ما تعرفه الساحة العربية من تحركات تجاه الوضع في غزة لم ولن يخرج عن ما ألفناه سابقا من كوميديا سيئة الإخراج تميزها هذه المرة حركات استعراضية وهمية تقوم بعض الدول العربية موجهة للاستهلاك الإعلامي وفقط. عندما تهدد دول كمصر مرسي بمراجعة اتفاقيات السلام مع إسرائيل على خلفية إبادة هذه الأخيرة لشعب غزة، فتلك هي قمة الإستغباء واللعب على وتر أحاسيس المواطن العربي الذي غالبا ما يتعاطى مع القضية الفلسطينية بعاطفية وبسذاجة. أولا، ليست هذه أول مرة التي تستحضر فيها الدول العربية هذه "الأغنية" من أرشيف جامعتها الواهنة حيث أضحى هذا التهديد الزائف "كلاسيكيا" كلما رغبت تل أبيب في إبادة ما تبقى من شعب غزة. ثانيا، عندما يقوم وزراء خارجية دول كمصر وتونس بزيارة قطاع غزة المحاصر فذلك يكون بعد موافقة إسرائيل للزيارة وتحت مظلتها، ما يعني أن هذه الدول تربطها بالدولة العبرية علاقات دبلوماسية. ثالثا، قضية طرد وسحب واستدعاء السفراء باتت، مع ما آل إليه الوضع في فلسطين، بمثابة أضعف الإيمان الإعلامي الذي سرعان ما يتبخر مفعوله بمجرد اختفاء صور الأطفال المنكلة جثثهم من شاشاتنا عندما تقرر إسرائيل، وإسرائيل وحدها، متى يحين وقت توقف غارات طائرات ال"F16" فوق سماء غزة. نقول هذا لأن الكثير منا راح يفتخر ويتفاخر بشجاعة مصر وتونس ما بعد الثورة متناسيا في ذلك أنهما لم تزيدا شيئا عن المعتاد ألا وهو التمويه وذر الرماد في أعين المواطن العربي العاطفي الطرح. ونقول هذا لأن الكثير منا صب جم غضبه على الدبلوماسية الجزائرية واستنكر موقف الجزائر التي لم يتنقل وزير خارجيتها لغزة لسبب بسيط هو أنه لا يستطيع طلب رخصة زيارة من سفارة دولة هو لا يعترف بها أصلا. هناك ثلاثة حقائق لا يمكن لأحد نكرانها في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. الأولى هي أن الجزائر ليست في حاجة إلى إثبات موقفها تجاه القضية الفلسطينية ولا داعي هنا لسرد كل ما بذلته الجزائر من جهد في سبيل إسماع صوت الفلسطينيين. الثانية، هي أن إسرائيل، تلك الدولة المجهرية، هي مايسترو الشرق الأوسط وهي من يحدد نسق الأحداث به وأن الدولة الوحيدة التي تشكل قلقا لها هي إيران وليسوا بدو الخليج ولا شعراء السياسة في مصر والأردن وتونس. أما الحقيقة الثالثة فهي أننا رجعنا وبعد عشرات السنوات إلى قناعة أن السلام في منطقة الشرق الأوسط لن يتحقق لا بجمع التوقيعات على "الفايس بوك" ولا بالوقفات التضامنية الشاعرية ولا بالتنديد ولا بسياسة النعامة المتبعة من طرف جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي، بل سيتحقق بالحرب وبالحرب فقط. تماما كما كان يقول ويكرر هواري بومدين وجمال عبد الناصر.