بدأت الجزائر سنة 2011 بحركات احتجاجية عارمة كان أبطالها أحزاب سياسية، نقابات عمالية، وطلبة لا تزال تداعياتها مستمرة إلى يومنا هذا، فكانت شرارة أسعار الزيت والسكر كافية لأن تعمر هذه الإحتجاجات أكثر من ثلاثة أشهر كاملة بلا توقف ولا كلل من طرف منشطيها أو من يختبؤون وراءها ويعملون على تحقيق مصالح ضيقة ومشبوهة. سعيد سعدي يركب موجة الاحتجاجات ويستثمر في مشاكل الشباب ومن رحم الحراك الإجتماعي الكبير الذي عرفته الجزائر بداية السنة الجارية، حاول حزب التجمع الديمقراطي من أجل الثقافة و الديمقراطية المحسوب على التيار الراديكالي المعارض للسلطة ركوب موجة الإحتجاجات و دعا أنصاره ومؤيديه إلى الخروج في مسيرة احتجاجية، حاول فيها استثمار الغضب الشعبي الذي كان في أوجه، خصوصا و أنه تزامن وحركات التغيير في دول مجاورة والتي تمكنت من إسقاط نظام زين العابدين بن علي في تونس، وبدأت إرهاصات الحركة تنتقل تدريجيا إلى دول أخرى شملت فيما بعد مصر، اليمن وسوريا، ورسم الأرسيدي مسار المسيرة انطلاقا من مقر الحزب بشارع ديدوش مراد بالعاصمة باتجاه مقر البرلمان، غير أن قوات الأمن سبقت زعيم الأرسيدي سعيد سعدي في التخطيط والتنفيذ لإجهاض المسيرة في مهدها، وسبقته إلى مقر حزبه في اليوم الموعود للتظاهر، وأغلقت عليه أبواب المقر هو ومن معه من نواب ومناضلين، وأجهضت محاولته الأولى في التظاهر وتحريك الشارع في العاصمة. وتوالى فشل المسيرات التي دعت إليها التنسيقية من أجل الديمقراطية و التغيير والتي تشكلت مباشرة بعد المسيرة الفاشلة الأولى التي دعا إليها حزب التجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية، وضمت أحزاب سياسية، نقابات ومنظمات حقوقية و شبانية، إضافة إلى شخصيات وطنية، حيث تبنت خطابا حادا تجاه السلطة وحددت سقف مطالب أكبر من حجمها إن صح التعبير، حينما طالبت برحيل النظام الحالي و كافة رموزه دون استثناء. وحاول زعيم الأرسيدي سعيد سعدي، ركوب الموجة على حساب مطالب التنسيقية والتخفي وراءها، وهو سبب مباشر وراء انقسامها إلى جناحين يعرف الأول ب " جناح الأحزاب "، أما الثاني فيسمى " التنسيقية- بركات ". دكتور الأمراض العقلية يخطئ في فهم نفسية الشارع ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، يسعد شريف صحراوي، أن سعيد سعدي زعيم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الأرسيدي، أخطأ مرة أخرى عندما اعتقد أنه يملك العصا السحرية التي تمكنه من إحداث تغيير في المشهد السياسي واستغلال التذمر والإحتقان الذي عبرت عنه فئات عريضة من الشباب الغاضب في شكل احتجاجات عامة عرفتها البلاد خلال الأشهر الماضية، لتحقيق مكاسب سياسية، مؤكدا أن زعيم الأرسيدي يبين من خلال عدة سلوكات أنه لا يدافع عن أفكار حزبه ومبادئه بل أنه يعارض نظام الحكم من أجل المعارضة فقط لدرجة أنه يحاول التستر وراء التنسيقية الوطنية للتغيير والديمقراطية واستغلال المشاكل التي يتخبط فيها الشباب وركوبها من أجل بلوغ مصالحه، حيث دافع في وقت ستبق عن التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية التي حسبه استطاعت أن توحد الآراء والأجيال والمناطق، كما اعتبر مولد التنسيقية المذكورة بالهام جدا، هذا كله دون أن يتحدث عن مبادئ حزبه والأهداف التي يدافع عنها أو البرنامج الذي يسير من أجله. و قال الأستاذ يسعد شريف أن ما يقوم الأرسيدي هو مخاطبة فئة الشباب عبر الوسيلة الأكثر استعمالا وهي الانترنت و إيهامهم أن حل مشاكلهم يكون من خلال المسيرة وهكذا يجعلهم يسيرون في تلك المسيرة ليس من أجل الأرسيدي بل من أجل مشاكلهم وبالتالي ركب الوضعية لتحقيق أطماع خفية.و لعل شد الشباب من حبال مشاكل البطالة و السكن للتحكم فيهم أفضل وسيلة لجرهم إلى متاهات المسيرات والحسابات والمصالح، مضيفا أن سعدي استفاق فجأة بعد سبات طويل وأراد أن يركب موجة الإحتجاجات بعد فوات الآوان، ورغم أنه يدرك أن مسيرته لن يكتب لها النجاح، لا من حيث تجنيد المواطنين والشباب على وجه التحديد، ولا من ناحية السماح له بالتقدم ولو خطوة في المسيرة التي كان يفترض أن تنطلق من ساحة أول ماي، بعد أن أبلغ ولعدة مرات بالحظر المفروض على تنظيم هذا النوع من المسيرات في الجزائر العاصمة ومع هذا، أصر على تحدي السلطات المحلية في محاولة يائسة لإسماع صوته عاليا وهو الصوت الذي ظل محصورا في كمشة من المواطنين بساحة أول ماي بالعاصمة. وحاول الأرسيدي عبثا أن يتقمص دور المدافع عن الديمقراطية ويلهب حماس الشارع الجزائري، لكن لا أحد من هذا الشارع تفاعل معه، وفشل في محاولة استنساخ الحالة التونسية، لأن الفروقات شاسعة ولا يمكن إسقاطها على النموذج المحلي او الساحة الوطنية عموما، نظرا لخصوصية وطبيعة المشهد السياسي في الجزائر الذي عرف تقلبات عديدة خلال أحداث أكتوبر، و التي شهدت ميلاد التعددية السياسية والإعلامية، محاولا أن يستمد قوته من تنسيقية التغيير التي دعا إليها المحامي بوشاشي. الفشل المتواصل يجبر سعدي على الدخول إلى القاعة وقد أجبر الفشل المتواصل الذي منيت به مسيرات التنسيقية الوطنية من أجل الديمقراطية والتغيير ومن ورائها الأرسيدي على تبني استراتيجية جديدة في الإحتجاج إن لم نقل تم إجبارها على طلب الترخيص بتنظيم تجمع شعبي داخل القاعة البيضوية بالعاصمة يوم 7 ماي القادم، وكعادته وجه الأرسيدي اتهامات للسلطات الولائية بإعاقة تنظيم هذا التجمع وعدم منحها رخصة تسمح بالتجمع، وهو ما فندته مصالح ولاية الجزائر، وأكدت في هذا الشأن أنه "باستثناء قاعة حرشة التي تجري بها أشغال ترميم فإن كل القاعات قابلة للوضع تحت تصرف الأحزاب السياسية والجمعيات التي تطلبها في الآجال والأشكال المنصوص عليها قانونا". وأضافت بأنه " تمت مراسلة الحزب لإثبات جاهزية مصالح الولاية لتلقي طلب تنظيم التجمع والبت فيه في أسرع وقت ممكن". كما ذكرت الولاية "بالتعليمات الحكومية" الموجهة لمسيري الفضاءات العمومية ( الرياضية منها والثقافية) لا سيما تلك التابعة للولاية والبلديات وتلك المسيرة من طرف المؤسسات العمومية الوطنية ذات الطابع الصناعي والتجاري من أجل " تسهيل إجراءات وضعها تحت تصرف طالبيها من أحزاب سياسية وجمعيات بالمجان "، مبرزة أن بعض الأحزاب " قد سبق لها وان استفادت من هذه التسهيلات ". ويرى مراقبون أنه طوال الأشهر الأخيرة بداية من أحداث جانفي أو ما تعرف ب " أزمة السكر والزيت " حضيت كل المسيرات التي دعا إليها الأرسيدي ومن بعده تنسيقية التغيير بتغطية إعلامية متميزة خصوصا من طرف وسائل الإعلام الأجنبية التي حضرت بقوة لميادين الأحداث سواء في ساحة أول ماي أو ساحة الشهداء وحي تغطية مسيرات وحركات احتجاجية في بعض الولايات الداخلية، حيث يعزو ذلك للتسهيلات التي قدمتها السلطات لمختلف وسائل الإعلام وهامش الحرية الكبير الذي منحته لها، وأصبح الصحفيون ينتظرون يوم السبت ليشاهدوا حلقة أخرى من مسلسل ما يعرف ب " سعيد صامدي "، غير أن بعضا من وسائل الإعلام التي تحب الإصطياد في المياه العكرة لم تجد ضالتها خصوصا مع بداية خبو نار الإحتجاجات الإجتماعية، وتحول أنظار العالم إلى مناطق أكثر حرارة على غرار مصر، ليبيا واليمن. ولم تدخر بعض الأقلام الصحفية جهدا في فتح النار على زعيم الأرسيدي، واتهامه بالعمالة لأطراف أجنبية وتخص بالذكر فرنساوالولاياتالمتحدة وهي اتهامات تحضى بمصداقية كبيرة خصوصا بعد الزيارات المتكررة لسعيد سعدي للسفارة الأمريكية في الجزائر أو حضوره في حصص تلفزيونية فرنسية يتخذها منبرا للهجوم على رموز النظام في الجزائر، يحدث هذا في صمت من زعيم الأرسيدي الذي لم يعلق على هذه الإتهامات وهو ما يجعلها أقرب إلى الحقيقة منها إلى الإتهام، وهو نفس ذهب إليه الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحي الذي قال في أكثر من مناسبة إن أطرافا خارجية تريد " التخلاط " تسعى لزعزعة استقرار الجزائر، وأن مخططا أعد مسبقا لذلك تمكنت الدولة من كشفه، وذلك في إشارة واضحة إلى تورط أطراف جزائرية مع جهات أجنبية في هذه المؤامرة. علي يحي عبد النور أتعبته ساحة أول ماي وينتهي بعرض أرضية مطالب وأكّد الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان علي يحيى عبد النور، الحاضر دوما في مسيرات السبت الفاشلة، رغم كبر سنه ووضعه الصحي الحرج في آخر خرجة له، على ضرورة تغيير النظام السياسي في الجزائر، وتعويضه بنظام بديل قائم على مبادئ الديمقراطية، حرية التعبير والعدالة الإجتماعية، موضّحا أنه آن الأوان لإرساء هذا التغيير بطريقة سلمية، ووضع حد لمحاولات الإستمرار في سياسة تنويم الشعب وتخديره بخطابات لا تغني ولا تسمن من جوع، حيث قدم عريضة مطالب أكد فيها أن الجزائر شأنها شأن الدول العربية الأخرى التي انتفضت مؤخّرا طالبة التغيير بعدما سئمت من سياسة الترقيع التي لم تعد تأتي أكلها، موضحا أن الجزائر عليها هي الأخرى أن تسير على درب التغيير لكن بالطرق السلمية، لأن الجزائر فقدت الكثير من أبنائها بسبب الأزمات التي ولّدتها الأنظمة الحاكمة التي تداولت على السلطة والتي تصب كلها في قالب واحد هو قالب التسلّط والإستغلال الهمجي لثروات البلاد والعباد، مؤكّدا في ذات الشأن أن " الشعب الجزائري لا ينسى ولا يعفو". من جهته أكد نائب المجلس الشعبي الوطني عن كتلة الأرسيدي، طاهر بسباس، على أن التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية ستواصل في مساعيها من أجل التغيير السلمي والفعال، مؤكّدا أن هذا الأخير سينطلق من الشارع وإلى الشارع. وفي رده عن سؤال حول فشل مسلسل مسيرات السبت التي شرع فيها الأرسيدي بزعامة سعيد سعدي وواصلت حلقاته التنسيقية، أكّد على المواصلة في المسيرات ولوأصبحت تجمّعا لأصحابها، لأنها وعلى قلة المشاركين فيها، إلاّ أنها أخافت النظام وإلا كيف يخرج 45 ألف عون أمن، مؤكّدا في ذات الصدد أن مسيرات التنسيقية نجحت في مساعيها، ويكفيها أنها كسّرت جدار الصمت والخوف وفتحت الأبواب أمام كل راغب في التعبير عن رأيه والإحتجاج، بالتجمع والإعتصام. ومن ضمن المبادئ التي اقترحتها التنسيقية بعد التشاور مع غيرها من قوى التغيير، حسب ما ورد في الأرضية، عقد مؤتمر وطني للتحول الوطني، ستتكفل بمهام حل جميع المؤسسات المنتخبة وتعيين حكومة انتقالية لإدارة الشؤون اليومية، والإعداد لإنخراط البلاد في إصلاح وطني هو بمثابة حجر الزاوية، إضافة إلى صياغة دستور جديد واقتراحه على الشعب. كما أوضحت الأرضية أنه سيتم تحديد أولويات إعادة الهيئات المنتخبة في المؤتمرات التي تعقد تحت رعاية التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية، وستمارس هذه المؤسسات نشاطاتها بعد انتخابها بشكل قانوني، وسيتم الإعداد لها باعتماد الشفافية والديمقراطية والمراقبة الدولية طبقا للقواعد التي تحكم جميع الإستحقاقات. كما سيتم إنشاء لجنة مستقلة لإقتراح الترتيبات لإعادة رمز "جبهة التحرير الوطني" للذاكرة الجماعية، مهمته إحقاق الحق والعدالة بين كل المتضررين الجزائريين في فترة ما بعد الإستقلال بالتساوي.