* ما هي المعايير الشرعية للأخذ من المذاهب الفقهية المختلفة - بمعنى إذا كنت مالكياً فما هو المعيار للأخذ من المذهب الحنبلي أو الشافعي أو الحنفي؟ - يجوز لمن يلتزم بمذهب معين الانتقال إلى غيره، فلو التزم مذهباً معيناً كمذهب أبي حنيفة أو الشافعي أو غيرهما، لا يلزمه الاستمرار عليه، بل يجوز له الانتقال منه إلى مذهب آخر، وإنما أوجب الله تعالى إتباع العلماء من غير تخصيص بواحد دون آخر، فقال عز وجل: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "الأنبياء:7/21، ثم إن القول بالتزام مذهب ما، يؤدي إلى الحرج والضيق، مع أن المذاهب نعمة وفضيلة ورحمة للأمة. جاء في كتاب البجيرمي على الخطيب:"قال ابن حجر: ولا يجوز العمل بالضعيف في المذهب ويمتنع التلفيق في مسألة كأن يقلد مالكاً في طهارة الكلب والشافعي في مسح بعض الرأس في صلاة واحدة، وأما في مسألة بتمامها بجميع معتبراتها فيجوز ولو بعد العمل كأن يؤدي عبادته صحيحة عند بعض الأربعة دون غيره فله تقليده فيها حتى لا يلزمه قضاؤها، ويجوز الانتقال من مذهب لغيره، ولو بعد العمل". أما تقليدك لمذهب آخر في مسألة معينة، فقد أجازه العلماء بضوابط معينة، ولابد من معرفة هذه الضوابط الشرعية، لتقليد مذهب آخر في مسألة معينة، أو للأخذ بأيسر المذاهب حتى لا ينقلب الأمر فوضى، أو يصبح مجرد عمل بالرغبة المحضة والهوى الشخصي، بدون دليل شرعي، أو مسوغ مقبول، ولأن اختيار الأيسر نوع من الاجتهاد. وقد بين العلماء أنه يجوز للعامي أن يقلد مذهباً آخر في مسألة معينة عند الحاجة أو الضرورة. وأما تقليد مذهب آخر لمجرد تتبع الرخص، وتلمس الأسهل. فقد اختلف الفقهاء في حكمه على أقوال مجملها ما يلي: 1- قال الحنابلة والمالكية في الأصح عندهم، والغزالي وبعض الشافعية: يمتنع تتبع الرخص في المذاهب، لأنه ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى، قال تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" النساء:59، فلا يصح رد المتنازع فيه إلى أهواء النفوس، وإنما يرد إلى الشريعة. جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: "يمتنع تتبع رخص المذاهب وفسرها بما ينقض به حكم الحاكم من مخالف النص وجلي القياس وقال غيره: إن المراد بتتبع الرخص رفع مشقة التكليف بإتباع كل سهل وفيه أيضاً امتناع التلفيق والذي سمعناه من شيخنا نقلاً عن شيخه الصغير وغيره أن الصحيح جوازه وهو فسحة، وبالجملة ففي التلفيق في العبادة الواحدة من مذهبين طريقتان: المنع وهو طريقة المصاروة والجواز وهو طريقة المغاربة ورجحت". 2- قال القرافي المالكي، وكثير من الشافعية، والراجح عند الحنفية منهم ابن الهمام وصاحب مسلم الثبوت: يجوز تتبع رخص المذاهب، لأنه لم يوجد في الشرع ما يمنع من ذلك، إذ للإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل، بأن لم يكن عمل بآخر، بدليل أن سنة الرسول صلّى الله عليه وسلم الفعلية والقولية تقتضي جوازه، فإنه عليه الصلاة والسلام "ما خير بين أمرين قط إلا اختار أيسرهما مالم يكن مأثماً" وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يحب ما خفف عن أمته". وقال صلّى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحة" وقال أيضاً: "إن هذا الدين يسر، ولن يشادَّ الدين أحد إلا غلبه". وقال القرافي في هذه المسألة: "يجوز تتبع الرخص بشرط ألا يترتب عليه العمل بما هو باطل عند جميع من قلدهم، أي أن شرط جواز تقليد مذهب الغير ألا يؤدي إلى التلفيق أي ألا يكون موقعاً في أمر يجتمع على إبطاله الإمام الذي كان على مذهبه، والإمام الذي انتقل إليه، كما إذا قلد الإمام مالك في عدم نقض الوضوء بلمس المرأة بغير شهوة، وقلد الإمام الشافعي في وجوب ذلك".