها ولد وبنتان. أبرز الفتاوى التي قادت عمر عبد الرحمن إلى السجن تكفير عبد الناصر وتحريم جنازته وإهدار دم السادات وفرج فودة ونجيب محفوظ فتاوى عديدة أطلقها مفتي وزعيم تنظيم الجماعة الإسلامية عمر عبدالرحمن كانت سببا في وجوده خلف أسوار السجون لفترات طويلة في حياته. هذه الفتاوى أطلقها عبدالرحمن منذ أن كان معيدا بجامعة الأزهر في بداية الستينيات، لكن أبرزها استعرضها الدكتور صبرة القاسمي، الخبير والباحث في تاريخ الحركات الإسلامية، من ضمنها تحريم صلاة الجنازة على جثمان الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر وتكفيره، وفتوى أخرى بوجوب إسقاط نظام السادات واستحلال دمه لعقده معاهدة صلح مع إسرائيل. ويضيف القاسمي أن من أبرز فتاوى عبد الرحمن التي كانت سببا في الصدام بينه وبين النظام المصري والسلطات الأمريكية هي فتواه باستهداف الطائرات والمصالح الإسرائيلية والأمريكية، وفتواه لمنفذي تفجيرات نيويورك عام 1993، وكذلك فتواه للمصري نصير الذي أدين بتهمة التورط في قتل الحاخام مائير كاهانا زعيم حركة كاخ المتطرفة في 5 نوفمبر 1990، فضلا عن أنه أعلن تبرؤه من مراجعات الجماعة الإسلامية، كما رفض المراجعات في عام 2000. وقال القاسمي إن فتاوى عبد الرحمن كانت وراء تكفير فرج فودة ونجيب محفوظ. واعترف قاتل فرج فودة أنه نفذ فتوى الشيخ عمر عبد الرحمن التي أشارت إلى أنه لا إثم شرعيا يقع بقتله، وفي العام 1994 اعترف محمد ناجي محمد مصطفى أنه قرأ كتبا خاصة بالجماعة الإسلامية، وحاول قتل الكاتب الكبير نجيب محفوظ تنفيذا لفتوى أمير الجماعة عمر عبد الرحمن بزعم أن محفوظ هاجم الإسلام في كتبه لذا يستحل دمه. كان مفتي الجماعة الإسلامية المصرية في تلك الفترة هل أفتى عمر عبد الرحمن بقتل السادات؟ قامت مجموعة من تنظيم الجماعة الإسلامية، يقودها ضابط بالجيش المصري يدعى خالد الإسلامبولي، بقتل الرئيس المصري الأسبق أنور السادات وكان مفتي الجماعة الإسلامية في تلك الفترة الدكتور عمر عبد الرحمن قد سأله وقتها أحد أعضاء التنظيم: هل يحل دم حاكم لا يحكم طبقا لما أنزل الله؟ كان رد الشيخ عمر نعم يحل دم هذا الحاكم لأنه يكون قد خرج إلى دائرة الكفر. وفجر أسامة حافظ، أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية مفاجأة في وسائل الإعلام المصري عقب ثورة 25 يناير في تصريحات صحافية لوسائل الإعلام المصرية حينما أدلى بشهادته حول مقتل السادات فقال "لم يكن هناك إجماع داخل الجماعة الإسلامية على اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، حيث رفض الفكرة عبود الزمر ، ولكن جلسنا معه في 28 سبتمبر وقلنا له إن منفذي "العملية سيموتون في العرض ويموت سرهم معهم فوافق في النهاية تحت الضغط". وأضاف أسامة حافظ "لكن بعد ذلك تناقشنا في الموضوع مرة أخرى مع مجلس الشورى في الصعيد، واعترضت أنا والشيخ عصام دربالة على الفكرة لأنه لم تكن لدينا فتوى بذلك فقد كانوا متصورين أن الكلام الضمني للدكتور عمر عبد الرحمن أمير الجماعة ومرجعيتها الشرعية بمثابة موافقة، لكنه لم يُفتِ لنا بذلك تصريحا، فقد كان حينها مختفيا بعد صدور قرار التحفظ، لأن اسمه كان أول اسم في قرارات اعتقالات السادات ونحن لم نكن نعرف مكانه، وحينها قلت إن هذه فتوى غير صريحة ولابد من فتوى تجيز الاغتيال". وقال حافظ في شهادته "في 3 أو 4 أكتوبر 1981 التقينا كمجلس شورى لنناقش الموضوع من جديد، وأبديت اعتراضي على التنفيذ، وبعد أخذ ورد مع المجلس اتفقنا على أن يتم إلغاء المشروع ما دمنا لم نستطع العثور على الشيخ عمر عبد الرحمن أو أي من الشيوخ الذين نثق فيهم لنستفتيهم في هذا الموضوع". وقال أسامة حافظ "بمجرد ما التقينا بالشيخ عمر في المحكمة العسكرية قال أنا بريء مما حدث. قلنا له ألست قلت بجواز ذلك، فقال: أنا لم أقل ذلك أبدا. بعد ذلك خشي من الحديث في هذا الموضوع داخل السجن حتى لا تحدث فرقة بين أعضاء التنظيم". فيما صرحت والدة خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس المصري الأسبق لوسائل الإعلام المصرية "إن نجلها لم يأخذ فتواه من محمد عبد السلام فرج ولكنه سأل الشيخ عبدالله السماوي والشيخ عبدالحميد كشك عن قتل فقالا له إنه يحق له قتل السادات لأنه خرج عن الدين والتقاليد". نجل عمر عبد الرحمن يكشف تفاصيل الاتصال الأخير معه "عبد الرحمن كان يشعر بقرب أجله" كشف محمد، نجل الشيخ عمر عبد الرحمن، الأب الروحي للجماعة الإسلامية، عن فحوى الاتصال الأخير الذي أجراه والده مع والدته قبل أسبوعين. وقال نجل عبد الرحمن إن والده كان يشعر بقرب أجله، حيث أخبر والدته بأن المكالمة تلك قد تكون الأخيرة. وبحسب عبد الرحمن، فإن والده أوضح خلال المكالمة التي استمرت 15 دقيقة، بأن السلطات الأمريكية منعته من تناول الأدوية، إذ كان يعاني من الضغط، والسكري. وقد تواصلوا مع السلطات الأمريكية لنقل جثمان والده إلى مصر، غير أن السلطات هناك أبلغتهم بضرورة التواصل مع السفارة الأمريكية في القاهرة، ولكن الأخيرة أكدت لهم أنها ليست جهة اختصاص، وأن عليهم مخاطبة السفارة المصرية بالولاياتالمتحدة. وحول إجراءات دفن والده، أوضح نجل الشيخ عمر عبد الرحمن، أن الجهات المعنية بمصر أبدت مرونة في إدخاله، ودفنه في مسقط رأسه بالدهقلية بحسب ما أوصى الشيخ نفسه، موضحا أن أيا من الدول العربية لم تعرض عليهم دفن والده في أراضيها. بدورهم، تناقل ناشطون وصية منسوبة إلى الشيخ عمر عبد الرحمن، كتبها قبل سنوات، قال فيها "إن الحكومة الأمريكية رأت في سجني ووجودي في قبضتها الفرصة السانحة، فهي تغتنمها أشد الاغتنام، لتمريغ عزة المسلم في التراب، والنيل من عزة المسلم وكرامته، فهم لذلك يحاصرونني، ليس الحصار المادي فحسب، بل حصارا معنويّا أيضا؛ حيث يمنعون عني المترجم والقارئ والمسجل والراديو، فلا أسمع أخبارا من الخارج أو الداخل". وأضاف أن السلطات الأمريكية تعرّيه بشكل كامل، باستمرار، متابعا: "هم لا محالة قاتلي، إنهم لا محالة يقتلونني، لا يرى أحد ما يصنعون بي في طعامي وشرابي وما نحو ذلك، وقد يتخذون أسلوب القتل البطيء معي، فقد يضعون السم في الطعام أو الشراب أو الدواء والحقن، وقد يعطونني دواء خطيرا فاسدا، وقد يعطونني قدرا من المخدرات قاتلا، أو محدثا جنونا". وأوصى عبد الرحمن، جميع أنصاره بعدم تصديق الرواية الأمريكية لسبب وفاته، قائلا إنهم "يجيدون الكذب". وختم: "أيها الأخوة .. إنهم إن قتلوني - ولا محالة هم فاعلوه - فشيعوا جنازتي وابعثوا بجثتي إلى أهلي لكن لا تنسوا دمي ولا تضيعوه بل اثأروا لي منهم أشد الثأر وأعنفه وتذكروا أخا لكم قال كلمة الحق وقتل في سبيل الله".