إرهابي مسيحي متوحش يسحل مواطنا مسلما من أفريقيا الوسطى حتى يشرف على الموت ثم يُقطّع أعضاءه ثم يشوي بعضها ويأكله أمام الجمهور المسيحي المُشجع له، ضمن مجازر بالآلاف وتهجير قسري. إرهابي بوذي متوحش مع مجموعة يحتشدون على قرى في أركان ويحرقونها بأهلها في منازل الصفيح أو الخيم التي يقيمون فيها ضمن مجازر بالآلاف وتهجير قسري. فيالق مسلحة عسكرية تنتمي عقائديا وثقافيا للتحشيد العلوي لنظام الأسد متحدة مع مليشيات طائفية إيرانية ولبنانية وعراقية ترتكب مذابح موثقة ومصورة، وبعض التوثيق من عناصرها يُذبح فيها أطفال المسلمين السُنة ونساؤهم، ضمن مجازر بعشرات الآلاف وتهجير قسري. هذه الصور ليست ضمن نشرات تعرضها وسائل إعلامية إسلامية ولا خُطب مواعظ ولكنها ضمن الرصد العالمي لوكالات وقنوات وصحف عالمية وغربية ساهمت في نقل الحقيقة تماما كما ذُكرت أعلاه وإن لم تصف فعل الشواء وأكل الآدميين المسلمين وبقية الأعمال والفظائع الوحشية بالإرهاب! وهي صور قد تتكرر في مناطق أخرى من العالم الإسلامي. ما هي القراءة الموضوعية لفهم هذه الفظائع ولماذا باتت تتكرر وتُعلن بصورة متواترة دون أن تُغيّر من الموقف العالمي لتصنيف الإرهاب؟ بل لا تزال آلة التحريض الإعلامي تُركز على المسلمين وخاصة السُنة باتهامهم بالإرهاب الذاتي. وأمامنا لتفكيك هذه المسألة عدة محاور سنناقشها في هذا المقال. أولا: إن الخلاصات الحالية والشواهد والأدلة تُقدم يقينيات كبرى على أن ميزان الأحداث والضحايا وتصنيف المشرق الإسلامي مع الغربي أو المشرق الإسلامي بشعوبه مع الديانات والطوائف الأُخرى، يأخذ بعدا منحازا كليا، بالرصد الموضوعي والأرقام، لا من حيث عدد الضحايا ولا من حيث نموذج القتل فقط، وإنما يحمل هذا التطفيف الشنيع وراءه أيضا أهدافا إستراتيجية تجعل من هذه الأوساط الدولية تُرخي الستار على مذابح المسلمين لاستمرار محاصرة فرص نهوضهم أو استقلالهم. ويكفي أرقام احتلال العراق وضحايا الغزو الأميركي له ولأفغانستان والضحايا المدنيين لقصف طائرات البنتاغون، وعدد ضحايا مجازر نظام الأسد المستمرة، لكي نفهم هذا التطفيف الشنيع، بالمقابل فإن القتلى المدنيين لأي ديانة وهو المرفوض ومدان -مبدئيا بكل تأكيد- تأخذ صدى ضخما مقابل هذه المواسم المستمرة من مذابح المسلمين. ثانيا: أغلب الحكومات المنسوبة للعالم الإسلامي شريكة في هذه المجازر إما بالتغطية أو المساهمة أو التخلي عن الدور المطلوب لا إسلاميا فقط بل حتى إنسانيا لنجدة أولئك المضطهدين من حروب ذات بعد ديني، أو من خلال سلطان القهر والاستبداد الذي تمارسه على شعوبها وتمنعهم من أي تضامن أو تنظيم إنساني لغوث إخوانهم بوسائط حديثة وفعّالة لعزل آلة القتل والقهر أو التخفيف من كوارثها. ثالثا: وجود جماعات متطرفة انتسبت للمسلمين كنموذج داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) أو بعض ممارسات فروع القاعدة الأخرى، لها كفلٌ من هذه المسؤولية في حماقة تصرفاتها أو وحشيتها، رغم أن التعداد لضحاياهم لا يقارن أبدا بالمجازر الأسطورية ضد المسلمين. ومن ناحية ثانية فقد تعرضت الأمة لانحرافات خطيرة سواء لخندقة منغلقة في وعيها الديني، أو لأفكار غلو شكّلت فيها السلفية الطائفية قاعدة لطرد الإنسانية من رسالة الإسلام أو من خلال إقصاء مدرسة أهل السُنة الكبرى، أو من خلال رفض التجديد الشرعي المنضبط للموقف من حياة الفرد وشراكته في مجتمعه الأصلي أو الطارئ. وبالتالي فقد قطعت تلك الأمور سياق حركة الإحياء الإسلامي والوعي السياسي والاجتماعي الذي يخلق لدى الفرد المسلم فطنة وتقديرا لموقفه ولسياسة إدارة حياته الاجتماعية، وهذا لن يوقف كل المذابح الإجرامية، لكنها ثقافة قد تُعطي مساحة للوقاية من كثير من هذه المصادمات وتخلق نهضة فكرية واجتماعية داخل بلدان وأقليات المسلمين. رابعا: الغرب ومجلس الكنائس العالمي فطِن مبكرا لمشاريع الإغاثة التي تخلق بيئة صحية وتعليمية وتنتشل المسلمين من الثالوث القاتل: الجوع والمرض والجهل، وبالتالي تبني لهم مسارا يتقدم فيه وعيهم كما يُسد به رمقهم، فعمد إلى محاربة هذه النماذج من لجنة مسلمي أفريقيا ورجلها العظيم السميط إلى منظمة الإغاثة الإنسانية التركية التي تُشن عليها حرب جديدة شرسة اليوم. في حين جمعت منظمات أُخرى مئات الملايين وربما المليارات لكن لم تُحسن إدارة وتوجيه هذه الصناعة، وبعضها أُنفق لبناء انتماءات مذهبية وتعصبات لفروع عقائدية فلسفية وولاءات ربما تثير الخلاف في مناطق المسلمين، وانزوت عن بناء مشروع نهضة يقاوم الثالوث بمفهوم الرسالة الإسلامية الراشدة وبعدها الإنساني. وهذا لا يشمل كل المنظمات المتبقية ولا يعني أن هذه المنظمات الإغاثية ذات النزعة الدعوية المذهبية الحادة، لم تفعل أمورا إيجابية، ولم تساهم في الغوث، بل فعلت وشاركت، لكنها خسرت في وقت الرخاء فكر التأسيس الرئيسي لمشاريع الإغاثة وتقويتها للمجتمع المسلم المستهدف في وعيه وصحته، وليس في كسب هذا المسجد أو تلك الجماعة لهذا أو ذلك التيار خارج فكرة الانتماء الإسلامي الطبيعية لأهل هذا القطر أو البلدة. واستعراض هذه المحاور يعود بنا إلى سؤال آخر: هل لحروب إسقاط الربيع العربي وتصدعه الحالي علاقة بما يجري من تجديد متطرف لمذابح المسلمين، وما علاقة ذلك بالحرب الإسرائيلية النوعية لهدم المسجد الأقصى اليوم وتنصيب الهيكل بعدما أضحى برنامجا تنفيذيا تعلنه سلطات تل أبيب باستمرار ويرده أجساد المرابطين في المسجد الأقصى. إن المراقب للمشهد الكلي للمشرق الإسلامي يتضح له بجلاء سر هذه العلاقة، حيث إن صعود الربيع العربي في المشرق الإسلامي لو جرى انسيابيا كان يعني قيام دول مركزية ذات سيادة شعبية ونظام دستوري وتآلف وطني، وبالتالي تحالف قوي جديد تنتظم فيه هذه الدول لتُشكل رافعة وتكتل غوث وضغط سياسي داعم لمصلحة الأقليات المسلمة والدول المضطَهدة أو المحاصَرة. وهذا البعد له علاقة بالحرب الشرسة التي تُشن على تركيا العدالة اليوم، كونها اختطت خيارا ديمقراطيا يتوجه للمشرق الإسلامي فيحيي القيم المشتركة والتطور الحديث للشرق الإسلامي، وإن رصد ما احتضنته تركيا ومصر وتونس أوان الربيع لقضية المسجد الأقصى وكيف أضحت فلسطين حاضرة الوجدان يعطي تفسيرا مهما لهذه الزاوية. إن مصلحة الغرب الإستراتيجية حتى لو نافقت آلته الإعلامية كان يعني أن هدفه أن يُقصي هذا الصعود ولو اختلف مع طريقة التنفيذ، وتشجيعه لبعض الأقليات وإيران لمواجهة هذا الصعود وقذفه عنوة في مضمار الصراع الطائفي كان هدفا ووسيلة في آن واحد. إن المشرق الإسلامي وهو يعيش هذه الحقبة من آثار الحملة العالمية الجديدة على مسلميه والتي تتزامن مع عودة حركة الوعي الإسلامي المنتمية لتاريخه التشريعي وأفق تفكيره الحضاري، في ظل انكشاف كارثة الغلو العسكري المتأثر بالغلو الديني المدني الذي حاربه من داخل أرضه، بحاجة كبيرة لعودة تنظيم العقل المسلم وبعثه مع سواعد الغوث في وقت واحد، لتنتصر إرادة الحياة الإسلامية على ثقافة وآلة القتل الإرهابية. * عن موقع الجزيرة نت -بتصرف-