عندما تهم بالكتابة عن إعلامي أو محاورته، تبحث في أوراقك عن سجله وتدقق في انجازاته وإسهاماته. لكن في حالة الإعلامي الأكثر إثارة للجدل في الجزائر، ريان عثماني، فإنك لن تبذل جهدا كبيرا لأنه -ببساطة- غني حقا عن أي تعريف. هو رجل لا يعترف بالخطوط الحمراء في مجتمع جزائري محافظ، ويقول عن نفسه إنه لا يلتفت لما يقال في الزوايا وهنا وهناك، لما حملته حياته الإعلامية من تميز، والشخصية من تقلبات انعكست على مشواره المهني. هو من يرفض أن يكون إعلاميا تقليديا، كونه يطمح لأن يكون الرقم الأصعب بالإعلام الجزائري. ال »السلام اليوم« حاورت ريان عثماني، بعد عودته للجزائر ليحقق حلما مهنيا لطالما رافقه. والذي أفصح عنه في جلسة مطولة كشف فيها المستور من مرضه ومصير السمعي البصري في الجزائر. بداية لماذا كل هذا الغياب ريان عن شاشة التلفزيون؟ غيابي جاء لأسباب مهنية وأخرى مرضية، الثانية الأفضل عدم التطرق إليها، في حين الأسباب المهنية كانت لارتباطي بقناة »دبي tv« كوني قمت بإمضاء عقد احتكار مع قناة دبي من خلال مشاركتي في برنامج «سوالفنا حلوة». من التلفزيون الجزائري إلى قناة »دبي tv«، لماذا غادرت اليتيمة؟ أصلا لم أترك التلفزيون الجزائري بشكل نهائي، كنت بالمعنى الأصح محتكرا، بمعنى اشترطت بقائي على القناة الجزائرية الأرضية، في الوقت الذي أظهر فيه على قناة دبي فضائيا، هذا كان شرطي الوحيد للظهور على قناة دبي، كوني كنت مذيعا للقناة، وبالضبط لشركة إنتاج لبنانية تنتج لدبي، وبحكم أننا نسجل في فترات معينة والأشهر الأخرى نبقى دون عمل اشترطت أن أكون حصريا لدبي tv، على الفضائية أي الفضاء ملك دبي tv، وفي الجزائر أكون ملك القناة الأرضية فقط. يعني أنا لم أتخل عن التلفزيون الجزائري بل كنت ولا أزال متمسكا به إلى غاية الساعة، فرغم بروزي بقناة عربية إلا أنني حافظت على مكانتي وجمهوري بالقناة الأم بعد قبول المسؤولين على التلفزيون. هل أخرجك برنامج «سوالفنا حلوة» من محدودية التلفزيون الجزائري إلى الإعلام العربي؟ التلفزيون الجزائري لا يعطيك فرصة الإبداع والطموح، ويخشى المغامرة، ومع الأسف تقيده يضع الإعلامي في قوقعة تحصر مهاراته وموهبته كإعلامي، بينما المشرق العربي عموما فيطلق العنان لأفكارنا وموهبتنا المدفونة، وعن تجربة شخصية »سوالفنا حلوة« منحتني فرصة الإبداع، وخبرة جديدة تضاف إلى رصيدي الإعلامي. ما تقييمك الشخصي لمستواك في البرنامج العربي، بعيدا عن محدودية التلفزيون الجزائري؟ لا أستطيع أن أقول إنني أنصفت الجزائر وأعطيتها حقها من خلال الحلقات التي شاركت في تقديمها في برنامج «سوالفنا حلوة»، ولكنني حاولت قدر المستطاع أن أوصل صورة بلد عظيم يجهله الكثيرون في المشرق وحتى أبنائه يجهلون الثروة الفكرية الثقافية والتاريخية وحتى الاجتماعية التي يزخر بها. وأظن والحمد لله وفقت في ذلك. خصوصا أن التركيز في البرنامج كانت على دول الخليج، وكانت الإعلامية التونسية فرح بن رجب تمثل دول المغربي العربي، وكل معلوماتها عن الجزائر جد محدودة باعتبارها لم تزر يوما الجزائر، فبحكم عدم تطلعها على الوجه الثقافي والتاريخي لهذا البلد وشعبه لم تستطع إيصال صورته للمشرق العربي، وهذا ليس انتقاص من مكانتها الإعلامية وإنما قصر في عدم اطلاعها على الجزائر، بينما معدة البرنامج زارت الجزائر في إطار »الفنك الذهبي« للمشاركة في لجنة التحكيم، وهنا رأت أن الجزائر قارة في حد ذاتها، وتأكدت من أن الصورة الحقيقية للجزائر لم تصل بالشكل الصحيح للمشرق، الأمر الذي دفعهم لاستخراج إعلامي من البلد يحكي قصة وتاريخ الجزائر دون تقصير. لكننا لاحظنا غيابك عن النقاش؟ يبتسم.. على العكس تماما، هنا اسمح لي ولكن حضوري كان أكثر من اللازم حتى أنني صرت في فترة من الفترات أشكل خطرا على بعض الزملاء الإعلاميين الذين لمست فيهم نوعا من الغيرة، كون صرت أتدخل وأعطي رأيي في مواضيع أخرى غير الجزائر وأناقش قضايا وأعطي رأيي فيها كإعلامي. بالمختصر أخذت حيزا كبيرا في وقت قصير، حتى صرت أشارك في الإعداد وفي كتابة حلقات مواضيع وأحضرت صورا وأشياء عن الجزائر لم يعرفها أحد. لماذا غادرتها إذا؟ حقيقة الراتب كان مغرٍ جدا، التجربة أكثر إغراء لأني تكونت بشكل جد كبير، هذا النوع من التجارب والاحتكاك يعطيك كما هائلا من المعلومات وينمي قدراتك، حتى أنهم عاملوني على أنني نجم من نجوم الإعلام العربي. عندي سائق خاص، أسافر درجة أولى في الطائرة. كان لدي امتيازات كثيرة. ليس من السهل أن يترك شخص كل هذا وراءه ويعود، السبب الذي جعلني أغادر البرنامج هو الحدث الذي عاشته الجزائر ومصر بسبب مباراة أم درمان، الأمر الذي جعل كل الإعلام المصري يشن حملة على الجزائر، وإعلامنا منع الرد وكان فيه حكمة على كل حال. الإعلامية مقدمة البرامج الأساسية مريم أمين أهانت الجزائر عبر برنامج البيت بيتك الذي كانت تقدمه، ولأنني جزائري قبل أن أكون إعلامي رفضت التواجد معها في مكان واحد كجزائري، لم أتقبل الجلوس مع إعلامية أساءت باللفظ للجزائر لأنها بذلك تكون قد شتمتني بشكل غير مباشر. وإن كانت أقرب الإعلاميين لي وأكثرهم ترحيبا بي، ولكن عندما اتصلت بي معدة البرنامج وأرسل لي تذكرة السفر رفضت الانضمام للبرنامج. رغم أن الشركة المنتجة حاولت القيام بمصالحة بيننا لكنني لم أقبل فكرة المصالحة على قناة محايدة. لو كانت على قناة مصرية ربما من باب رد الاعتبار للجزائر ولشعبنا ولي كجزائري. لأن من أهان يكون أخي ووالدي وشهداءنا بوجه خاص، وهذا أكثر ما ألمني. هل حصلت على عروض أخرى خارج قناة »دبي tv«؟ كانت هناك عدة عروض من قنوات غير معروفة تبحث عن نوع الشهرة التي حققتها عربيا، وهناك أيضا قنوات معروفة. على غرار من من القنوات المعروفة؟ منذ مدة ليست بالبعيدة كنت من بين المرشحين لتقديم برنامج صباح الخير يا عرب إلى جانب الإعلامية لجين عمران، ولأول مرة أبديت الموافقة إلا أن الأمور جرت لصالح زوج أختها خالد الشاعر. في الواقع كنت جد متحمسا وكنت أنوي مغادرة الجزائري نهائيا. ولكن أظن أن الجزائر تحبني كثيرا. هل سئمت الجزائر؟ الجزائر لا تسأم، ولكن ال mbc حلم كل إعلامي، هي غير »دبي tv«، غير كل القنوات، لل »mbc« سحر خاص وتجربة صباح الخير يا عرب كانت ستخدمني كثيرا. لماذا الإعلامي الجزائري يتميز في الخارج بينما يبقى في طي النسيان في بلده؟ المشكل ليس في العنصر البشري، عادة الإعلامي الجزائري في التلفزيون الجزائري يقدم برامجا تخدم القناة وخطها ولا تنتمي لطموح ونظرة الإعلامي نفسه، وفي بعض الأحيان ليكون الإعلامي هاضم الفكرة فينعكس الأمر على مردود العمل ونجاح المذيع، حتى أن الشكل العام للبرنامج من ديكور وإضاءة وحتى تصوير تهدد نجاح البرنامج، مع الأسف في الجزائر لم تصلنا بعد ثقافة الإعلام ولا نعطي قيمة للسمع البصري. الأمر الذي جعل الإعلام الجزائري يسعى إلى إخراج طاقته الكامنة ومهاراته الإعلامية خارج حدود الوطن، وأظن أن النجاحات الكثيرة التي كسبتها الوجوه الإعلامية أكبر دليل على تمكننا. ولكن نبقى نرجو أن تتغير نظرة القنوات الجزائرية للإعلام. ولكن ما نخشاه هو أن يسيء الإعلام الخاص لصورة المجتمع الجزائري. كإعلامي جزائري ما هي قراءتك لفتح السمعي البصري؟ أعتقد أن فتح مجال السمعي البصري سيشهد نفس الفوضى التي عرفها فتح المجال أمام الصحف الخاصة في التسعينات، وبالتالي أتوقع ظهور قنوات لا حصر لها يكون في الغالب هدفها تجاريا، ولن يحكمها إلا دفتر شروط أتمنى أن يكون احترافيا من حيث مواده لضمان تفادي مثل هذه الفوضى. بالمقابل التلفزيون الجزائري سيواجه إشكالية هروب جماعي لكافة العاملين فيه، كما حدث في لبنان بعد ظهور القنوات الخاصة، وعليه أعتقد أن المسؤولين مدعوون بالنظر إلى هذه المعطيات والإمتثال إلى الحكمة في خطوتها نحو فتح مجال السمعي البصري وإبداء نيتها أولا بالسماح للقنوات الجزائرية التي تبث من دول أخرى إلى استثمار إعلامها محليا. والأكيد أننا سنلمح نوعا من التميع الإعلام والانحلال الأخلاقي الذي سيشوه صورة المجتمع الجزائري في السنوات العشر القادمة ولكن يبقى البقاء للأحسن. هل هناك مشروع برنامج جديد يحمل إمضاءك؟ بعد عودتي من »دبي tv« خطرت ببالي تقديم برنامج اجتماعي ضخم على القناة الجزائرية، اجتمعت بإحدى مؤسسات الإنتاج بفرنسا التي عرضت علي بعض البرامج الناجحة لأخذ فكرة عامة، في النهاية قررت تقديم برنامج «التوك شو» المعروفة في الدول العربية والغائبة في الجزائر، فكرة البرنامج شبيهة ب »سوالفنا حلوى«، من حيث الشكل العام، هو في العموم لقاء للأفكار والثقافات من خلال مجموعة من الشباب الجزائري الذين سيشاركونني برنامج »الأبواب«، هذا الأخير جاء اختياره على أساس أن يكون بوابة نفتحها لعبور ثقافات وعادات وتاريخ الجزائر. كما سيكون موضوع الحلقة الأولى عن الباب وحرمته وعلاقته بالتقاليد. شرعتم في التحضيرات، أم هو فقط مشروع على ورق؟ حاليا لا يزال مشروعا في انتظار الإنجاز، إلا أن قمنا بإعداد 20 حلقة هي جاهزة للبث، ولكن التلفزيون الجزائري لم يعط قبولا نهائيا لتخوفهم من فكرة البرنامج، ولتكاليفه التي اعتبروها جد كبيرة، مع العلم أن تكلفة ديكور البرنامج لا تتجاوز تكلفة طاولة نشرة الأخبار الجزائرية، ومع هذا لا نزال في انتظار الموافقة. في السنوات الأخيرة تعرضت لبعض الإشاعات الجارحة، كيف ترد عليها اليوم؟ الإشاعات صارت ترافقني اليوم وأخذت حيزا كبيرا من حياتي بحكم أن الصحف التي نشرت فيها تعتبر من أكبر الصحف في الجزائر وأكثرها مقروئية، ما يمكن أن أقوله اليوم هو أن ما نشر على لساني غير صحيح، وعن استعمالي مرضي كذريعة للشهرة أريد أن أوضح أنني لم أرغب يوميا في الفصح عن حالتي، إلا أن أحد أشباه الإعلاميين استغل وضعي وهددني أن ينشر خبر إصابتي بالسيدا للضغط عليّ كي أقبل التصريح له بحقيقة مرضي، هنا اضطررت للخروج والحديث عن مرضي مع إثباتات طبية. أكدت بعض الصحف في 2008 أنه لم يبق لك سوى سنتين على حسب نظرة الأطباء، ونحن الآن في 2012، ولله الحمد لا تزال متواجدا بيننا؟ هنا الزمن أكد صحة قولي، صحيح أنني مريض وقد تحدث عن هذا مرارا وتكرارا بعد أن أجبرت كما سبق وذكرت، ولكنني لم أصرح لأي جهة إعلامية عن المدة المتبقية لي لأن لا أحد يعلم سوى الله سبحانه وتعالى. ما هي برأيك مقومات نجاح الإعلامي؟ مزيج من العناصر التي تكمل بعضها. إنها حلقة مترابطة قوامها الإعلامي والضيف والديكور نفسه.