تنامي "الفايسبوك" في الجزائر كفضاء تواصل اجتماعي ليس مؤشرا جيدا بالضرورة، لأن هذا الموقع قد عوض كل فضاءات التعبير الطبيعية وقنوات النضال القانونية، وتحول لما يشبه الغابة التي يدلي فيها كل بما يكن في قرارة نفسه بكل "حرية"، والحرية قرينة المسؤولية وإلا فهي فوضى. لست أدري إن كانت السلطة تراقب فعليا هذا الفضاء وتغربل كل ما يدور فيه من مواضيع، وليس المطلوب منها فعل ذلك بداعي الحجر على حق الناس في الإدلاء بآرائهم، لكن التجربة أثبتت أن هذه المواقع ليست فقط مساحات لمشاركة صور أعياد الميلاد أو موائد الإفطار في رمضان، وقد تتمدد إلى دعامات خطيرة تستغلها مختلف شبكات الإجرام أو إلى منصات للتحريض خلال الأزمات، والأكيد أنه يتعين عليها بذل مجهود أكبر في مجال مجابهة الأخطار المتعلقة بالتكنولوجيات الحديثة والتي لا تقتصر فقط على تطبيق "الحوت الأزرق" أو قرصنة الحسابات الشخصية. ربما لا تعي السلطة أن "الفايسبوك" قد تحول منذ سنوات، إلى مرتع لشتى أشكال العنصريين والمرضى الذين يبثون بخبث عظيم الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، وبأن اجتهادهم في سبيل ذلك بمقابل تجاهل المصالح المعنية لخطورة نشاطهم، قد ولد صنفا جديدا من الشباب الجزائري يكره بعضهم بعضا لأسباب واهية ومعظمهما مفبرك بعناية فائقة تحاكي الدقة العلمية، وما كان قبل سنوات، مجرد هذيان فردي منعزل لبعض المعتوهين، تحول مع مرور الزمن إلى مدرسة قائمة بذاتها يتبادل داخل إطارها جزائريون الشتائم والتخوين والنظريات التآمرية، وكل المؤشرات تحيلنا على خطر متفاقم قد يتجاوز يوما ما حدود العالم الافتراضي، ويبدو أنه قد سبق وأن فعل. الأمر جلل فعلا، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته قبل فوات الأوان، وهذا الجميع لا يشمل بأي حال النخب النشطة في هذه المواقع، وهي التي أثبتت فشلها الذريع في تثقيف المجتمع وتحصينه ضد عوامل التفرقة، بل أنها تشارك في ذلك في أغلب الأحيان، مثبتة بذلك، عدم جدارتها بالمساحة التعبيرية التي أتيحت لها. القضية أضحت قانونية أمنية.