لايزال موضوع التربية ونشر الثقافة الجنسية السليمة عند المراهقين من المسائل التي تثير جدلا واسعا في أوساط المربين وأخصائيي علم النفس والاجتماع؛ وإذا كانت المناهج التربوية الغربية تدّرس الثقافة الجنسية كمادة تعليمية لايزال الأولياء يعتبرون مجرد الحديث عن الجنس أمرا محرما ينبغي تجنبه ولو بالتلميح ما أدى إلى انتشار العديد من صور الانحراف أو حتى العقد النفسية التي يرجع الأخصائيون سببها الأول إلى سوء فهم المراهقين لمعنى الجنس وأطره المشروعة، لأنهم وبكل بساطة لم يتلقوا تربية جنسية. وعن مدى إدراج التربية الجنسية في العملية التربوية التي يقوم بها الأولياء، اقتربنا من بعضهم لنتعرف على رأيهم حول الموضوع فكانت الإجابات والآراء مختلفة، إلا أن الجميع أجمع أن التربية الجنسية لا تلقى الاهتمام الكافي من طرف الأولياء وأهم سبب قدموه هو العرف الذي يمنعهم من ذلك. أولياء يعتبرون التربية الجنسية صب للزيت على النار أسباب عديدة جعلت الأولياء يستبعدون مسألة الحديث عن الثقافة الجنسية السليمة ومن أهمها خوفهم من فتح أعين أبنائهم على أمور يعتقدون أنهم يجهلونها، في حين يرى آخرون أن الجنس أمر يمنع الكلام فيه ولا يكتشف إلا بعد الزواج وهي العادة التي سادت منذ القدم. فحديث الأبناء عن الجنس مع أوليائهم هو نوع من قلة الأدب والاحترام، فيما لازالت العديد من الأمهات يحاولن تحذير بناتهن من الجنس غير الشرعي بأقل عدد من الكلمات، أما أخريات فلا يفتحن الموضوع إلا قبيل ليلة زفاف البنت لتلخّص لها الأمر في بعض الهمسات، توضح «فاطمة» 50 سنة وهي تبدي رأيها من مسألة التربية الجنسية أن هذه الأخيرة لم تكن معروفة لدى أبناء جيلها، أين كانت تسود القيم الأخلاقية «كان من غير المعقول أن يكون هناك حديث بين الأبناء وآبائهم حول موضوع الجنس، خاصة وأن الشباب يشعرون بالحياء من أوليائهم»، وتضيف: «كانت الفتاة منا تستحي من أن تعلم أمها بدورتها الشهرية، فما بالك بمسألة الجنس، فبالرغم من أن آباءنا لم يطلعوا على الجنس، إلا أننا كنا نعرف أن حدوده لا تتجاوز العلاقة الزوجية وكل ما يخص الأمر اكتشفناه بالصدفة»، وهو نفس الرأي الذي شاطرتها فيه العديد من النسوة ممن يعتبرن أن الحديث عن الجنس مع الأبناء خصوصا خلال سن المراهقة هو صبّ للزيت على النار وجعلهم يكتشفون أمورا لاتزال بعيدة عنهم، تقول «ليندة»: «إن المراهقة فترة حساسة في حياة كل الشباب وأخشى في حال تحدثت مع بناتي عن أمور الجنس أن يفهموا أنه مباح، ومادمت قد تكلمت عن بعض الأمور فذلك علامة على أنني موافقة على إقامتهن لعلاقات غير شرعية، فقد لاحظت ذلك من إحدى جاراتي التي كسرت كل الحواجز بينها وبين بناتها لدرجة أن ابنتها تخبرها أنها خرجت لتقابل شابا دون أن تبدي الأم أي رفض أو انتقاد». أولياء يقرون بأهمية التربية الجنسية في فترة المراهقة وخلافا لما سبق، وجدنا رأيا معاكسا، بل وداعيا لنشر الثقافة الجنسية عند الأبناء من خلال توعية الآباء بأهمية ذلك، حيث تقول «سهام» 35 سنة، أن العصر الحالي والتطورات التكنولوجية باتت تفرض على الآباء طرق وأنماط تربية جديدة لم تكن موجودة من قبل ومنها الثقافة الجنسية التي يجب أن يفهمها كل شاب في السن المناسب، حيث تؤكد أن الذهنيات القديمة يجب أن تتغير، وعن تجربتها مع التربية الجنسية تقول: «لدي ابنة في ال17 من العمر، وقد حرصت منذ بلوغها أن أفهمها ما طرأ عليها من تغيرات فيزيولوجية، كما تجدني أحرص على إفهامها أن الجنس هو شهوة خلقت في الإنسان، ويجب عليه أن يتحكم في هذه الشهوة، وأنه يجب أن تمنع أي شخص يحاول الاختلاء بها أو لمسها وبكل بساطة أن تمتنع عن إقامة أي علاقة حتى تتزوج وذلك بالاستناد إلى أحكام ديننا».هذا، ويلاحظ أن العديد من الأمهات يعتبرن أن التربية الجنسية تخص البنات فقط على اعتبار أن الفتاة هي الضحية الأولى في حال أقامت أي علاقة مشبوهة وبالتالي هي بحاجة إلى توعية أكثر من الرجل، رغم أن الكثير من الأخصائيين النفسانيين يؤكدون على أن غياب التربية الجنسية تجعل الشاب يعيش في دوامة من الأسئلة حول بعض الأمور التي يشعر بها أو يشاهدها ما قد يؤدي إلى انعكاسات على سلوك الأبناء تتجلى في مختلف أشكال الانحراف بما فيها بناء علاقات غير مشروعة، ،إقامة علاقات جنسية متعددة وقد يصل الأمر إلى المثلية الجنسية. المفاهيم الخاطئة عن الجنس قد تنعكس سلبا على الحياة الزوجية وهو نفس ما كشفت عن ه»أم اكرام« أخصائية في علم النفس خلال حديثها عن الموضوع، حيث توضح أن بعض طرق التربية الخاطئة جعلت بعض الآباء يغرسون في عقول أبنائهم أن الجنس أمر محرم دون أن يقدموا لهم تفسيرا واضحا لذلك ما انعكس مستقبلا على علاقاتهم الزوجية، تقول هذا وهي تتذكر ما حدث مع »أمين« وهو شخص تلقى تربية جنسية خاطئة، فقد كان الجنس بالنسبة إليه عيبا وعارا على كل من يمارسه، ولكن نتائج تلك التربية سرعان ما ظهرت بعد زواج «أمين» الذي كان يعاني من الكبت الجنسي دون أن يشعر بذلك ما جعله لا يستطيع الاقتراب من زوجته، وخلال جلسة له مع أخصائي نفساني، صرح أنه تربّى منذ صغره أن الجنس أمر دنيء ولا ينبغي للإنسان العاقل أن ينزل إلى هذا المستوى، هذا ما كان يتلقاه «أمين» من والده ما جعله ورغم كل المغريات التي قد تجرف أي شاب يتمكن من كبت مشاعره حتى بعد دخوله القفص الذهبي، والأمر نفسه حدث مع إحدى الشابات والتي منعت زوجها من الاقتراب منها والسبب هو أن أمها كانت لا تكف عن تحذيرها ونهرها من أن أي علاقة تقيمها ستقضي على مستقبلها، وحسب التحليل السيكولوجي الذي قدمته الأخصائية النفسانية لهذه الحالة، فإن الجنس من مفهوم الشابة ارتبط بكل معاني الأذى ما جعلها تخاف من أي علاقة جنسية وإن كانت مع زوجها. وفي نفس السياق، أشارت المتحدثة أن المراهقين في حال لم يجدوا الإجابة الوافية لما يكتشفونه من أمور تتعلق بالجنس، فإنهم يسعون للحصول عليها من مصادر أخرى، وهنا تكمن الخطورة الكبرى، إذ يمكن أن يحصل المراهق على إجابات خاطئة لا تتوافق مع المبادئ والأخلاق وحتى الهدف الذي جاء الجنس بغرض تحقيقه ألا وهو التكاثر واستمرار النسل وذلك بعد الزواج تقول المتحدثة: «إن الطبيعة تخشى الفراغ وإذا لم يقم الوالدين بما عليهما من خلال تقديم مبادئ التربية الجنسية السليمة وذلك من خلال فتح الحوار مع الأبناء واستقبال كل استفساراتهم مع الإجابة عنها من خلال أسلوب مبسط وعبارات مهذبة وذلك بالاستدلال بآيات قرآنية وأحاديث نبوية يثبتون بها ما يقولون،، كما عليهم أن يدركوا جيدا أن الشاب لديه العديد من المصادر الأخرى التي يمكن أن يحصل من خلالها على معلومات خاطئة سواء من الأصدقاء أو مواقع الانترنت». هذا وأشارت المتحدثة أن الجنس أصبح من أكثر المواضيع التي يتحدث عنها الشباب بكثرة، وهو ما أكدته بعض من تحدثن إليهن، منهن »سارة« 15 سنة والتي أكدت أنها لم يسبق وأن تحدثت مع أمها عن أمور الجنس «لأنها ستقتلها» على حد قولها، إلا أنها اكتسبت الكثير من المعلومات من خلال احتكاكها بصديقاتها من خلال تلك الجلسات التي تروي فيها إحداهن تفاصيل مشاهد ساخنة شاهدتها في فيلم ما أو قصص سمعتها من إحدى أخواتها أو قريباتها المتزوجات لتنقلها بدورها لصديقاتها، حيث تؤكد أغلبية الفتيات أنهن لم يعرفن معنى الجنس إلا من خلال صديقاتهن، والأمر نفسه بالنسبة للذكور لتبقى تلك المعلومات راسخة في الذهن يفكر فيها في خلوته دون أن يبحث لها عن تفسير آخر غير الذي يشاع في أوساط الشباب، وعليه نصحت المختصة النفسانية بضرورة أن يتولى كل أب مهمة إفهام ابنه جل التغيرات التي تطرأ عليه عند البلوغ وحقيقتها، والأمر نفسه بالنسبة للأم مع ابنتها، كما تضيف عن هذا: «يفضل دوما أن نشرح للشاب جل التغيرات الهرمونية التي يتعرضون لها بمجرد دخول سن المراهق، كما يجب على الأم أن تفهم البنت كل الجوانب من الحيض وأهميته، لأن الفتاة في حال لم تجد تفسيرا عما تتطلع عليه من أمور ما يزيد احتمال اكتسابها لمعلومات وسلوكات خاطئة، ليبقى الحوار هو السبيل الوحيد في مساعدة الإبن في الفهم الصحيح للجنس والوصول به للنضج الجنسي». أما عن الفكرة التي يغرسها بعض الأولياء في أبنائهم ويصورون لهم الجنس في أبشع صوره، فقد انتقدت «أم إكرام» ذلك بشدة ودعت قائلة: «يجب أن نفهم أبناءنا أن الجنس شهوة خلقها الله في الإنسان يجب أن يصرفها فيما أحل الله، كما أنها طاقة لها دور في خلق توازن الفرد، فأي خلل في الحياة الجنسية تظهر نتائجه واضحة في حياة الإنسان ذكرا كان أم أنثى».