عمال النظافة الوظيفة الأكثر تقديراً لدى سكان برلين حظى عامل النظافة في المجتمعات المتحضرة بكل التقدير والاحترام، كونه الجندي الخفي في إظهار الوجه المشرق للمدن، إلا أنهم في مجتمعاتنا العربية يواجهون سوء التعامل والاحتقار في كثير من الأحيان ليس لشيء سوى أنهم اختاروا لأنفسهم هذه المهنة الشريفة، ناهيك عن الظلم في أبسط الحقوق، والهضم المتعمد لحقوقهم من قِبل بعض الشركات، ولكن رغم ذلك نجد من يسعون لتغيير هذه الصورة السالبة ويعاملونهم بكل إنسانية، وينزعجون كثيراً من الذين ينظرون لهم بدونية ويعاملونهم بطرق غير لائقة. احتل عمال النظافة المركز الأول في الوظائف التي تحظى بتقدير سكان مدينة برلين، في استطلاع للرأي شمل الشركات المحلية والدولية العاملة في العاصمة الألمانية. ويشير الاستطلاع، الذي أجراه معهد (فورزا) لقياس مؤشرات الرأي ونشرته صحيفة (برلينر تسايتونغ)، إلى تغير في نظرة الناس للوظائف المختلفة، إذ أطاح أصحاب الزي البرتقالي (عمال النظافة) بأصحاب البالطو الأبيض (الأطباء) من على رأس القائمة. وعن السر وراء هذا التقدير الشديد لعمال النظافة، قال مانفريد غولنر، مدير معهد (فورزا) في تصريح لصحيفة (برلينر تسايتونغ): (يحظى عمال النظافة والأطباء غالباً بتقدير كبير في الكثير من استطلاعات الرأي والتفسير بسيط للغاية وهو أن كليهما يقوم بعمل ضروري لا يستطيع الإنسان أن ينجزه بنفسه. علاوة على ذلك، فإن عمليات التخلص من القمامة تتم بكفاءة عالية). يحتفل العمال في الأول من شهر ماي من كل عام، اعترافاً بجهودهم التي يقدمونها في بناء أوطانهم وتقديراً لدورهم الرائد في نهضة البلدان، ففي الجزائر مثلا لا يعرف العامل، خاصة الذين يعملون بالأجر اليومي وخاصة عمال النظافة، متى يوم العمّال؟ الشيء الملفت لهؤلاء (عمال النظافة) هو إن توقفوا عن أعمالهم شعر الكل بهم وافتقدهم بسبب الدور الكبير الذي يقومون به في إبراز الوجه الحسن لمدن بلادنا وشوارعها، فهم لا يأبهون لما يقال عنهم، ولا يبحثون عمن يمدحهم إن غابوا افتقدهم الكل. ما يلاقيه عمال النظافة من معاناة تتمثل في عملهم الشاق والمجهد في نظافة الشوارع وإزالة المخلفات، أضف إلى ذلك معاملة بعض أبناء المجتمع لهم معاملة دونية، حيث يتعرضون للكلام البذيء والجارح أو الكلام العنصري. يشعر عادل، أحد عمال النظافة، بالاعتزاز بعمله وببذلته التي يلبسها ذات اللون الأخضر، لكنه لا يستطيع أن يخفي آلامه تجاه معاملة الناس فيقول: (نحن نعمل لخدمة الناس، ونبذل كثيراً من الجُهد، غير أنهم لا يحسون بنا، ولا يقدرون أعمالنا، وينظرون إلينا باحتقار). يضيف زميله حسين أنهم يعملون بمرتبات (لا تسمن ولا تغني من جوع) ف (18 ألف دينار غير كافية للحاجات الأساسية للأسرة وقيمة الإيجار والماء والكهرباء يشتغل الواحد منا وهو يفكر من أين يدبّر مصاريفه التي تكفي للشهر كامل). وعلى الرغم من رواتب العمال الشحيحة مقابل ساعات عمل مجهدة تحت حرارة الشمس وصقيع البرد، فهم يعانون من المعاملة الإدارية القاسية ضدهم، بالإضافة إلى تحملهم قيمة ما يتلف من المكانس ومعدات التنظيف. السياسة التي مارسها المجتمع، جعلت من تلك الفئة فئة منبوذة، وتعالي المجتمع والنظر إليهم بنظرة دونية، كما يطلق عليهم (زبالون)، فقد يمرض أحدهم ويموت، لأنه لا يملك قيمة الدواء، والعديد منهم يعملون بدون تأمين في ظروف قاسية، وفي كل مرة تتعالى نداءاتهم للمسؤولين من أجل النظر إلى عامل النظافة، الذي يجد نفسه في أسفل الهرم، لا لشيء إلا أنه يحمل وزر النفايات التي يرميها المواطن، فهل من مستجيب لنداء آلاف العمال الواقعين تحت سيطرة احتقار وتهميش المجتمع والسلطات..؟