تعرف بعض شوارع العاصمة انتشار عدد من الأطفال القصر ينامون في الحدائق وفي الأرصفة بملابس رثة, وآخرين يمارسون بعض النشاطات للاسترزاق, في حين فضل البعض التسول كأسهل طريق للكسب علهم يجدون من يتصدق عليهم. لقد أصبحت ظاهرة تسول الأطفال ونوم بعضهم في الشوارع وممارسة آخرين لبعض النشاطات قصد كسب المال تشكل خطرا على المجتمع, ففي إشارات المرور ومواقف السيارات نجد أطفالا يمسحون الزجاج ويبيعون المناديل لكسب رزقهم وآخرين دفعتهم الظروف المعيشية السيئة إلى التسول, وأطفال يستغلون في أعمال شاقة فوق طاقتهم, وآخرين مشردين ينامون في الشوارع ومعرضين للبرد ومحرومين من الدفء العائلي, لا لشيء إلا لأنهم ضحايا لظروف عائلية صعبة لم تترك لهم الخيار, هم أطفال لم يتمتعوا بطفولتهم, بل دفعتهم الظروف إلى تحمل المسؤولية في سن مبكرة. يضطر بعض الأطفال الذين تعاني عائلاتهم من ظروف معيشية سيئة إلى التوقف عن الدراسة وتحمل مسؤولية البيت في سن مبكرة والبحث عن مصدر رزق. ولمعرفة المزيد عن هؤلاء الأطفال, قمنا بجولة في بعض أحياء العاصمة, وكان أمين أول من تحدثنا إليه وهو أحد الباعة الأطفال في الطريق السريع, حيث يقول: «أنا أبلغ من العمر 14 سنة, وقد تخليت عن الدراسة, لأن عائلتي لا تقدر على تكاليفها, وأنا أبيع الخبز لأكسب خبزتي وأوفر للبيت كل متطلباته». أما جميلة صاحبة ال12 سنة فقد أكدت أنها من يقوم بعجن الخبز, ثم تقوم ببيعه في الطريق السريع, وهي تقول: «أنا أعجن الخبز في الصباح الباكر وأضطر للوقوف في الشارع من الصباح إلى المساء, إلا أن الكمية التي أبيعها قليلة, خاصة وأنني أعمل لأوفر لأمي المريضة الدواء», وتضيف «صرت أشعر بأنني كبرت قبل سني, إلا أن المؤسف في الأمر هو قيام بعض الزبائن بمضايقتي ومحاولة التحرش بي, لذلك أقوم بالصراخ في وجوههم». أما لمين فقد التقيناه أمام إشارة المرور يستغل توقف السيارات فيبيع المناديل ويحاول مسح زجاج السيارات علّه يحصل على بعض المال, حيث يقول: «أبلغ من العمر 11 سنة, وكما ترون أنا أقوم ببيع بعض المناديل التي أحصل عليها من إحدى البائعات لأبيعها, لكن معظم أصحاب السيارات يرفضون شراء المناديل مني وينظرون إلي وكأني متسول, وعندما أمسح لهم الزجاج لا يعطوني المال, وأحيانا أتعرض للإهانة, أما الكمية القليلة التي أبيعها من المناديل فصاحبة العمل تستغلني, لأني طفل فتأخذ معظم المال وتعطيني جزءا صغيرا منه», هذا وقد وجد بعض الأطفال في التسول حرفة لكسب بعض المال بعد أن عجزوا في الحصول عن عمل على حد تعبيرهم, فاضطروا إلى التسول كوسيلة أخرى لتحصيل الرزق, فحسين طفل في 15 من عمره, وجدناه يتسول في أحد شوارع ساحة الشهداء, وعن سبب امتهانه للتسول يقول: «بعد موت أبي لم نجد أنا وأمي من ينفق علينا, فبحثت عن عمل ولم أجد, لذلك اضطررت للتسول لكسب بعض المال حتى أتمكن من شراء الحليب والخبز, وفي بعض الأحيان أقف قرب المطاعم لأطلب من زبائن المطعم بعض الطعام لأسد جوعي أنا وأمي». زهير صاحب ال 15 سنة أيضا من الأطفال الذين يعانون من استغلال بعض الأشخاص له, حيث يقول «أنا الإبن الأكبر في أسرتي, وأنا أقوم بتحميل السلع الثقيلة في السيارات, ويتفق معي أصحابها بتسديد مبلغ مرتفع مقابل حملي لسلعهم, ولكن بعد قيامي بعملي يقومون بتخفيض أجرتي, وعندما أتجادل معهم يهددوني بالضرب, لأني طفل صغير لا حول لي ولا قوة». ظروف اجتماعية أخرى كانت سببا في هروب بعض الأطفال من المنازل واختيارهم للشارع كمأوى آخر لهم, فالتفكك الأسري والطلاق والمشاجرات العائلية من الأسباب الرئيسية لتشرد أولئك الأطفال, فخروج طفل صغير إلى الشارع سيؤدي به حتما إلى الانحراف مع أصدقاء السوء, وبتجولنا ليلا في ساحة أول ماي, عثرنا على أطفال مشردين نائمين في الحدائق ومستلقين على الأرصفة بملابس رثة, بعضهم يدخن السجائر وآخرين يستنشقون الغراء, وعندما حاولنا الاقتراب منهم قاموا بالفرار, إلا أننا استطعنا التكلم مع عينتين, الأولى هي الطفل سليم الذي التقيناه في الحديقة, وهو مستلقي على الأرض, وعن سبب تواجده في هذا المكان وفي هذه الساعة, يقول: «عانيت كثيرا من إساءة زوج أمي لي, فكان يضربني ويشتمني حتى أحسست أني طفل غير مرغوب فيه, فلجأت إلى الشارع لأتخلص من المشاكل, ومن مشاجراته المستمرة مع أمي في البيت بسببي», ويضيف «حياة الشارع هنا صعبة, لأننا نلتقي بأشخاص شاذين جنسيا ويشربون المخدرات والكحول». ومن جهة أخرى, وجدنا ظاهرة تدعو للاستغراب, وهي لفتاتين قاصرتين مشردتين تنامان في الشارع, إحداهن تحمل رضيعا بيدها هذه الأخيرة بررت وجودها في الشارع بوجود ضغوطات, عائلية إلا أنها وجدت نفسها قد هربت إلى الجحيم, حيث تقول: «أنا أبلغ من العمر 15 سنة وعائلتي هي من دفعتني إلى اللجوء إلى الشارع, فقد كانت ترغمني على الزواج من شخص لا أحبه فهربت من البيت وتنقلت إلى العاصمة وأصبحت أنام في الشارع الذي لم يرحمني, فقد قام شخص بالاعتداء علي جنسيا وهذا الرضيع الذي أحمله هو من علاقة غير شرعية, وأنا أخاف عليه أن يصبح مستقبلا من أطفال الشوارع». ولمعرفة تأثير الشارع على الطفل الذي يفقد دفء العائلة وحنان الوالدين, اتصلنا بالدكتورة نبيلة صابونجي, مختصة في علم النفس والتي تقول: «إن الأطفال الذين يعيشون في الشوارع لديهم نوع من العدوانية نتيجة الإحباط النفسي الذي يصيب الطفل نتيجة فقدانه الحب والدفء العائلي داخل الأسرة, ويزداد الميل إلى العدوانية مع طول المدة التي يقضيها الطفل في الشارع, لأنه بهروبه من الأسرة قد حطم مبدأ الصواب والخطأ والضبط الخارجي عليه, وهذا ما يسبب الانحراف, لأنه لا يجد شخصا ينصحه, فالطفل حساس وكل توتر يحدث داخل البيت يؤثر سلبا على نفسيته, وهذا ما يؤدي به إلى الهروب من الجو العائلي المتوتر, ومعظم أولئك يتميزون بالتشتت العاطفي, فهم لا يكفون عن البكاء, ولديهم طلبات كثيرة حتى لو أقنعتهم باستحالة تلبية مطالبهم, وهم يشعرون كذلك أنهم منبوذون من المجتمع».