لعل من أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة هو كيفية التعامل مع هذا الفيض الهائل من المعلومات في كافة أشكالها وصورها، ويبرز مصطلح ثقافة المعلومات «Information Literacy» كواحد من أهم المصطلحات التي تم تداولها في الإنتاج الفكري المتخصص في المجال خلال السنوات القليلة الماضية، وقد تبلورت عدة تعريفات للثقافة المعلوماتية لعل أهمها هو أنها "مجموعة القدرات المطلوبة التي تمكن الأفراد من تحديد احتياجاتهم من المعلومات في الوقت المناسب والوصول إلى هذه المعلومات وتقييمها و من ثم استخدامها بالكفاءة المطلوبة. وقد ازدادت أهمية ثقافة المعلومات في ظل الثورة التقنية الهائلة التي تشهدها المجتمعات في الوقت الراهن، ونظرا لتعقد البيئة المعلوماتية الحالية، يواجه الأفراد بدائل وخيارات متعددة تتعلق بحصولهم على المعلومات سواء في مراحل دراستهم الجامعية أو في عملهم وحتى فيما يتعلق بحياتهم الشخصية، ونظرا للتنوع الكبير في أشكال مصادر المعلومات وتوافر معلومات تفتقر إلى الدقة والمصداقية خاصة عندما يتعلق الأمر بالمعلومات المتاحة في شكل إلكتروني، فلقد فرضت ذلك تحديات جديدة تمثلت في ضرورة إلمام الأفراد بهذه المهارات لمساعدتهم على تحديد اختياراتهم المناسبة من المعلومات، وتعرف «اليونسكو» ثقافة المعلومات بأنها "تهتم بتدريس وتعلم كافة أشكال ومصادر المعلومات، و لكي يكون الشخص ملما بثقافة المعلومات فيلزمه أن يحدد: لماذا ومتى وكيف يستخدم كل هذه الأدوات، ويفكر بطريقة ناقدة في المعلومات التي توفرها"، وتمثل الثقافة المعلوماتية أساسا لا غنى عنه للتعلم مدى الحياة، فهي ضرورية لكل التخصصات في كل بيئات التعلم وكافة مستويات التعليم، ويمكن تحديد سمات الشخص المثقف معلوماتيا على النحو التالي : - القدرة على تعريف مدى المعلومات المطلوبة. - الوصول للمعلومات المطلوبة بسرعة و بكفاءة. - التقييم الناقد لمصادر المعلومات. - استخدام المعلومات بكفاءة لإنجاز المهام المطلوبة. - الإلمام بالقضايا الاقتصادية و القانونية و. الاجتماعية المرتبطة باستخدام المعلومات ومصادرها. - استخدام المعلومات بطريقة قانونية و. أخلاقية لقد ارتبط مفهوم ثقافة المعلومات بعدد أخر من المفاهيم ذات العلاقة يأتي في مقدمتها: تكنولوجيا المعلومات «Information Technology» ومهارات المكتبات «Library Skills» ومهارات المعلومات «Information Skills»، غير أن جل الدراسات قد خلصت إلى أن ثقافة المعلومات هو مفهوم أوسع من كل المفاهيم السابقة، وعلى الرغم من ارتباط ثقافة المعلومات بتكنولوجيا المعلومات، غير أن للأولى أبعادا أشمل، ففي الوقت الذي تركز فيه تكنولوجيا المعلومات على إكساب الفرد المهارات الأساسية للتعامل مع العتاد والبرمجيات وشبكات الاتصالات، تركز ثقافة المعلومات على المعلومات ذاتها من حيث هويتها وبنيتها وآثارها الاجتماعية والاقتصادية والفلسفية، وقد أشارت جمعية المكتبات الجامعية والوطنية وهي جمعية تعنى بتنمية ونشر ثقافة المعلومات في بريطانيا وايرلندا، أن مهارات المعلومات ترتبط بتحديد مصادر المعلومات ومعايير تقييمها وتحليلها وأسلوب تقديمها بغض النظر عن شكل المصدر الذي تتاح من خلاله المعلومات، وبعبارة أخرى فإن ثقافة المعلومات تتجاوز إتقان مهارات التعامل اليدوي والتقني إلى مهارات التحليل والتفكير، كما لخصتها إحدى الدراسات ، فإن ثقافة المعلومات تركز على "معرفة أسباب الاحتياج للمعلومات ومصادر المعلومات وليس فقط معرفة كيفية التعامل معها"، ولعل أكثر المجالات التي ارتبطت بثقافة المعلومات خاصة في البدايات الأولى هو مجال التعليم باعتبار أن إكساب طلاب المرحلة الجامعية الأولى، على وجه الخصوص، ثقافة المعلومات يعد متطلبا أساسيا في إعداد شخصية الطالب ومساعدته لاستكمال دراسته الجامعية ثم انخراطه في سوق العمل، ولقد بادرت المؤسسات المعنية لوضع المعايير الخاصة لقياس مجموعة المهارات المرتبطة بثقافة المعلومات، ومن أهم هذه المعايير تلك التي وضعتها جمعية المكتبات الأكاديمية والبحثية في الولاياتالمتحدة «ACRL» بعنوانInformation Literacy Competency Standards for Higher Education والتي أقرتها جمعية التعليم العالي في الولاياتالمتحدة عام 1991 مقياسا أساسيا لتقييم مهارات التعامل مع المعلومات لدى الطلاب في كافة الكليات والجامعات الأمريكية. غير أن السنوات القليلة الماضية قد شهدت اهتماما ملحوظا بتنمية مهارات المعلومات لدى الطلاب في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي وأصبحت المكتبات المدرسية ومراكز مصادر التعلم محورا أساسيا لنشر ثقافة المعلومات بين أوساط الطلاب والمدرسين على حد سواء، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن منظمة «اليونسكو» قد أقرت مشروعا لتدريب المدرسين في وزارة التربية والتعليم في مصر على مهارات التعامل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والقضايا الاجتماعية والأخلاقية المرتبطة بها، وذلك في إطار مشروعها المعروف باسم"المعلومات للجميع IFAP " بتمويل قدره 25 ألف دولار أمريكي، وقد تعدت أهمية ثقافة المعلومات مجال التعليم، حيث باتت تؤثر في حياة الأفراد اليومية، بل إن متطلبات مجتمع المعلومات في صورته الراهنة تتطلب من الفرد العادي الإلمام بالمهارات المعلوماتية الأساسية لحل المشكلات التي تواجهه ولتمكينه من الإلمام بكافة المتغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية المحيطة به، وتمكن ثقافة المعلومات الأفراد من بناء أحكام موضوعية عن كافة القضايا والمشكلات التي يتعاملون معها. كما تيسر ثقافة المعلومات وصول الأفراد إلى المعلومات المتصلة بواقعهم وبيئتهم وصحتهم وأعمالهم، وبناء على ما تقدم فإن افتقاد القدرة على الوصول إلى المعلومات المناسبة والدقيقة من مضامينها المختلفة من شأنه أن يؤثر سلبا على فدرة الفرد على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. ولقد أضافت بيئة المعلومات الرقمية أهمية إضافية لثقافة المعلومات، حيث تتطلب هذه البيئة الجديدة إلمام الأفراد بالمهارات الأساسية في استخدام تقنية المعلومات والاتصالات في إنتاج المعلومات والوصول إليها، ولعل المثال الواضح على ذلك هو الإبحار في شبكة الإنترنت والوصول إلى الملفات بكافة أشكالها، وهو ما يستلزم توافر مهارات البحث على الإنترنت مثلما يتطلب امتلاك مهارات تفسير وتقييم المعلومات، وليس أدل على الاهتمام بقضية ثقافة المعلومات من اختيارها لتكون محورا أساسيا في العديد من المؤتمرات المتخصصة، لعل من أهمها مؤتمر «الإفلا» السنوي في دورته ال70 والتي عقدت ب«بيونس إيرس» بالأرجنتين عام 2004 ، لقد أنعقد المؤتمر تحت شعار "ثقافة المعلومات من أجل التعلم مدى الحياة"، كما نشرت العديد من المقالات في الدوريات المتخصصة حيث خصص العدد الأخير شهر جانفي 2006 من دورية Library & Information Update الصادرة عن المعهد المعتمد لأخصائي المكتبات والمعلومات البريطاني «CiliP» لمناقشة قضية ثقافة المعلومات ودور مؤسسات المعلومات على اختلاف أنواعها في دعم ونشر هذه الثقافة، ولم تكن مصر بمعزل عن قضية ثقافة المعلومات، فلقد استضافت مكتبة الإسكندرية ورشة عمل "ثقافة المعلومات والتعلم مدى الحياة"، و الذي شارك في تنظيمها الإتحاد الدولي لجمعيات المكتبات «إفلا» ومنظمة «اليونسكو» والمنتدى الوطني لثقافة المعلومات، وهو الملتقي الثاني من نوعه بعد المؤتمر الأول الذي نظمته اليونسكو عام 2003 في العاصمة التشيكية براغ والذي أسفر عن تأسيس التحالف الدولي لثقافة المعلومات، ولقد تناولت ورشة عمل مكتبة الإسكندرية الدور الذي تلعبه ثقافة المعلومات في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية الرئيسية للمجتمعات الإنسانية مثل الفقر والبطالة والمرض، لقد تمخض ملتقى الإسكندرية عن إعلان للمبادئ تم فيه حث الحكومات والمؤسسات غير الحكومية على وضع السياسات والبرامج التي تدعم نشر ثقافة المعلومات، ولعل من أهم البنود التي وردت في الإعلان الدعوة لتنظيم المؤتمرات والندوات الإقليمية وكذلك أهمية التنمية المهنية للعاملين في قطاعات المكتبات والمعلومات والأرشيف بصفة خاصة لتعريفهم بمبادئ و تطبيقات ثقافة المعلومات. وعلى مستوى الوطن العربي بدأ عدد من الجمعيات المهنية في مجال المكتبات والمعلومات يبدي اهتماما بهذه القضية، ولعل المؤتمر السنوي لجمعية المكتبات المتخصصة فرع الخليج العربي والذي عقد في مسقط بسلطنة عمان أوائل شهر أفريل الماضي والتي اختارت "ثقافة المعلومات في مجتمعات دول الخليج" عنوانا لمؤتمرها السنوي ال12، مؤشرا على تزايد الاهتمام بثقافة المعلومات، وعلى الرغم من تلك الجهود والمبادرات السابق الإشارة إليها، لا تزال ثقافة المعلومات غائبة عن الأوساط الأكاديمية والبحثية في العديد من الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في وطننا العربي الكبير، فلا توجد إلا فيما ندر مناهج أو برامج تتعلق بمهارات المعلومات سواء في الخطط والبرامج الأكاديمية للتخصصات المختلفة أو لبرامج التعليم المستمر وخدمة المجتمع، وفي الختام أود أن أوجه دعوة علها تجد صدى لدى المنتمين إلى مجتمع المكتبات والمعلومات العربي ليأخذوا بزمام المبادرة في وضع الأسس والاستراتيجيات الكفيلة بنشر ثقافة المعلومات بين أوساط الطلاب والأكاديميين بصفة خاصة وبين أفراد المجتمع بصفة عامة، ولا يفوتني في هذا المقام أن أشير إلى أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه أقسام المكتبات والمعلومات في الجامعات العربية بما تملكه من إمكانيات بشرية ومادية تؤهلها أكثر من غيرها للقيام بدور قيادي في نشر الثقافة المعلوماتية داخل الجامعة وخارجها، سواء من خلال البرامج الأكاديمية في الجامعات أو من خلال الدورات التدريبية وورش العمل، إن تقاعس أقسامنا الأكاديمية عن القيام بهذا الدور الحيوي سيؤدي إما إلى وجود فراغ كبير لن يجد من يسده أو إلى اقتحام أشخاص غير مؤهلين هذا الفراغ لسده، وعندها سيكون مجتمع المعلومات العربي هو الخاسر الأكبر .