رمى رجل ورقة على الأرض، بل يرمي الملايين منا كلنا كلّ شيء يوميا على الأرض. ولو أنني لا اقدر على التحدث مع هؤلاء الملايين، إلا أنني تحدث مع ذلك الشخص الذي شاهدته وهو يرمي تلك الورقة التي وجدها في جيبه، ولما تفحصها، والظاهر أنه لم يعثر فيها على ما يهمه، ألقى بها على الأرض دون اكتراث أو تفكير، كما لو أنّ تلك الأرض سلة مهملات كبيرة خُلقت له. رغم أن مشهدا مثل هذا صار مألوفا، ولم يعد ينتبه إليه احد، إلا أنّ ما أثار استغرابي هي الطريقة التي رمى بها ذلك الرجل الورقة على الأرض، فهو لم يتلفت لا يمينا ولا شمالا وهو يفعل فعلته، فهو لا يخاف لومة لائم، ولم يطأطئ برأسه ولم يخفض عينيه، لأنه لا يرى في فعلته ما يُخجل، ولم يكلف نفسه مشقة رمي تلك الورقة في ركن ما او تحت شجرة او أسفل جدار، بل رمى بها وسط الشارع، كما لو كان يفتخر بعمله المشين ذلك. تحدثت مع ذلك الرجل، لعلي أغير فيه شيئا، ولو أنني كنت انتظر الإجابة مسبقا، حتى أنني عندما لمته على فعلته نظر إليّ مستغرباً سؤالي، وابتسم قبل أن يقول: "الجميع يفعل هذا وليست الورقة التي رميتها هي التي ستلوث الأرض، ثم ليس هناك سلة مهملات ارمي فيها هذه الورقة وليس لي استعداد أن أبقيها في جيبي دهرا". كان الرجل محقا فيما قاله لي، فليس هو أول ولا آخر من يرمي ورقة على الأرض، وربما لن ينتبه احد إلى تلك الورقة وسط شارع تحول إلى كيس قمامة كبير، ولم تكن هناك سلة مهملات في الشارع، لكنه لا يعلم او يتجاهل أنه بذلك التصرف يسيء لنفسه قبل أن يسيء إلى غيره. هو يسيء لمنظره ولإنسانيته بذلك الفعل البذيء، والذي يحط من شأنه، وينزله إلى المكان الذي رمى فيه تلك الورقة. المشكل أنّ ينظر البعض إلى هذا التصرف كأنه أمر عادي، ولا يحتاج حتى إلى التوقف، والأمّر أن يفعل البعض ذلك دون أن يعي خطورته، حتى أنّ احدهم قال لعامل نظافة، وهو يعاتبه على انه ألقى بكيس قمامة في غير مكانها، أجابه أنه لو لم يوجد أمثاله ممن ينتجون القمامات ويرمونها على الأرض لما وجد هو عملا. أن نفعل ما يفعله الجميع، بحجة أنّ هؤلاء الجميع يفعلونه أمر أحمق، فيمكننا أن نستبيح حينها الكثير من الأمور بل كل التصرفات والمنكرات حتى لو تعارضت مع مبادئنا وأخلاقنا وقيمنا وحتى ديننا، وسنجد أنفسنا نمر من رذيلة إلى أخرى ومن كبيرة إلى اكبر منا، حتى يصير كل شيء في نظرنا جائزا ومألوفا، فنحن سنجد دائما من نتحجج به، ونقول انه يفعل أكثر منا.