خلال زيارتنا لولاية الوادي ونحن نسير في وسط مدينة وادي سوف وتحديدا في ضواحي السوق المركزي للمدينة لفت انتباهنا تواجد زاوية في أحد أركانه وهي زاوية سيدي سالم، حملنا الفضول لاكتشاف سرح الزاوية وطبيعتها رفقة أحد معارفنا ياسين وهو بدوره ابن الزاوية. دخلنا الزاوية أين وجدنا أحد أبناء الزاوية عز الدين السالمي ابن شيخ الزاوية الشيخ حسين السالمي الذي رحب بزيارتنا وفتح لنا باب اكتشاف الزاوية الرحمانية، وعرض علينا إلقاء نظرة على المقر الأصلي لزاوية سيدي سالم الرحمانية الذي تجدد في السنوات الأخيرة. منارة تشهد لعمق الحضارة والتاريخ لعل أهم ما يلفت الانتباه في مسجد "سيدي سالم" منارته التي تمثل، حسب "عز الدين" أهمية ثقافية وتراثية وسياحية والتي تعد من المنارات التي يعود بناؤها إلى القرن 19، حيث يصل ارتفاع المنارة إلى 70,18 متر، وشكلها المعماري يعود إلى الطراز الأموي الذي ميز بلاد الأندلس وبلاد المغرب، وهي منارة تشبه منارة أول مسجد بني بالقيروان بتونس على يد الصحابي عقبة بن نافع أثناء الفتح الإسلامي، صعودنا إلى أعلى المنارة جعلنا نحس بالعمق الحضاري لهذه المدينة وبوجه خاص الزاوية السالمية، التي تأسست على يد شيخ الطريق سيدي سالم بن محمد الإدريسي الحسني الذي توفي سنة 1277 م. منارة المسجد تكتسي أهمية خاصة عند أهل وادي سوف وأتباع الطريقة الرحمانية التي تعود إليها زاوية سيدي سالم وحتى بعض زوارها، وفي هذا الشأن يقول عز الدين بأن الكاتبة المسلمة إيزابيل إيبرهاردت عندما صعدت إلى قمة المنارة سنة 1899م، شاهدت القباب تعلو بيوت سكان وادي سوف، فأطلقت من فوق المنارة تسميتها لوادي سوف ب"مدينة الألف قبة وقبة" ومنذ ذلك الحين التصق الاسم بالمدينة وشاع بين العام والخاص. زاوية رحمانية تجمع بين الأصالة والمعاصرة لكن زيارتنا للمقر الجديد للزاوية وضح لنا الرؤية بعدما اكتشفنا أن الزاوية جمعت بين الأصالة والمعاصرة، على حد قول الناطق الرسمي لزاوية سيدي سالم الرحمانية، صادق فقيري، بعدما تعذر علينا لقاء شيخها حسين السالمي لأسباب صحية، من خلال معرفتنا أن الزاوية فتحت أبوابها للطلبة الجامعيين من خلال تعليم القرآن وأصول الدين الحنيف إلى جانب تنظيم مكتبة جامعة لكل العلوم التقنية والأدبية، والتي تعد حسب المتحدث ثاني مكتبة مجهزة بالكتب القيمة بعد مكتبة الجامعة، التي تلعب دورا هاما في توجيه الطلبة، كما تحوي على حوالي 500 رسالة تخرج دكتوراه، ماجستير وليسانس التي يقدم الطلبة نسخة منها بعد التخرج ويفيدون بها مكتبة الزاوية، كما تحوي المكتبة على قاعة انترنيت، آلات ناسخة إلى جانب مكتبة إلكترونية في شكل أقراص مضغوطة لصالح الطلبة. ويعمل القائمين على رعاية شؤون الزاوية وعلى رأسهم الشيخ حسين السالمي في تبليغ الشباب أسس الدين الإسلامي بحذافيره وفق جدول للتوقيت يمنعهم من التطلع إلى الأمور التي لا تخدمهم من تسكع ومخدرات أو انحراف سلوك، وتصبح الزاوية التي تسعى للحفاظ على المرجعية الدينية والشخصية الوطنية وجهتهم الوحيدة. من جهة أخرى لاحظنا من خلال حديثنا مع "صادق" أن زاوية سيدي سالم لا تزال تحتفظ بأصالتها في تسيير أمور المجتمع ورعاية شؤونه من خلال تحفيظ القرآن وتدريس العلوم الشرعية، والإرشاد والتوجيه، ونشر المحبة والإخاء بين الناس، وفك الخصومات بين الناس من خلال لعب دور الوسيط الاجتماعي، أين يسعى شيخ الزاوية حسين السالمي إلى فك الخصوم بين الناس بمشاركة مشايخ المدينة ومنع وصولها إلى المحاكم، وإيجاد حلول وسطية بين الطرفين المتخاصمين.