صورة جميلة من صور القرآن الكريم تتجلى فيها حقيقة الوفاء وحفظ الجميل لأهله ومقابلة الجميل بمثله، فالوفاء للمحسن في أسمى صورة يتبين ويتأكد عندما ترد له الحسنة بمثلها وتتسامى هذه الصورة عندما تحفظ له حقه في حضرته وغيبته في حياته وبعد موته، نعم إن حفظ الجميل خلق نبيل وصورة مشرقة من صور أخلاق هذا الدين العظيم. هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فها هو معلم البشرية وإمام المرسلين صلوات ربي وسلامه عليه يرسم لنا هذا المعنى ويجسده واقعاً حياً نتربى وتتربى الأمة كلها عليه من بعده، من خلال سيرته العطرة فحياته كلها تشهد بوفائه صلى الله عليه وسلم لكل من أحسن إليه أو أسدى له معروفاً. وانظروا إن شئتم إلى قصته صلى الله عليه وسلم مع صويحبات أمُنا خديجة رضي الله عنها وأرضاها، وكيف أنه كان يكرمهن بعد موتها رضي الله عنها وأرضاها، وكان يقوم لإحداهن إذا جاءته وإذا سأل عن سبب قيامه لها، قال صلوات ربي وسلامه عليه هذه من صويحبات خديجة رضي الله عنها وفاءاً وحفظاً لجميلها وتقديراً لدورها العظيم رضي الله عنها في نصرتها ومؤازرتها له ووقوفها معه في أصعب لحظات حياته، عندما عاداه قومه واتهموه بالكذب والجنون فكانت له عوناً وسنداً في أمره كله. ما أحوجنا اليوم أن نربى أنفسنا على هذا الخلق العظيم ونربي عليه غيرنا، فنبادر بغرسه في نفوس من نربيهم، من هم تحت رعايتنا واهتمامنا من الأولاد والزوجات والأخوان والأخوات والطلاب والطالبات، فمتى حُفظ الجميل وقُوبل الإحسان بمثله حسنت الحال وفشت المحبة وساد الإخاء والود بين الناس ولتنافس الناس في تقديم المعروف والإحسان لبعضهم، لعلمهم أن هذا المعروف لن يضيع فالجميع يؤمن بأنه (لا جزاء للإحسان إلا الإحسان). لكن ماذا لو قوبل إحسانك بالضد؟ أليس منا أيها الأحبة من بذل قصارى جهده في الإحسان لكل من يعرف ولكل من حوله من والدين أو أخوان وأخوات أو أصدقاء وصديقات ، ثم يتفاجأ بعد كل هذا الإحسان أن منهم من قد نسي هذا الإحسان فضلاَ عن نكرانه له، بل قد يتعدى الأمر إلى الإساءة في مقابل ذلك الإحسان، صحيح أن الإنسان لا يفعل الإحسان إلا لله عز وجل ولا يريد على ذلك جزاء ولا شكوراَ - وهذا خلق كل مسلم ومسلمة - لكن هذا لا يتنافى مع أن يكون هناك حفظاً لهذا الجميل، ولسان حال ذلك المحسن (أنني لا أطلب منك شيء فقط لا تسيء إلي، أنا لا أريد منك أحسانا أو رداً له بمثله، فقط أحفظ الجميل ولا تنكره)، وهذا لعمري أصعب شيء على نفس الإنسان أن يجد أقرب الناس إليه هو من ينكر إحسانه وجميله، بل قد يتعد الأمر إلى أن يعامل بالضد. والحل في ظني هو الصبر على ذلك والاستمرار في الإحسان لهم، لأن ديننا يربينا على أن نحفظ الجميل لغيرنا ولا ننتظر من أحد إحسانا في المقابل، وكلنا نعرف قصة ذلك الصحابي الذي قال للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: أن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل) أو كما قال صلى الله عليه وسلم (والمل هو الرماد الحار) وكذلك في المقابل لا بد من وقفة وقفة صادقة مع نفوسنا،كم من إنسان أحسن إلينا ولم يجد منا إحسانا؟ ناهيك إن لم نسيء في حقه! فلا نكون من أسرع الناس وقوعاً فيما ننكر على الناس الوقوع فيه من نكرانٍ للجميل !!! خمس مراحل لتحقيق الإحسان 1. أن ندرب أنفسنا شيئًا فشيئًا على العمل الخفي بين العبد وبين ربه، فلا يعلم عنك إلا الله ولو كان عملا يسيرًا. 2. أن تدرب نفسك عندما يمدحك فلان أو يسبك فلان على هذه الطاعة، فالأمر سيان، نعم تستبشر داخل نفسك، لكن تربي نفسك على أن لا يكون هذا هو الهدف دائمًا وأبدًا. 3. أن تكثر من التأمل في كتاب الله عزّ وجلّ، خصوصًا في آيات عظمته. 4. جرب نفسك بين تضارب الأعمال وتعارضها، فمثلا إذا أذن المؤذن وعندك عمل دنيوي، أيهما تقدم، لاشك أنك إذا قدمت الصلاة على العمل الدنيوي مثلا انتهى، مهما يكن من الحال، إلا إذا كان يترتب عليه ضرر هلاك نفس أو غير ذلك. 5. الإكثار من ذكر الله، إجعل لنفسك حزب كما تجعل للقرآن، إجعل لنفسك حزب لما تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، استشعر وأنت تقول سبحان الله أنك تنزه الله، والحمد لله أنت تثني على الله سبحانه وتعالى، وأنت تقول الله أكبر، الله أكبر من كل شيء من الدنيا بما فيها، عندما تقول لا إله إلا الله، لا إله إلا الله في صلاتي، لا إله إلا الله في زكاتي،في أعمالي،في وظيفتي، في دنياي، لا إله إلا الله في جميع شؤون حياتي، هنا تصل إلى المرتبة العليا بإذن الله.