لخضر بومدين الذي خالف نصائح محاميه الفرنسي، الذي طلب منه عدم الإدلاء بحوارات في الوقت الراهن، لأن الأمر يتعلق هذه المرة بصحيفة جزائرية، حيث أكد لنا المعني بالأمر أنه ''جد سعيد بالحديث إلينا، وأنه كان يتمنى أن تنقل تصريحاته بأمانة إلى الشعب الجزائري''• المفاوضات التي قادها مسؤولو تلفزيون ''بربر تيفي'' استغرقت فترة طويلة بسبب العراقيل التي أقامها محامي لخضر بومدين، إلا أنها كللت في الأخير بلقاء دام أكثر من ساعتين، فتح من خلالها قلبه لأول مرة منذ خروجه من سجن غوانتانامو والتحاقه بفرنسا لصحيفة وتلفريون جزائريين، حيث تحدث عن عملية اعتقاله بسراييفو في البوسنة، وعن الكيفية التي تم من خلالها نقله إلى كوبا، كما كشف لخضر بومدين عن عمليات التعذيب التي كان يتعرض لها ويتعرض لها سجناء غوانتانامو إلى يومنا هذا، وعن عدة أمور أخرى تطالعونها في هذا الحوار• بعد أيام من مغادرتك سجن غوانتانامو والتحاقك بفرنسا، هل لنا أن نعرف كيف هي حالتك الصحية والبسيكولوجية، وكيف كان اللقاء مع العائلة؟ (يتنهد) العائلة••• إنها لحظات عجيبة، تصور أنني لم أرهم لمدة تزيد عن سبع سنوات، لقد التقيت بابنتي التي كنت تركتها في سن 18 شهرا لأجدها الآن في العام التاسع من عمرها؛ أما ابنتي الثانية فكان عمرها 5 سنوات والآن فهي مراهقة ذات 13 سنة، إنه أمر لا يصدّق حقا، صراحة أنا جد سعيد؛ وأخيرا التقيت بأفراد لطالما افتقدتهم كثيرا، وأنا في المعتقل لكل هذه المدة• أنا أحمد الله ليلا نهارا، لهذا يمكن أن أقول إنني في حالة جد حسنة، والحمد لله مرة أخرى• السؤال الذي يطرحه نفسه، هو لماذا اخترت العيش في فرنسا عوض العودة إلى الجزائر أو العودة إلى البوسنة أين كنت تقيم، وهل للحكومة الجزائرية دخلا في هذا الاختيار؟ هدفي الأول كان ملاقاة زوجتي وأبنائي، كل ما حدث هو أنه في 20 نوفمبر استفدت من حكم البراءة رفقة أربعة من الجزائريين، حينما تم اعتقالنا في البوسنة كنا ستة جزائريين، أربعة منا كان لهم الجنسية البوسنية، وبما أني لديّ الجنسية البوسنية كان من المفروض أن أتنقل يوم 20 أو 25 ديسمبر أنا لا أتذكر بالضبط التاريخ رفقة الآخرين إلى البوسنة وهم بوضلعة الحاج، وآيت إيدير مصطفى، ونشلة محمد؛ لكن يوم 20 نوفمبر قاموا بأخذ الآخرين من دوني؛ لأنهم تحججوا بوجود مشكلة على مستوى الإداري والذي يثبت جنسيتي البوسنية؛ لأبقى لوحدي شهرا كاملا• وفي 20 ديسمبر كلمني المحامي وأخبرني أن الأمريكيين كانوا قد قرروا في بادئ الأمر أن تكون عودتي إلى البوسنة، وبما أن هذا الحل أصبح مستحيلا (بسبب مشكل الجنسية)، فاقترحت عليه العودة إلى الجزائر، إلا أنه أكد أن تحقيق ذلك سيستغرق وقتا طويلا لأن المفاوضات مع السلطات الجزائرية ستستأنف من جديد؛ واقترح عليَّ أن تكون وجهتي بلدا آخرا عدا الجزائر والبوسنة حتى يتسنى لي ملاقاة عائلتي في أقرب الآجال؛ واقترح عليَّ فرنسا• ولكن لماذا فرنسا وليس بلدا آخرا؟ وهو نفس السؤال الذي طرحته عليه أنا أيضا، فكان رده أن فرنسا هي أقرب البلدان مسافة من الجزائر، كما أن كثرة الجالية الجزائرية هناك سيساعدني على التأقلم مع هذا البلد، خاصة وأن الثقافة والعادات الجزائرية حاضره بقوة هناك، بكل صراحة فقد وافقت على هذا الاقتراح مباشرة، فحلمي الوحيد كان مغادرة غوانتانامووكوبا حتى ولو كان ذلك باتجاه القمر؛ فالسجين في غوانتانامو لو يُقترح عليه الذهاب للهند أو الصومال فسيقبل بذلك لأن سجن غوانتانامو هو مكان مُرعب ورهيب• صراحة هل كنت تطمح أن يتم إطلاق سراحك من سجن غوانتانامو يوما؟ صدقني أنه في البداية كان الوضع سيئا جدا، ولم يكن أي سجين يفكر ولو لحظة واحدة في الحرية أو اليوم الذي سيتم فيه إطلاق سراحه، لكن بما أنني مسلم قبل كل شيء وأن ثقتي وإيماني بالله عزّ وجل كبيران فكنت متفائلا• وأعود إلى الوراء لأقول لك بداية محاكمتي كانت عام ,2004 فبدأت أشعر بنوع من التغيير وذلك ما زاد من تفاؤلي، وأخيرا في 11 جوان 2008 دخلت في مواجهة مع جورج بوش (المحاكمة) وفزت عليه والحمد لله، وكان هذا الفوز فوز كل المعتقلين لأن القضية كانت تحمل اسمي ''قضية لخضر بومدين''• وفي 20 نوفمبر قام قاضي فيدرالي بإعلان براءتي وقالها بالعبارات التالية: ''لخضر بومدين أنت بريء، ويجب أن يطلق سراحك حالا، بعد 7 سنوات ونصف من المعاناة دون أن ترتكب أية جريمة''؛ إلا أن ذلك لم يحدث في تلك الفترة لأسباب أبقى أجهلها وأظن أن المحامي أيضا يجهلها• نتحدث الآن عن الظروف الصعبة التي مررت بها في سجن غوانتانامو، خاصة في السنوات الأولى، فكيف عشت تلك الفترة؟ وما هي الأساليب التي كان الأمريكيون ينتهجونها للقيام بالتحقيق معك ؟ حقيقة السنوات الأولى كانت جد صعبة، ومهما حاولت أن أصف لك الظروف التي عشتها في تلك الفترة فإنني لن أقدر، لأنني لن أجد الكلمات المناسبة لذلك، وعشنا أمورا وأوضاعا لا يصدقها العقل• فأمريكا تدعي أنها بلد الديموقراطية وأنها تعمل على إحلال هذه الديموقراطية في بلدان أخرى عبر العالم كالعراق مثلا وغيرها، إلا أن الأمريكيين كذّابون وكل سياستهم كذب في كذب، والمعاملة التي يعاملون بها السجناء في غوانتانامو هي سيئة للغاية، وليس لها علاقة بالإنسانية إطلاقا• عمليات الاستنطاق والبحت والتحري بدأت معي عام ,2003 وكانوا يدفعونني لأعترف بأنني عضو في تنظيم القاعدة، وأنني قمت بعمليات إرهابية• كان الحراس في المعتقل يخرجونني من الزنزانة ليلا، وتدوم عملية الاستنطاق من منتصف الليل إلى غاية الخامسة أوالسادسة صباحا، ثم من الواحدة زوالا إلى السادسة مساء، كانوا يعذبونني، حيث يمسكني جنديان من ذراعيّ ويجبرونني على الجري فوق الحصى الصلب دون حذاء، وإذا تعبت وسقطت أرضا فيقوموا بجرّي من كفي وأنا ساقط ملقى على الأرض، وحتى وإن أصبت بجروح وسالت دمائي فلا تحن قلوبهم، ويواصلون عملهم البشع• فهم يعتبروننا كلابا؛ وعندما يرجعونني للزنزانة كنا نصعد سلما من الإسمنت المسلح (بيتون)، وبما أنني أكون جد مرهق، وفي حالة يرثى لها لم أكن أقوى على الصعود، إلا أنهم يجرونني ويدفعون بي ضد هذا السلم الصلب، والنتيجة أنني كنت غالبا ما أصاب بكسور على مستوى الركبة• كما أن الضرب كان بالنسبة لهم أمرا عاديا• وفي تلك الفترة دخلت في إضراب عن الطعام والشرب؛ ورغم تدهور حالتي الصحية، إلا أنهم لم يتوقفوا عن عمليات الاستنطاق، فكانوا يزوِّدونني وبالقوة بحقن المياه المعدنية المالحة (السيروم)؛ لم أكن أنم على الإطلاق، فمن السادسة صباحا وإلى الواحدة زوالا ينقلونني للعيادة ومن الواحدة إلى السادسة زوالا يخضعونني للتحقيق، ثم يعيدونني إلى الزنزانة في حالة يرثى لها، قبل أن يعودوا ويحققوا معي من منتصف الليل وإلى السابعة صباحا• ما هي الأسئلة التي كانت تطرح عليك في الغالب ؟ كانوا يدّعون أن لديهم كل المعلومات بخصوصي، وأنهم يعلمون أنني كنت عضوا فعّالا ونشطا في تنظيم القاعدة ولديهم الأدلة لإثبات ذلك، ويصرون على ذلك لفترة طويلة من الزمن، إلى درجة أن هناك بعض السجناء اقتنعوا بأنهم أعضاء في تنظيم القاعدة، وأنهم قاموا بعمليات إرهابية، وذلك رغم أنهم لم ينتموا يوما لهذا التنظيم؛ وكان الجنود يحضّرون صورا فوتوغرافية مفبركة وكانوا يضعون صورتي رفقة أسامة بن لادن ورفقة قياديين في تنظيم القاعدة وقائمة بأرقام هاتفية، ويحاولون إقناعي بأنني كنت على اتصال بهم عن طريق تلك الأرقام؛ كما كانوا يحجبون عنّي النظر ويحضّرون كلاب متوحشة مرفوقة بأصوات غريبة• تصوّر أنه في الفترة التي كنت فيها في إضراب عن الطعام والتي دامت عامين و5 أشهر و25 يوما، كانوا يطعمونني بالقوة يوميا عن طريق أنبوب يدخلونه من أنفي وطوله 50 سنتيمترا• كما يوجد هناك طرق أخرى للتعذيب، وهي منعك من النوم، حيث يقوم الحارس بوضع ضوء قوي باتجاه العينين، ويقوم أيضا بطرق الباب كل 3 دقائق، وآخرون كانوا يغطسون رؤوس السجناء في الماء، وهناك من يحرِّضون عليهم الكلاب ليعضونهم••• كل ما يقومون به هو عاد بالنسبة لهم، لأنهم يعملون بأوامر ''رامسفيلد الكلب''••• صراحة فما كانوا يقومون به لا صلة له مع الإنسانية، فلو كان لديهم ذرة رحمة في قلوبهم لما قاموا بعُشر ما كانوا يقومون به؛ ما عشناه في خليج الخنازير لا يعيشه السجناء في أي بلد كان، فلا رحمة في قلوبهم••• لا رحمة في قلوبهم• رغم كل هذ التعذيب الذي مورس عليك، إلا أنك لم تقل يوما إنك تنتمي لتنظيم القاعدة؛ ألم يخطر ببالك في تلك الفترة التصريح بأنك تعترف بكل هذه التهم حتى يكفّوا عن تعذيبك؟ لا أبدا، فلا يمكنني الاعتراف بأعمال لا صلة لي بها• هذا مستحيل، لكنني أتفهم من قاموا بذلك، تصور أنهم كانوا ينزعون منا كلّ ملابسنا، و يتركوننا في زنزانة جد باردة لفترة طويلة من الزمن؛ فهناك من فضّل المحافظة على حياته فأقر أمورا لا أساس لها من الصحة• كيف تم اعتقالك؟ كنت رفقة زوجتي وأولادي في البوسنة، فجاء جنود وطلبوا منِّي مرافقتهم حتى يطرحوا عليّ بعض الأسئلة العادية، ووعدوني بأنني سأعود لبيتي ساعات بعد ذلك• رافقتهم وأنا مطمئن؛ وعند وصولي إلى المقر تفاجأت عندما أخبروني بالتهمة الموجهة إليّ، خاصة وأنها كانت غريبة• تصور أنني كنت متهما ب ''النية والتفكير والتخطيط للتفجير''؛ لقد وصل بهم الأمر لكشف نية الأشخاص، وكأنهم دخلوا في قلبي، وأنهم تمكنوا من الدخول في رأسي وكشف تفكيري•• الله أعلم•••؛ أما عن التخطيط، فلو كان ذلك صحيحا لوجدوا أدلة مكتوبة وملموسة لإثبات تهمهم• لقد فتّشوا منزلي وسيارتي ومكتبي والكمبيوتر؛ لكن لم يحصلوا على أي دليل؛ لكنهم سجنوني بسراييفو، وبعد ثلاث أشهر هناك أعلنت المحكمة أنني بريء؛ وأكدوا لي أنني سأغادر السجن• وبالفعل، حملت كل لوازمي ووثائقي ورافقوني إلى غاية الباب الخارجي؛ وما إن وطأت رجلي الشارع حتى رأيت جنودا ملثمين مرفوقين بكلاب، وبما أنني أتكلم اللّغة البوسنية لاحظت أن هؤلاء الجنود لا يحسنون اللّغة البوسنية وأنهم جنود أمريكان، فاعتقلوني مرّة ثانية• والغريب في الأمر أنه قبل مغادرتي السجن كنت قد شاهدت الأخبار، حيث قال الصحفي إن الجزائريين الستة التي تم القبض عليهم أبرياء، وسيطلق سراحهم• وفي نفس الأخبار تمت دعوة المحامي المكلف بالدفاع عني، الذي صرح يومها أن لديه أخبار موثوقة تقول إن أمريكا تريد بعث هؤلاء الجزائريين لأحد السجون الخاصة خارج البوسنة؛ وهذا رغم أن كل الوثائق التي كانت بحوزتي والصادرة من المحكمة العليا تثبت براءتي• هناك بعض السجناء اقتنعوا بأنهم أعضاء في تنظيم القاعدة، وأنهم قاموا بعمليات إرهابية، وذلك رغم أنهم لم ينتموا يوما لهذا التنظيم؛ وكان الجنود يحضّرون صورا فوتوغرافية مفبركة وكانوا يضعون صورتي رفقة أسامة بن لادن ورفقة قياديين في تنظيم القاعدة وقائمة بأرقام هاتفية، ويحاولون إقناعي بأنني كنت على اتصال بهم هناك طرق أخرى للتعذيب، وهي منعك من النوم، حيث يقوم الحارس بوضع ضوء قوي باتجاه العينين، ويقوم أيضا بطرق الباب كل 3 دقائق، وآخرون كانوا يغطسون رؤوس السجناء في الماء، وهناك من يحرِّضون عليهم الكلاب ليعضونهم••• وكيف تم نقلك إلى غوانتانامو؟ باختصار عندما خرجت من السجن وجدت الجنود الذي سبق لي وصفهم، فقاموا بربطي وحزموا عيناي، ورموا بي في السيارة وكأنني كيس قمامة• أتذكر جيدا أنني كنت يومها مريضا، وأنا بالسيارة، كنت أسمع أصوات لعدة أشخاص كانوا بحولي، يحاولون طرح الأسئلة، فأدركت أنهم صحافيون بوسنيون، ولم يأخذونا لغوانتانامو مباشرة، لأن عدد البوسنيين الذين كانت أمريكا تريد نقلهم إلى كوبا كان حوالي 5000، الأمر الذي دفع بالسلطات البوسنية منع ذلك الاختطاف، أنا أسميه اختطاف وليس اعتقال• وبما أنني كنت مريضا جدا، أخذوني إلى مكان أجهله لحد الآن، وأحضروا طبيبا بوسنيا، حين قدم الطبيب سمعته يقول أنني كنت في حالة خطرة وإن قدّر الله وفارقت الحياة، فإنهم يتحمّلون كامل المسؤولية، فأحضروا سيارة إسعاف لنقلي الى أحد المستشفيات، إلا أنهم لم يقوموا بذلك، حيث سمعت الممرضة تقول للسائق إن أختها اشترت منزلا هنا في ''بوتموير''، و ''بوتموير'' هي مدينة بها قاعدة أمريكية، فتأكدت أنهم سينقلونني لهذه القاعدة، وعندما وصلنا إلى باب القاعدة منع الجنود الأمريكيين الإسعاف البوسني من الدخول، أما أنا فقاموا بربط يداي من جديد وغطوا عيناي وأذناي ووضعوا لي قناعا على أنفي، لا أدري إن بقيت هناك يوما أو يومين، ثم نقلوني إلى مدينة أخرى تدعى ''توسلان''، حيث توجد قاعدة أمريكية أخرى مختصة في الطيران الحربي، ومن هناك نقلونا في طائرة إلى قاعدة أمريكية أخرى في تركيا• وفي تركيا وضعونا في طائرة أكبر من تلك التي كنا فيها، لأنهم قاموا بإحضار أشخاص آخرين قدموا من أفغانستان، وهنا أدركت أنهم سينقلوننا إلى غوانتانامو• عندما كنا في الطائرة تمكّنت من إزالة الغطاء من على عيني بعض الشيء، وهنا رأيت الجنود الأمريكيين يأخذون صورا فوتوغرافية بجانبنا، وكأنهم قاموا بإحضار إرهابيين من تنظيم القاعدة وطالبان• وبعد أن قضينا 3 أيام خلال هذه الرحلة، وصلنا إلى غوانتانامو، فتركونا فوق أرضية غير مغطاة وتحت شمس محرقة، مع العلم أن درجة الحرارة هناك تتراوح ما بين 40 و42 درجة، ومنعونا من التحرك وإلاّ يضربوننا وكل مرة يهددوننا بالكلاب• بقينا هناك حوالي 5 ساعات، قبل أن يحولوننا إلى الزنزانات، وينزعون عنّا غطاء العينين والأذنين؛ بقيت لمدة ثلاث أيام، أرى بشكل غير طبيعي، حيث كنت أرى كل شيء يتحرك، كما أن رباط اليدين جرحني وانتفخ ذراعي، وبقي كذلك لأكثر من 22 يوما بسبب الميكروبات • حدثنا قليلا عن سجن غوانتانامو• أغلب الجزائريين لديهم نظرة خفيفة عنه، لكننا نجهل كيف هو بالداخل؟ باختصار، فهو سجن مجزّأ لعدة أقسام، منها قسم ''شعاع إكس''، وهذا القسم عبارة عن مجموعة من الأقفاص، مغطاة بخشب، حيث أن المساجين يبقون عرضة لأشعة الشمس طيلة النهار• أما المرحاض فهو عبارة عن دلو، يبقى معك لمدة 24 ساعة، وعليك أن تتصوّر الرائحة التي تنبعث منه، خاصة وأن الحرارة هناك لا تطاق• كما يعطونك دولا آخرا جد وسخ مملوء بالماء للغسل والشرب، وبعد 3 أشهر، تنقلت إلى القسم 1؛ وهو القسم التي غالبا ما يظهرونه على شاشات التليفزيون، وهو عبارة عن مجموعة من الأقفاص الفردية، لكن يمكنك الحديث إلى السجناء في الأقفاص المجاورة لك وهو ما نجده أيضا في قسم 2 و.3 وفي سنة 2004 فتحوا قسما آخرا، هو القسم رقم ,4 وهو قسم ''الإشهار والدعاية''، حيث يقوم الصحافيون بتصويرنا ونحن نأكل أشهى المأكولات ولباسنا نظيفة؛ حتى يظن العالم أنه لا يوجد تعذيب• وهل كنت تتصل بالعائلة في تلك الفترة ؟ كنت أتلقى رسائل بتأخر يصل إلى عامين أو 18 شهرا ويصل نصفها ممحيا؛ عندما التقيت زوجتي هنا بفرنسا أحضرت لي 12 أو13 رسالة، كانت قد بعثت بها إلى السجن لكنها عادت إليها بعد أن قام الجنود الأمريكيون بفتحها وقراءتها، بحجة أن العنوان خاطئ•• وهذا كذب في كذب؛ ولكن بعد أن تحصلت على البراءة اتصلت بزوجتي بوساطة الهلال الأحمر الجزائري• إنهم وحوش؛ أتذكر أنهم أرغموني قبل السفر إلى فرنسا على الغسل دون غسول ولا صابون وبمياه جد باردة؛ مع أنني بريء إلا أنني تلقيت هذه المعاملة، فتصوروا الأشخاص الذين ثبت في حقهم أمر ما• هل كانت لديك اتصالات مع معتقلين جزائريين في سجن غوانتانامو؟ في الحقيقة؛ الدخول مع اتصالات مع جزائريين آخرين هو وليد الصدفة، وهو متوقف على البرنامج المسطر لك وللجزائريين الآخرين، بالنسبة إليّ كنت قد التقيت عددا من الجزائريين المعتقلين هناك، في حين لم يسعفني الحظ في الالتقاء بالبعض الآخر• قبل أن أدخل فرنسا بثلاثة أسابيع، أعلن مجلس عسكري هناك أن الجزائريين المعتقلين هناك لا يشكلون أي خطر وبإمكانهم العودة لبلدهم؛ إلا جزائري واحد، والذي تبقى قضيته خاصة، أظن أن اسمه هو برهومي، ولازلت قضيته في يد محكمة عسكرية، أما البقية فلا توجد ضدهم أية أدلة بشأن التهم الموجّهة لهم• وهل تم إطلاق سراح كل الجزائريين الذين لم تثبت ضدهم أيّة تهمة ؟ أنا سمعت أن جزائري اسمه سامر، تم نقله إلى بريطانيا، لأن له وثائق بريطانية، وهناك آخر أظن أنه من مدينة مستغانم، تم نقله في أول الأمر لألبانيا قبل أن يعود إلى الجزائر، وقبلها كان ستة أو سبعة معتقلين قد دخلوا الجزائر، يضاف لهم أصدقائي الثلاثة البوسنيين، حيث دخل أحدهم أرض الوطن وهو من مدينة الأغواط• ألا تظن أن سفرياتك الكثيرة إلى بلدان ''مشبوهة'' في نظر الولاياتالمتحدةالأمريكية، مثل الباكستان والعربية السعودية والبوسنة، ساعد على سجنك لمدة 7 سنوات؟ لحد الآن فأنا أجهل سبب قيام السلطات الأمريكية باعتقالي في 19 أكتوبر ,2001 والأكيد بالنسبة إليّ هو أنه كانت هناك شخصيات كانت تريد أن تحقق بنا أهدافا سياسية• فبعد أحداث 11 سبتمبر بنيويورك، كانت الجزائر تعيش بدورها فترات أمنية صعبة، لهذا اختاروا الجزائريين، فلو اعتقلوا تونسيين أو سوريين، في تلك الفترة، فإنهم سيجدون صعوبة كبيرة لإقناع الرأي العام في البوسنة بصفة خاصة، وفي العالم بصفة عامة لهذا اختاروا الجزائريين حتى يكون لهم أكثر مصداقية، لأن سمعتنا في تلك الفترة كانت سيّئة وكنا نُعتبر في الخارج بمثابة إرهابيين• في سنة 2004 تلقينا زيارة من وفد بوسني؛ في بادئ الأمر رفضت الحديث إليهم ورفضت حتى إعطائهم اسمي، وبعدها كلّمت أحدهم وقلت له ''كلّمني بصراحة لماذا ورطتموني في هذه القضية؟''، فبدا مترددا وخجولا ورد عليّ قائلا ''سامحني، ولكن هذا ليس ذنبي، فمن ورطك هم أناس آخرون، وأنا لا دخل لي في ذلك''• واعترف لي أن هذه القضية هي سياسية وأنه ليس لديه أي حل لها، وأنه هنا من أجل الزيارة وفقط• وفي تلك الفترة كان كبير المحققين الأمريكيين يقود التحقيقات، هذا الأخير قال لي يوما: ''سأكون معك صريحا، أنتم البوسنيون ذوو الأصول الجزائرية قضيتكم هي قضية سياسية، ولا علاقة لها مع الإرهاب، ومفتاح الحل ليس بيدي، وإنما هو في واشنطن لدى جورج بوش، فلو توصل هذل الأخير إلى اتفاق مع الجزائر فسيتم إطلاق سراحكم فورا••• وما تصورته يومها أن أمريكا لها مصالح في الجزائر وتريد الضغط عليها بواسطتنا• وبعدها خصّنا وفد جزائري بزيارة هناك، وأكد لنا أعضاؤه أننا سنكون أحرارا عن قريب؛ وبقيت الأحوال على حالها إلى غاية .2008 عندما وصلت غوانتانامو تحديت الأمريكان على أن يجدوا سنتيما واحدا صرفته على الإرهاب، فلم ولن يجدوه لأني بريء، وقضيتي هي قضية سياسية وليست إرهابية• الأمريكيون تشبثوا لإلصاق التهم بي، بوثيقة صادرة عن السلطات الجزائرية، وهي وثيقة متعلقة بالوئام المدني• أيمكنك إعطاء تفاصيل أكثر عن هذه القضية؟ عندما زرت الجزائر في 28 ديسمبر 1999، وعندما وصلت المطار أخبروني أنني محل بحث لدى مصالح الشرطة، فطلبت السبب، لأنني غادرت الجزائر عام 1990 ولم تكن هناك أحداث في تلك الفترة؛ فلم أحصل على أي جواب• فبقيت مع الشرطة لمدة يومين، ثم أطلقوا سراحي، إلا أنهم طبلوا مني عدم مغادرة الجزائر العاصمة حتى ينتهون تحقيقاتهم، وذلك الذي حدث، حيث قاموا بتحقيق مع الدرك والشرطة والأمن العسكري في سعيدة، فلم يجدوا شيئا، فسمحوا لي بعد ذلك التنقل إلى سعيدة لزيارة أهلي، وعندما تنقلت إلى المحكمة هناك، قال لي القاضي أن بحوزته وثيقة تدعى ''ب ,''2 وسيتم إرسالها للجزائر العاصمة حتى استرجع جواز سفري؛ ولكن لما عدت إلى الجزائر العاصمة لم يعيدوا لي جواز سفري، ولأن عطلتي قد نفذت منذ 20 يوما، خفت على وظيفتي؛ فأخذت بنصيحة أحد رؤساء المصالح في المحكمة العليا لا أريد أن أذكر اسمه، الذي طلب مني أن أمضي على وثيقة وئام مدني وكأنني ''إرهابي تائب''، فقلت له أنا قادم من البوسنة وليس من الجبل، لكنني قبلت بذلك حتى أحصل على جواز السفر وأنتهي من المشكلة• ولماذا صدرت في حقك وثيقة البحث هذه؟ لا أدري لماذا بالضبط لكن لدي فكرة، ففي عام 1992، كنت في باكستان، كنت أعمل هناك، فذهبت في السنة نفسها إلى السفارة الجزائرية هناك حتى أجدد جواز سفري• ففي تلك الفترة كان هناك جزائريون يأتون إلى باكستان للتدرب ثم يعودون لأرض الوطن من أجل الجهاد حسبهم، لهذا قامت الحكومة الجزائرية بتسجيل كل طالبي الجوازات في باكستان؛ وما يدفعني للقيام بهذا التحليل، هو أن وثيقة البحث تم إرسالها من باكستان إلى الجزائر في سنة .1992 والآن وبعد انتهاء الكابوس، هل تنوي العودة إلى الجزائر؟ وهل أنت على دراية بكل ما يحدث في الجزائر؟ أنا أجهل كل ما حدث ويحدث في الجزائر، فلم أطلع على النشرات التليفزيونية لمدة 7 سنوات؛ كنت أطلب بعض المعلومات عن الجزائر من المحامين، إلا أنهم لم يوفوني بمعلومات كافية تسمح لي بالإجابة عن سؤالك؛ فالمحامون كانوا مركزين على البوسنة• لهذا كل المعلومات التي كانت بحوزتي تتعلق بما كان يحدث في البوسنة• الأكيد هو أنني جزائري ويجب علي العودة إلى وطني، وسأقوم بذلك بعد شهرا أو شهرين بحول الله• حاليا أنا مقيم بضواحي باريس رفقة أهلي وأولادي حتى أرتاح• في المستقبل القريب سأتصل بالسفارة لأحصل على وثائقي لأنني في الوقت الراهن لا أملك أية وثيقة، كل ما أملكه هو وثيقة سماح بمرور صالحة لثلاثة أشهر وصادرة عن السلطات الفرنسية• ففي غوانتانامو لم يعيدوا لي أية وثيقة مثل جواز السفر الجزائري وبطاقة التعريف الجزائرية والبطاقة العسكرية وماذا عن مستقبلك؟ لحد الآن لا أدري• السلطات الفرنسية أخبرتني أنها وضعت تحت تصرفي منزلا بمدينة نيس جنوبي فرنسا، لكن بكل صراحة فأنا لا أفكر إطلاقا في مستقبلي، وهدفي هو البقاء مع أفراد عائلتي الذين افتقدتهم لأكثر من سبع سنوات• أريد أن أعوّضهم بكل ما أتيت بقوة عن غيابي الطويل• كما أريد أن أنسى معتقل غوانتانامو أصلا، أريد أن يتم غلق هذا السجن، لأن الأكثرية من المسجونين هناك أبرياء•