الإخوة كينيدي والرئيس نيلسون والميلياردير روكفيلر كانوا أصدقاء لرجل المخابرات الجزائري قال الدكتور أحمد عظيمي، إن حياة المرحوم مسعود زفار (1926 - 1987)، حافلة بالكثير من الظلال والكثير من الأمور التي قد تثير العديد من التساؤلات، خاصة وأن ما أنجزه لصالح الجزائر تم أساسا بالتنسيق مع رجلين اثنين لم يعودا موجودين، وهما المرحوم عبد الحفيظ بوالصوف، خلال الثورة المسلحة، وهواري بومدين، منذ توليه الحكم سنة .1965 وأضاف الدكتور عظيمي أن ''طبيعة النشاط الذي تعلّق أساسا بتسليح الثورة ثم بربط علاقات معينة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد تولي هواري بومدين الحكم في الجزائر، وكذلك القيام بمهام استخباراتية لصالح بومدين (أو لصالح الجزائر)، هي التي تجعل هذه الحياة حافلة. الدكتور أحمد عظيمي ل ''الخبر'' ''زقار شكّل مصالح أمنية موازية باعتراف قاصدي مرباح'' عاد الدكتور أحمد عظيمي في لقاء مع ''الخبر'' لنضال المرحوم مسعود زفار، وقال: ''قرأت شهادة قاصدي مرباح، مدير المخابرات الجزائرية في وقت هواري بومدين، أثناء محاكمة مسعود زفار بالمحكمة العسكرية بالبليدة، والتي قال فيها بالخصوص إنه كانت هناك مصالح أمنية واستعلامات أخرى لم تكن تتبعه، وهي ''مصالح موازية إحداها مسيّرة من طرف زفار الذي كانت له مكانة خاصة لدى بومدين''. وواصل مرباح قائلا: ''زفار هو صديق لبومدين منذ زمن بعيد. لقد عرفه خلال سنتي 1957-1958 بالحدود وبقى على علاقة معه''. كشف الدكتور عظيمي، أن قاصدي مرباح اعترف أثناء محاكمة زفار بما يلي: ''شغل زفار منصبا مهمّا خلال حرب التحرير بوزارة التسليح، وكانت له علاقات متينة مع بومدين الذي كان صديقه، وقد أنشأ شبكة موازية من الصداقات والاستعلامات والمعلومات لصالح رئاسة الجمهورية. لقد كان يستعمل هذه الوسائل للحصول على معلومات للاستفادة منها في التأثير على بعض البلدان أو للقيام بمهام خاصة يكلّف بها من طرف الرئيس.. كان صديقا حميما لبومدين، وإذا بحثنا في قائمة أصدقاء بومدين، فإننا نجد زفار على رأسها وأحد القلائل في هذه القائمة، لكن كصديق حميم فهو الوحيد''. ويعتقد عظيمي أن حياة زفار كانت حافلة ومتعددة الاتجاهات، فهو المجاهد ورجل الأعمال والدبلوماسي، وأيضا رجل المهمات الصعبة والخطيرة والغامضة. وقال: ''من هنا تبدأ صعوبة التعرض لحياة الرجل ولنشاطاته وإنجازاته لصالح الثورة الجزائرية ولصالح الجزائر أيضا بعد استعادة السيادة الوطنية. هذه الحياة المليئة بنشاط معظمه سري، وبقي كذلك لحد الآن تصعب عمل أي باحث يجرّب مغامرة البحث في حياة رشيد كازا''. وعاد عظيمي لكتاب المرحوم عبد الكريم حساني، الصادر بعنوان ''حرب عصابات خفية''، وقال: ''تحدّث حساني في كتابه عن اجتماع عقد في جوان 1956 برئاسة بوصوف وحضره مسعود زفار. في هذا الاجتماع يقدم زفار تقريرا لبوصوف عن زيارة قام بها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ويخبره بأن الأمريكيين على استعداد لمدنا بطائرات مقابل أن نعدهم بإمدادهم بالبترول بعد استعادة السيادة الوطنية. في نفس الكتاب يشير المؤلف، الذي كان أحد ضباط جيش التحرير الوطني، إلى علاقات زفار بعائلة كنيدي، حيث كانت تربطه علاقات صداقة مع زوجة السيناتور كنيدي''. وفي المغرب تمكّن زفار من إنشاء شبكة استعلامات في محيط الرئيس الفرنسي، واستطاع أيضا حسب شهادة الدكتور عظيمي من تجنيد ضابط برتبة عقيد كان يعمل بديوان الرئيس ديغول، وكان يستفيد منه في الحصول ليس فقط على المعلومات بل حتى على مشاريع الرئيس الفرنسي قبل أن تتحول إلى قرارات. وأضاف: ''بالمغرب، وبالموازاة مع ممارسة العمل التجاري، أقام زفار شبكة من العلاقات مع مختلف فئات المجتمع المغربي بما في ذلك وجوه بارزة من القصر الملكي، كما أن علاقاته مع الضباط الأمريكان مكنته فيما بعد من ''اختراق'' الكونغرس الأمريكي بالتعرف على الإخوة كنيدي، كما كانت له صداقات مع نيلسون، وروكفيلار وبعض أعضاء الكونغرس الأمريكي''. بعد أن كان مستودع أسرار الرئيس هواري بومدين مسعود زقار اتُهم بالمساس بأمن الدولة أوضح الدكتور أحمد عظيمي، بخصوص نشاطات مسعود زفار بعد استعادة السيادة الوطنية: ''إن الرئيس هوري بومدين كان يرى في زفار أحد أقرب المقربين إليه، ويقال إنه كان من القلائل جدا الذين كانوا يزورونه في بيته في أي وقت وبدون موعد سابق، وأنه كان محل ثقة كبيرة ومستودع أسرار بومدين الذي واصل الاعتماد على صديقه لتحقيق الكثير من الإنجازات وربط العلاقات مع الأطراف المؤثرة في العالم لاستعمالها لصالح الجزائر ولخدمة صورتها في الخارج''. قال عظيمي ل''الخبر'': ''كثيرا ما طرح السؤال التالي على أعلى المستويات: من استعمل الآخر، بومدين أم زفار؟ هل زفار هو الذي استعمل واستفاد من بومدين؟ أم أن الأخير هو الذي استفاد من علاقات صديقه مسعود خاصة مع أكبر المؤثرين في السياسة الأمريكية؟ طبعا، لا أحد يستطيع الإجابة عن السؤال. لكن تجدر الإشارة إلى أن مسعود زفار تعوّد أن يردد أمام أصدقائه ومعارفه أنه لم يأخذ يوما فلسا واحدا من الجزائر وأنه لما غادر الجزائر نحو المغرب كان مفلسا. وفي الدارالبيضاء المغربية بدأ نشاطه التجاري ومنها انتقل إلى جهات أخرى من العالم مستفيدا من علاقاته العديدة والمتنوعة مع رجال المال والسياسة''. وقال عظيمي: ''في سنوات السبعينيات من القرن الماضي، أصبح مسعود زفار يرتّب من بين المائة الأكثر غنى في العالم. كما أن علاقاته أصبحت تشمل الكثير من الرؤساء وكبار رجال الأعمال في العالم والذين كان من بينهم الرئيس بوش الأب، الذي كثيرا ما استفاد من الدعم المالي واللوجستيكي لرشيد كازا أثناء الحملات الانتخابية، من ذلك أنه قام بحملته الانتخابية لمنصب نائب رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية على متن طائرة خاصة يملكها زفار''. ويكتسي سجن زفار بعد رحيل هواري بومدين كثيرا من الغموض، وقال عظيمي بخصوص هذه المسألة: ''ولعل ما يؤكد ضلوع أطراف غير أمنية في سجن مسعود زفار هو ما جاء في تصريح للمحامي حميدي خوجة وهو أحد الذين تولوا الدفاع عنه، حيث يؤكد قائلا بأن ''مدير المخابرات الجزائرية آنذاك لكحل عياط، قال لي بأنه لم يكن يعلم بتوقيف مسعود زفار إلا بعد أن أحضروه إليه''. مضيفا بأن الجنرال لكحل عياط ''خاف أن يُقتل مسعود زقار أو يصاب بأذى، فحوّله مباشرة إلى المحكمة. مضيفا ''وذات مساء، فاجأتنا نشرة أخبار تلفزيون الدولة بصورة رشيد زفار على الشاشة والمذيع يقرأ خبرا يقول بأنه تم إلقاء القبض على رجل خطير على أمن البلد وسلامته وهو المدعو زفار مسعود، وكانت التهم عديدة منها التخابر والعمالة لقوى أجنبية، امتلاك أسلحة وأجهزة إرسال لاسلكي، امتلاك مبالغ مالية بالعملة الصعبة''. وانتهت المحاكمة حسب عظيمي بتبرئة زفار بعد ثلاث سنوات ونصف من السجن، وبعد محاكمة شهد خلالها كل الشهود لصالحه، وأكدوا بأن الرجل كان يقوم بمهامه بأوامر من الرئيس هواري بومدين شخصيا، وكان من الشهود من قال بأن محاكمة زفار هي محاكمة لهواري بومدين ولمرحلته. وأضاف: ''بعد إطلاق سراحه ورفاقه من السجن، بقي مقيما بمدينة العلمة لعدة أسابيع قبل أن يعاد له جواز سفره ويسافر إلى الخارج حيث وافته المنية بالعاصمة الإسبانية مدريد يوم 21 نوفمبر .1987 ولم يعد الاعتبار للرجل إلا بعد مجيء الرئيس بوتفليقة للحكم، حيث أطلق اسمه على الملعب الجديد بالعلمة، لكن الرجل يستحق منا أكثر من ذلك كتاب وفيلم عن حياته كي تعرفه الأجيال الجزائرية المقبلة. انخرط في السياسة وعمره ثلاثة عشر عاما يرى الأستاذ إسعد هلالي، أنه من الحقائق التي يقف عندها جل المؤرخين مسألة دراسة التراجم أو سير القيادات والشخصيات. فقد يرى فيه البعض عملا وطنيا خالصا لأن استجلاء مسيرة الزعماء لا يتوقف عند حد الدراسة فحسب، بل يصل إلى الافتخار والاعتزاز بهؤلاء وجعلهم قدوة يقتدي بها باقي فئات المجتمع. ويعتبر زفار، حسب الأستاذ هلالي، من أعظم ما أنجبت الجزائر. فرغم أنه لم يتجاوز سن الثالثة عشر عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية بحكم أنه من مواليد 8 ديسمبر 1926 بالعلمة، إلا أنه انخرط في العمل الكشفي والنشاط السياسي، حيث كانت خلية حزب الشعب بالعلمة بقيادة المرحوم جيلاني مبارك وانضم إليها مناضلين آخرين شاركوا في النضال السياسي مثل بشير قصاب ومحمد بلفاضل، وفاضلي السعيد ولخضر لونيس وعايش الهادي وعبد الرحمن جيلاني والصغير جيلاني والهامل جيلاني وسعدون بوزيد وحارش عمار وصالح مخالفة وعبد الحميد مخالفة ومنير سلامي. ويقول أحد رفقاء زفار، وهو ''بن لعوكلي بن يحي'' إنهما كانا يبيعان الحلوى وهما صغيرين، وفي نفس الوقت يوزّعان مناشير حزب الشعب التي يسلّمها لهما جيلاني مبارك. وقد زاد نشاطهما أكثر بعد نزول الحلفاء بالجزائر في شهر نوفمبر 1942 رافعين شعارات الدفاع عن الحرية والديمقراطية. فاستغل الوطنيون هذه الفرصة لتبليغ مطالبهم. وتمخض عن هذا النشاط الوطني الذي شهدته مدينة سطيف ميلاد بيان فيفري 1943 الذي يعتبر منعطفا تاريخيا مهما في نشاط الحركة الوطنية الجزائرية، وكان سببا في ظهور حركة أحباب البيان والحرية في 14 مارس 1944 التي استطاعت أن تؤسس أكثر من 165 فرع وحوالي نصف مليون منخرط. وهذا ما جعل الإدارة الفرنسية تكثّف مراقبتها على مناضلي حزب الشعب ومن بينهم مسعود زفار الذي أدخل السجن سنة 1945 وقضى عدة أشهر، إلى أن صدر قانون العفو العام الذي أصدره البرلمان الفرنسي في شهر مارس .1946 رجل المهمات الصعبة أثناء الثورة كشف الأستاذ عبد الله مقلاتي عن وجود خلافات بين عبد الحفيظ بوالصوف ومسعود زفار. وعليه اتهم بوالصوف زفار بالعمالة للأمريكيين، فأراد محاكمته ثم إعدامه، لكن العقيد هواري بومدين تدخّل لصالح زفار. وفيما بعد لعب زفار دورا كبيرا خلال الصراع الذي دار بين قيادة أركان الجيش والحكومة المؤقتة، بوقوفه إلى جانب بومدين. يربط الأستاذ والباحث في التاريخ عبد الله مقلاتي بين اسم مسعود زفار وبين المنجزات التي ينهض بها المخلصون في خدمة الوطن خلال الأوقات الصعبة. فالرجل الذي نشأ كادحا من أجل لقمة العيش، وكافح من أجل إعالة أسرته الصغيرة بالعلمة، ينخرط بعد أحداث الثامن ماي 1945 في النضال الوطني بالعلمةوبوهران التي حل بها للتجارة، هناك يتغذى من أفكار الوطنيين ويقرر أن يسخّر نفسه وماله لخدمة القضية التحررية. وقال الأستاذ مقلاتي ل''الخبر''، إن القدر أراد لزفار أن يكون على موعد لأداء المهام الصعبة، حيث كانت الثورة التحريرية في أمسّ الحاجة إلى تضحية الرجل وذكائه وخبرته، وهو الوطني المخلص والداهية الفطن، والخبير الذي بدأ يدرك بفطنته كيف يتحرك العالم حوله. وأضاف: ''في البدء عمل مساعدا للحاج بن علة في التحضير لاندلاع الثورة، وانخرط في شبكات جبهة التحرير الوطني مستعينا بخبرته وماله في دعم الثورة بالمنطقة الخامسة. ولما اكتشف أمره في بداية عام 1956 التحق بالجبل تاركا ورائه عائلته وتجارته الناجحة. وهناك اكتشف بوالصوف خبرته ودهائه فسخّره للمهمات الصعبة، ومنها اقتناء الأسلحة والمعدات لصالح جيش التحرير الوطني. استقر في الدارالبيضاء، وكان كثير التنقل داخل المغرب وفي أوروبا، يتقمص الكثير من الشخصيات ويربط علاقات وطيدة مع رجال الأعمال والشخصيات السياسية خاصة الأمريكية ومنها عائلة كنيدي. اقتنى للثورة أسلحة من القواعد الأمريكية بالمغرب، وتمكّن من عقد صفقة سرية لشراء أجهزة الرادار اللاسلكية من مصانع الحلف الأطلسي عام ,1956 استغلها بوالصوف في تكوين ضباط اللاسلكي وتزويد الثورة بجهاز الاتصالات والاستخبارات وكذا في تدعيم مؤسسة البث الإذاعي التي بدأت تقوم بدور إعلامي وتعبوي''. ويضيف الأستاذ مقلاتي: ''كان زفار يدير مصلحته انطلاقا من الدارالبيضاء، وكان يرافق بوالصوف في مهامه السرية الصعبة إلى أوروبا، ويتكفل بالمهام الدبلوماسية الدقيقة، خاصة ما تعلق بإدارة العلاقات مع المعسكر الغربي، حيث كلف باستثمار علاقاته الشخصية مع كثير من العسكريين ورجال الساسة لخدمة قضيته الوطنية، وسمحت له تلك العلاقات الواسعة والنافذة من تحقيق عدة انتصارات دبلوماسية خلال الثورة وبعد استقلال الجزائر''. مضيفا: ''إن النجاحات التي حققها بوالصوف كانت مدعومة من قبل زفار، وقد حدثت بين الرجل خلافات سبّبتها الوشاية والاختلاف في المواقف، وقد همّ بوالصوف يوما للحكم على زفار بالإعدام إثر وشاية تتهم زفار بالعمالة للأمريكيين، ولكن بومدين تدخّل لنصرته، وهو أمر وطّد العلاقة بين قائد هيئة الأركان العامة وزفار. وقد اشتكى بوالصوف مرارا أن زفار كان رقما مهما في ترجيح نفوذ بومدين عليه وعلى قيادة الحكومة المؤقتة''. وتحت مظلة رجل الأعمال، كان زفار، حسب الأستاذ مقلاتي، ينهض بالمهام الأصعدة خدمة للجزائر المستقلة، بحيث استطاع أن يشكّل لوبيا أمريكيا استماله لخدمة مصالح الجزائر، فإليه يرجع الفضل في إنجاز صفقة بيع الغاز السائل لأمريكا، وفي تموين مشروع مركب الغاز بأرزيو من ''أكسيم بنك الأمريكي'' والذي مهد لتأميم البترول، وفي شراء أنواع محتكرة من الأسلحة، وفي ترتيب الزيارة التاريخية لبومدين إلى واشنطن عام .1969 كما كان زفار يدير عملا استخباراتيا مسخرا لخدمة الدولة الجزائرية، تمثل في التكفل بمهام دعم حركات التحرر، ومنها الحركات الإفريقية ومنظمة التحرير الفلسطينية التي كان الرئيس بومدين يحرص على دعمها، وكذا علاج بعض القضايا التي تتطلب دبلوماسية موازية. عاش في الظل ورحل كذلك موكب جنائزي مهيب حيّر جيل الاستقلال يعتبر أستاذ التاريخ حداد أحمد المرحوم ''مسعود زفار، من رجال الثورة الجزائرية التي لم ينفض الغبار عنها بعد، شأنها شأن الكثير من الشخصيات التي كانت بمثابة جنود الخفاء الذين بقوا في منطقة الظل، بحكم خصوصية الموقع الذي تواجدو به لتأدية واجباتهم الوطنية. قال الأستاذ حداد في لقاء مع الخبر: ''حان الأوان لإماطة اللثام عن هذه الشخصيات والاجتهاد في التعريف بها بنفس حجم التضحيات التي قدمتها في سبيل الاستقلال'' وأن تخصص لهم أيام دراسية ومحاضرات وأطروحات جامعية حتى نضمن التواصل بين جيل الثورة وجيل الاستقلال''. وينتمي ابن مدينة العلمة، حسب الأستاذ حداد لأسرة متواضعة، إذ اشتغل والده بالفلاحة، ثم ما لبث أن امتلك مقهى بوسط المدينة، ولم يسعف الحظ مسعود بمواصلة الدراسة، فأصبح يساعد والده بالمقهى. ولكن حيوية هذا الشاب ونشاطه المغامر، جعل والده يقوم بتزويجه وهو في سن الثالثة عشر، وهو الأمر الذي لم يتقبله مسعود وما لبثت الزوجة أن عادت لبيت أهلها، وتفرّغ الشاب الحيوي الذي يملك موهبة ومهارات في العلاقات العامة لمشاريعه التجارية، إذ بدأ في بيع الحلوى رفقة أحد أقاربه. ونظرا لذكائه انتقل من مرحلة البيع إلى مرحلة الصناعة، وما إن بلغ سن 24 سنة حتى أصبحت له ثلاثة معامل للحلوى. الأول بمسقط رأسه العلمة والثاني بوهران، أما الثالث فأنشأه خارج الوطن بالدارالبيضاء بالمغرب الأقصى ما بين .1950-1949 توفي مسعود زكار في 21 نوفمبر 1987 وحضر جنازته كبار الشخصيات الوطنية والثورية، ومنهم الرئيس الحالي للجمهورية الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما جعل الجيل الذي لم يعرف مسعود زفار يتساءل عن سر هذه الحركية في جنازة شخص يجهلونه. وعن خصوصية مدينة العلمة التي أنجبت مسعود زفار، يقول الأستاذ حداد: ''كانت المدينة محل زيارات متعددة لقادة الحركة الوطنية الذين كانوا يثقون في أهاليها حتى أن المجاهدين بعد اندلاع الثورة كانوا يجدون فيها ملاذا آمنا، وهذا العقيد''عميروش كان يقول للمجاهدين ''إذا مررتم بالعلمة فلا تخشوا أحدا لأنها المدينة التي لا يوجد بها''بايوعة أي خونة.'' وكأني بالشهيد عميروش يقول إن من خصائص سكان العلمة ''بقاء النيف الجزائري كأحد خصالهم ولا مساومة عليه، فهو لا يباع ولا يشترى مهما كلّفهم ذلك من ثمن''. الدكتور بشير فايد ل ''الخبر'' '' زقارأكبر رجل مخابرات أمدّ الثورة بالمال والسلاح'' يعتقد الدكتور بشير فايد أن المعلومات القليلة التي وصلت المؤرخين عن رجل المخابرات والسلاح والمال والأعمال مسعود زفار كافية لكي نقف أمام شخصية متميزة. هذا الرجل الذي قيل عنه إنه خلق للمال والأعمال، يتمتع بذكاء خارق وفكر ثاقب بالرغم من مستواه التعليمي المحدود. فهو صاحب رؤية حادة، يملك مقدرة عجيبة على ربط علاقات مع الآخرين مهما كانت مرتبتهم أو حصانتهم. وتمكّن زفار حسب الأستاذ فايد من أن يصبح أكبر رجل مخابرات يمد الثورة بالمعلومات اللازمة لمواجهة العدو الفرنسي صاحب الباع الطويل في هذا الجانب، والذي كانت مخابراته ترتعد لمجرد ذكر اسم مسعود زفار نظرا لمكانته الخاصة لدى كبار قادة العالم وخاصة الأمريكيين منهم. ويكشف أستاذ التاريخ بجامعة سطيف، أن زفار اخترق المخابرات الفرنسية ذاتها، فتسنى له نقل كل ما يجري في صفوف المستعمر إلى جيش التحرير الوطني، مضيفا ''وأكثر من ذلك أنه نجح في تكوين شبكة من الاستخبارات، تمتد أذرعها في كل مكان. سمحت له بالتحكم في المعلومات عبر العديد من الدول، منها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي كانت له علاقات مع قادة مخابراتها، فضلا على تجنيده لعملاء أمريكان كانوا يتجسسون له لفائدة الثورة التحريرية''. وقال الأستاذ فايد: ''مع مرور الزمن تراكمت لدى مسعود زفار خبرة كبيرة في عالم السلاح وأجهزة الاتصال، مكنت الثورة من الوقوف والصمود في هذا الجانب الذي كان يشكل لها تحديا حقيقيا ومصيريا، حيث كان الفشل فيه غير مسموح، فهو يعني ببساطة فشل الثورة، وبالتالي تكريس شعار الجزائر الفرنسية إلى الأبد''. جيلاني الصغير...أمين السر يعتبر جيلاني الصغير أمين سر الراحل مسعود زفار، وهو من أبرز المقرّبين منه إلى ما بعد الاستقلال، وكان رفيقه في العديد من محطات حياته. ورغم هذا يقول جيلاني: ''لم يكن مسعود كازا يطلعني على الكثير من الأسرار، ولعل هذا ما يقف وراء نجاحاته في ربط علاقات متميزة مع رجال الاستخبارات عبر العالم''. وعمل في المصنع الذي أنشأه زفار بالمغرب. وقال: ''لم يكن أحد يعلم شيئا عن حقيقة المصنع، حيث كان يعمل تحت غطاء مصنع لصناعة الملاعق والشوكات، وحتى المغاربة الذين كانوا يعملون معنا، لم يدركوا حقيقة الأمر. وكنت أشرف شخصيا على العملية داخل المصنع ومنها حشو القذائف''. وأضاف جيلاني بأن المجهود الذي بذله زفار في هذا المصنع تكلل بصناعة ''بازوكا'' متطورة، وكانت المنتجات تنقل من المغرب باتجاه وجدة ومنها إلى الحدود وتدخل الجزائر''. وكشف جيلاني بأن عملية صناعة الأسلحة بهذا المصنع السري كانت تحت إشراف خبير من الولاياتالمتحدةالأمريكية يدعى''ماكينزي''. عنان محمد العيد...الجار وصديق الطفولة تربط السيد عنان محمد العيد علاقة أخوية بالمرحوم مسعود زفار بحكم علاقة الجوار والنسب. ويتذكر محمد العيد جيدا ملامح مسعود في طفولته وصباه، فقد نما الطفل على حب الجزائر وترعرع على التضحية في سبيلها، وساعده على بلوغ هذه الأهداف ذكاء خارق وبديهة عجيبة، حتى أنه كان يستعمل شاحنته في نقل السلاح إلى الثوار. ويتذكر السيد عنان جيدا ليلة حضر الشهيد العربي بن مهيدي إلى بيت زفار بالعلمة وكان ذلك في إحدى ليالي سنة .1954 وقال محمد العيد: ''كان زفار مثل بومدين، وكلاهما كان يضع مصلحة الجزائر فوق كل اعتبار. أما عن العلمة فكان لمسعود زفار الفضل في الكثير من الإنجازات المحققة، حيث كان وراء تجسيد عدد من المصانع والمؤسسات الأخرى كثانوية بشير قصاب التي تعدّ أول ثانوية بالعلمة''. وأضاف ذات المتحدث: ''لما زار الرئيس بومدين العلمة سنة 1969 طلبنا منه إنجاز جملة من المشاريع لصالح المدينة، مع التركيز على مشروع الثانوية. وبالفعل وافق بومدين على ذلك. غير أن أطرافا حاولت تحويل المشروع، فتدخّل زفار وأجرى اتصالات عديدة ببومدين الذي طمأنه على المشروع''. بن يحي بن لعوكلي...الشريك التجاري شارك بن يحي بن لعوكلي المرحوم مسعود زفار في العديد من محطات حياته التجارية. عرفه منذ نعومة أظافره، وكانت علاقتهما وطيدة. تقاسما مقاعد مدرسة دردار، ومنها انطلاقا سويا في النشاط التجاري . ويقول بن يحي بأنهما كانا يبيعان مواد غذائية بالعاصمة، وكانا يشتريان بعض الحاجات من الأمريكيين ثم يعيدان بيعها. وبعد مدة من هذا العمل دخلا عالم صناعة الحلوى أين أصبح لكل منهما مصنعا في المجال، بعدها يؤكد بن يحي أنه تنقّل رفقة زفار إلى وهران التي فتحا بها محلا تجاريا. مكث بن يحي وزفار في وهران مدة خمس سنوات، تخللتها نضالات وطنية انتهت بهما إلى الاعتقال من طرف البوليس الفرنسي. ورغم هذه الشراكة في التجارة والنضال، وتقاسمهما مقاعد مدرسة دردار، إلا أن زفار لم يخبر يوما صديقه بحقيقة مصنع الشوكات والملاعق، والذي كان في الحقيقة مصنعا سريا لصناعة الأسلحة. عبد الحميد لكحل...رفيق النضال الكشفي وصف عبد الحميد لكحل المرحوم زفار، بالرجل الوفي للوطن وللمدينة وللأصدقاء. وقال: ''لم يبخل بعلاقاته للوطن الذي منحه بلا رياء، و لم يبخل على مدينته التي وهبها بلا مقابل، ولم يدر وجهه يوما على أصدقائه الذين قدّم لهم خدمات جليلة، فكان يمتاز بشخصية متواضعة جدا لا يعرف إليها التكبر طريقا''. ولعل النشاط الكشفي الذي باشره زفار بمدينة العلمة مبكرا، كان من بين العوامل التي صقلت شخصيته. ويقول لكحل عبد الحميد بأن زفار انخرط في النضال الكشفي بمدينة العلمة رفقة كوكبة من الأسماء المجاهدة، منها جيلاني الصغير، سعدون بوزيد، صالح مخالفة، منير سلامي، الشهيد إبراهيم شقيق مسعود زفار وغيرهم من الأسماء التي ناضلت من أجل رفع القضية''.