الثورة المعلوماتية التي يعيشها العالم الآن،أدت إلى إثارة العديد من القضايا والمسائل التي لم تطرح من قبل على مستوى الأفراد وكافة المؤسسات المجتمعية،بل طرحت تحديات كبيرة على المدرسة التي ظلت عبر القرون المصدر الأساسي للمعرفة بالنسبة للفرد والأسرة،ودورها الكبير والواضح في التنشئة الإجتماعية للتلميذ،فهذا الجدل انطلق مبكرا في الستينيات عندما أشار العالم الكندي مارشال ماكلوهان إلى هذه النقطة،وتحدث حينها عن إنعكاسات ظهور وسائل الإتصال وتطورها على المدرسة،ووصف هذه الإنعكاسات بالأزمة العالمية للتربية،وتراجع المدرسة كمصدر رئيسي للمعرفة،وبروز وسائل أخرى تنافسها في تقديم المعلومات والأفكار والقيم للتلميذ مستخدمة إمكانيات كبيرة وطرق إقناع أفضل من الأستاذ الكلاسيكي،مما جعلها تنجح في هذه المهمة بامتياز وبات على المؤسسة التربوية بكافة مستوياتها أن تواكب هذه التطورات السريعة والجديدة. يحدث هذا في ظل تراجع وتدهور المستوى والأداء التعليمي للتلميذ وللمدرسة،وزيادة حالة القلق والتوجس والخوف من طرف القائمين على التعليم في بلدان العالم،ومن طرف الأولياء على تهديدات وسائل الإعلام والوسائط المتعددة لأبنائهم واستحواذها على نسب كبيرة من أوقاتهم ويبرز في هذا المجال التلفزيون كوسيلة جماهيرية تعتمد على الصوت والصورة والحركة والألوان،تصل بسهولة تامة إلى كافة المنازل،والصديق المحبب للأفراد،فهذه الوسيلة الإعلامية أصبحت مؤسسة تعليمية قائمة بذاتها تقدم كافة أنواع المعرفة وكافة العلوم ولكل الأفراد وبطريقة مبهرة وجذابة ومشوقة،تختلف عن طريقة التلقين الموجودة في المدرسة الكلاسيكية،والتي تعتمد أساسا على القهروالإجبارفي توصيل المعلومة للتلميذ،فهذا الأسلوب التعليمي الجديد الذي طرحه التلفزيون،جعله يحظى باهتمام ورضا تلميذ المدرسة،وأقبل عليه،وأصبح مصدره الرئيسي للمعرفة والعلم،لكن هذه المدرسة الجديدة،ليست كالمدرسة الكلاسيكية فهي مدرسة يتلقى فيها التلميذ المعلومات دون الحاجة إلى الذهاب والتواجد في أقسام الدراسة،وظروف التلميذ يتلقى المعلومات فيها دون شروط أوقيود مسبقة،فمساحة الحرية وقابلية التعلم أو عدمها متوفرة وموجودة للتلميذ في المدرسة الموازية،إلا أن الإشكالية التي تطرحها النمط الجديد من التعليم هو أنه يلقن كافة أنواع المعلومات والأفكار والسلوكيات والقيم سواء أكانت إيجابية أو سلبية لمن يلتحق بالمدرسة الموازية التي أصبحت منافسة للمدرسة التقليدية في العملية التعليمية بمفهومها الواسع لتلاميذنا؟. في عهد الرئيس الأمريكي السابق"جورج بوش الإبن"لاحظ هذا الأخير تدهور المستوى التعليمي في بلاده،فقرر تشكيل فريق بحث من علماء الاجتماع لدراسةوالتنقيب عن الأسباب،وتوصلت الدراسة إلى إتهام التلفزيون كسبب رئيسي ومباشر إلى ما آلت إليه المدرسة الأمريكية،وأوصى فريق البحث بالطريقة التلفزيونية في تعليم التلاميذ،فالمذيع أو المدرس في التلفزيون لايجبر من يشاهده على طريقة معينة في التعرض،وهذا غير متوفر في المدرس أو المذيع الكلاسيكي في المدرسة فحالة فرض القيود المسبقة على التلاميذ هي شروط موجودة لدى المدرسة الكلاسيكية كماأن العلاقة بين التلفزيون والمتلقي تتسم بالندية والاحترام المتبادل بين الطرفين،إلاأن العلاقة بين المدرس والتلميذ المتلقي في المدرسة ترسمها علاقة الإتصال النازل من أعلى إلى أسهل،وفي كل هذا تكون فرص النجاح في توصيل المعلومة في المدرسة الموازية كبيرة جدا في حين أنها ضئيلة في المدرسة التقليدية. وضع القيود والشروط المسبقة على العملية التعليمية في بلداننا،وفي وقتنا الحالي يرهن فرص نجاحها بنسبة كبيرة،مادامت هناك مدرسة موازية للمدرسة التقليدية.