عمال النظافة هذه الفئة التي تعمل بجد وتسعى من اجل نظافة البيئة، وهي عينة من العمال الذين لا يستغنى عن خدماتهم، والتي أرادت يومية الاتحاد تسليط الضوء عليها لمعرفة المزيد عن هذه المهنة الشاقة، ومتى يبدءون عملهم وينتهون منه، وماذا يواجهون خلال يومهم الطويل، وما هي أوقات راحتهم، وسعادتهم وشقائهم ؟ أسئلة تلو الأخرى حاول أن يجيب عليها عديد من عمال النظافة والذين نفضل أن نطلق عليهم بكل فخر واعتزاز "حماة البيئة"، حيث أنهم محرومون من كل المناسبات والأعياد، كون أن النظافة في الجزائر ليس لها لا مكان ولا زمان،فليتصور الفرد الأحياء السكنية وباقي الشوارع دون بصمة عمال النظافة، لكانت الجزائر أشبه بجبل قمامة تنبعث منها أكره الروائح،ينفر منها المواطن.عناوينهم الطرقات، وهمهم نظافة المناطق المسؤولين عنها، وغايتهم تأكيد لقمة العيش، بالعمل الشريف، والشمس صديقتهم ورفيقتهم منذ بدء العمل حتى مغيبها، وهذا ما يتضح على وجوههم السمراء المحروقة من الشمس والتعب، فهذه الفئة التي اعتبرتها كل الجهات حماة للبيئة، بل شرايين نابضة لكل المحيط، لذا فليحاول أي منا تصور يوم واحد بلا هؤلاء؟ خاصة وان المواطن الجزائري يفتقر إلى الثقافة البيئية، ويضرب عرض الحائط كل المعايير والشروط التي من شأنها أن تحميه من كل المخاطر والأوبئة التي تهدد المحيط الذي يعيش فيه، بل ما زاد الأمر اكسر تعقيدا هي سلوكاته اللامبالية، خاصة تلك المتعلقة برمي النفايات من أعالي الشرفات، وهي الظاهرة التي لطالما أرقت عمال النظافة. لقمة العيش تجبرنا على.. عبد الوهاب عامل نظافة في بلدية باب الوادي منذ خمس سنوات، أيامه جد صعبة خاصة في هذا الحي العريق والشعبي،ولكنه اعتاد على ذلك على حد قوله ولكن الأمر الذي يستفزني ويحز في نفسي هو رمي القمامة على الأرض وذلك أمامي وعن قصد، كأنه يقول لي "هيا اعمل " ويضيف عبد الوهاب، نحن ننظف يوميا وفي كل ساعة ودقيقة ، وثانية، وأنا شخصيا لا أتوانى عن تأدية عملي، لأنها لقمة عيشي ويجب أن لأحلل نقودي "فالنظافة عمل رائع " لا يصدقني أحد عندما اخبره أنني أحب مهنتي، فالنظافة عمل جميل"يضيف ذات المتحدث . أن تنظف المكان وتراه عن بعد نظيفا، تسعد كثيرا، ولكن الشيء الذي لا تسعد به هو رمي النفايات وعلب العصير وغيرها في المكان الذي نظفته لتوك، دون اهتمام أو احترام. رغم البهدلة، إلا أنهم يؤدون عملهم بأمانة حكايات وحكايات لا يمل احد من روايتها ، بل وما يحز في أنفسهم أنهم أصبحوا سرية لدى الآخرين، حيث يقول رفيق من العاصمة الذي أراد أن يدخل عمل تنظيف الطرقات والأحياء السكنية وجمع النفايات في وقت متأخر من الليل، من مختلف المجمعات السكنية "رغم أن مجتمعنا يدرك حجم ما نقوم به وما نعانيه، إلا أن فئة قليلة من الناس تستوعب عملنا وتقدره، يبتسم رفيق ويقول " ذات يوم كنت أنظف في أحد الأحياء فرأيت شيخا فألقيت عليه التحية، بعد أن أجابني نظر إلى ابنه الشاب وقال له " شوف زبال ومربي" لم أفهم قصده ولكن أجد في ذلك أننا نعامل ككائنات دونية لا يجب أن تختلط بغيرها. وأثناء الحوار مع عبد الوهاب ورفيق اصدمنا بمجموعة من أصحاب المحلات الذين أكدوا أنهم يرمون قماماتهم في علب كرتونية لتسهيل المهمة عليهم ، ونعاملهم باحترام، حتى أن بعض عمال النظافة صاروا أصدقائنا ونحتسي القهوة مع بعضنا البعض،فنحن نستوعب مدى شقائهم من أجل توفير بيئة نظيفة لنا، ولنا منهم كل التقدير والاحترام . ... والمواطن يزيد الطين بلة ! صالح أحد هؤلاء العاملين في هذا المجال،يقول من جهته : كم من مرة نظفنا الأماكن حتى صارت لماعة، وبعدها يأتينا مسؤولنا في العمل، ويسألنا هل نظفته المكان كذا.. ؟ فنقول نعم، وفي تفقده للمكان، نتلقى من البهدلة ما لا يستطيع المرء تحمله لأن المكان قد عاد كما كان سبب المواطنين الذين يفتقرون لحس النظافة، وأتذكر أن مسؤولي يضيف صالح بعد أن عاد من معاينته المكان الذي قمت بتنظيفه قال لي : " هل أنت متأكد من تنظيفك لذلك الشارع؟ فأكدت له أنني انتهيت منه منذ ساعة، فقال لي أنه بين تنظيفي ورمي القمامة شعرة أي بمعنى أنني لم أنظفه جيدا. والحقيقة أن الشارع عاد إلى حالته القذرة بعد أن فرغت من تنظيفه. هكذا يواجه هؤلاء العمال أيامهم الشاقة، والتي يقابلونه بنشاط وحماس دون أي تذمر أو مطالبة بحقوقهم. "الخبزة المحانة" يقول السعيد. ف من مدينة البويرة والذي أتى إلى العاصمة بحثا عن الرزق الحلال، نعامل بطريقة مؤلمة، رغم عملنا المضني،ونغضب من عدم مراعاة البعض لمعاناتنا وهي معاناة بالتأكيد، فالنفايات المملة بالجراثيم تؤذينا، والدخان وغبار السيارات والشوارع كلها عوامل مجتمعة تؤثر على صحتنا، فهمنا الوحيد هو نظافة محيطنا وكل الأمكنة، وهذا بالمقابل لقمة عيش حلال يتحصل عليها المنظف رغم أن الأجر زهيد إلا أننا نعمل بكل أمانة نحن "المنظفون" وليس "الزبالون" كما ينعتنا الناس، وبدل اللجوء إلى الحرام كالنهب السرقة، والدخول إل عالم الجريمة من أوسع أبوابه، فضلنا أن نتحمل المشقة والهانة من أجل المكسب الحلال. ففي الوقت الذي تدفع الحاجة بالسعيد إلى السفر من بلد لآخر،ويعمل في النفايات لأجل إطعام أطفاله المتواجدين بالبويرة يذهب كل يوم إلى العمل بجد وفي نهاية الشهر يسعد ويسر ويحمد الله لهذا الأجر المكتسب من الحلال رغم زهده إلا أنه يقول "البركة فالقليل" الحمد لله . الزبال الحقيقي هم الناس الذين يفتقرون إلى الثقافة البيئية من خلال احتكاكنا بفئة معتبرة من هؤلاء العمال، تبين أن معظمهم يستاء من معاملات المواطنين لهم نعتهم ب "الزبالين " بالرغم من أنهم عمال نظافة بأتم معنى الكلمة، وأن الاسم الذي يطلق عليهم لا أساس له من الصحة، وأشار جل عاملي النظافة الذين التقت يومية الاتحاد وإياهم أن الزبال الحقيقي هو المواطن الذي يفتقر لحس النظافة والثقافة البيئية تتعلق بر النفايات ،و المحافظة على نظافة المكان والمحيط بشكل تام. عمال النظافة يحلمون بن يقدر طبيعة عملهم و ظروفهم بينما تقبل عبد الكريم عامل ببلدي الصبة بلقب الزبال وذكر أنه لا يمانع من أن يناديه الناس بها ولكن الذي يرفضه تماما هو نعته ب "المعفون" و"لموسخ" ، وأردف يقول : كم أحب الناس الذين يتعاملون معي بلطف وخاصة عندما يرمون شيئا أمامي يقولون لي "سمحلنا "و "حاشاك" وغيرها من العبارات اللطيفة، وحلمي أن يعي الناس تعب عملنا، ومعاناتنا، لتكون مدينتنا نظيفة، وفي الأخير طرح سؤال للقراء قال فيه : " لو أعطي يوم عطلة لكل عمال النظافة، هل لكم أن تتخيلا كيف سيكون حال المدينة ؟ " حماة البيئة يوجهون دعوة إلى ترسيخ الثقافة البيئية ومن خلال صفحات الاتحاد قدم عمال النظافة بالعاصمة رسالة إلى كل مواطن جزائري، أن يغرسوا روح المبادرة والتعاون معهم، وان يتحلوا بثقافة بيئية واسعة النطاق، وهذه الأخيرة من شأنها أن تساعد بدورا في حماية البيئة وتخفيف الضغط على هؤلاء العمال الذين لا معنى للراحة الإهمال في قاموسهم الخاص. لكل مقام مقال... المثل الذي أساء الجزائريون فهمه لكل مقام مقال مثل عربي شائع والذي يعني الأصل في المقولة لكل زمان دولة رجال ولكل مقام حسبة ومقال وهي تقال في أحوال عدة ومنها : حال السؤال عن ردة الفعل جراء فعل معين محتمل كأن تقول: لو أنك ذهبت إلى فلان ووجدته لم يفعل ما طلبته منه يكون الجواب لكل مقام حسبة ومقال.إلا أن الجزائريون أساء فهمه حيث فسروه على أن لكل شخص مقامه في المجتمع أي كما يعرف ب " الطبقية" حيث أن الغني منهم يضطهد الفقير ولا يبالي بمعاناته اليومية يحسبه كأنه كرة بين رجليه يرفسها مثلما أراد وبالموازاة مع ذلك، تحدث إلينا العديد من العمال في هذا الصدد عن معاناتهم مع التجار وأصحاب العمارات، وعن الملاسنات والعبارات الجارحة التي تتكرر يوميا مثل : لماذا لم تأخذ هذا الكيس من هنا ؟ " لا تحسب نفسك ذو مركز، فما أنت إلا زبال"، "أنتم تعيشون من فضلاتنا تقتاتون منها"، "أنتم دوننا مستوى هيا اعمل واصمت" وغيرها من العبارات والمواقف الجارحة التي يتحملونها يوميا والتي اعتادوا عليها على حد تعبيرهم. فشوارع العاصمة هي أكثر المناطق حركة ومرورا للمشاة والسيارات، ما يعني نفايات كثيرة،ومستمرة، ودائمة، سواء نظفت ام لا، وتعب لهؤلاء المعال لا حدود له،فهم يعمون بدون توقف،همهم الوحيد هو أن تكون البيئة والمحيط نظيفين،وآمنين من أي مخاطر تهدد الوسط، وأن تبقى الجزائر بيضاء كما يعهدها الجميع.