أستقبلنا الشيخ في منزله الواقع في أحد الأحياء الشعبية غير بعيد عن السيدة الإفريقية بالجزائر العاصمة. كان الموعد مع الشيخ عند الافطار حيث وجدناه يتوضأ استعدادا للصلاة، فأستقبلنا بقميصه الأبيض وابتسامته العريضة، وراح بعاميته وأحيانا بقبائليته يتكلم معنا عندما كان رفيقي يكلمه بها أحيانا. ما إن شرعنا في الحديث مع الشيخ محمد الشريف قاهر حتى سمعنا آذان الإفطار فتوجهنا للصلاة، ومن ثمة الإجتماع على مائدة الإفطار التي لم تكن تخلو من الأطباق التقليدية وفاكهة الشيخ الخاصة ''البخسيس البارد'' الذي تم إحضاره خصيصا من بجاية، اضافة الى الكسرة التي يحبها الشيخ قاهر كثيرا. وقد ألتف معنا بالمائدة أبناؤه الثلاثة وهم جميعا ذوو تعليم عال حيث يشتغل أكبرهم في الصيدلة، وآخر في مجال الهندسة المعمارية، فيما الآخر اطار في البنك، وعلمنا بعدها أن للشيخ أيضا بنتا حاصلة على دكتوراه في الشريعة الإسلامية وتقيم في دولة الإمارات الشقيقة. فكان افطارا شيقا مع خفة دم الشيخ التي لم تخلو جلسته من حكايات مستمدة من تجربة الحياة فكان موسوعة من الحكم والطرائف، وكان الإلتزام واضحا على أبناء الشيخ الذين رباهم على الاسلام وروحه الوسطية. بعد إنتهاء وجبة الإفطار التي حرص فيها الشيخ علينا أن نأكل من مختلف الأطباق الموجودة، اتجهنا بعدها الى سطح المنزل لتناول القهوة والشاي .وفي مكان هادىء طلبنا من الشيخ أن يسرد لنا بعضا من مسيرته التعليمية قبل الاستقلال وبعده. تحدث الشيخ قاهره على حفظه للقرآن وهو في سنة 31 الى 41 سنة ، ثم إلتحاقه بدروس زاوية سيدي يحي العزي ، وهي الدروس المستوحاة عن النظام الزيتوني، حيث يقول الشيخ أن في قسنطينة فرعين للزيتونة، وفرعا للكتانية، مشيرا الى أن الطلبة الجزائريين هناك من درس في تونس، وهناك من قرأ في الكتانية وهناك من درس في معهد بن باديس . فكان الأساتدة الذين يأتون في 3أشهر الصيفية يقومون بتدريسنا، إضافة الى الشيخ الطاهر علجات الذي كان يدرسنا، حيث درس الشيخ السنة الأولى والثانية في الزاوية، ودخل مباشرة في السنة الثالثة في تونس بعد في السنة الرابعة حصل على الأهلية ثم شهادة تحصيل العلوم بمعنى البكالوريا، ثم شهادة العالمية في الشريعة. ذهب الى الزيتونة عندما كان عمره 81سنة ، وسنة 1591دخل الى سوريا وفي 45 أخذ شهادة الأهلية وفي 75 أخذ التحصيل .وفي 95 أخذ العالمية . ثم بعدها وبقرار من الحكومة المؤقتة - يقول الشيخ- رجعنا الى تونس وأسسنا الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين حيث كنت مسؤولا عن الثقافة في المكتب مع حسين عجيل، وكنا كذلك في خلايا جبهة التحرير الوطني، ولكن عندما جاءنا الشهيد عميروش رحمه الله قام بكراء لنا محل خارج تونس ب5 كيلومتر تابعة للولاية الثالثة، مركز للجيش وطلبة الولاية الثالثة والرابعة، أنشأنا هناك مدرسة سميت مدرسة النصر، لأنه قبل 75 كان الطلبة يقرؤون في المدارس وفي الزوايا، وبعدها لم تبق هناك أي مدرسة أوزاوية. وأولئك الأولاد بعث بهم عميروش الى تونس بعثات كثير منها وصل ومنها لم تصل. وعن توجه عميروش يقول الشيخ قاهر أنهم أخطأوا في توجهه، فعميروش حسبه رجل يحب الاسلام والعربية، فأنا خالطته كثيرا، وكان الشيخ الطاهر آيت علجات مفتي الولاية الثالثة، فعميروش وللتاريخ، جرب كل الذين تخرجوا في الزيتونة أو الأزهر أو في القرويين وبصفة عامة مثقفي العربية، هؤلاء لم يجرب عليهم خيانة واحدة طوال الثورة، بينما من كانوا في المدارس الفرنسية كان فيهم وعليهم، ففيهم الصادقون، وفيهم غير ذلك. مباشرة بعد الاستقلال عينت أستاذا في بوفاريك في 36، ثم أنتقلت الى ثانوية عقبة بن نافع في باب الواد سنة 46، ثم في 96 دخلت الى المعهد التربوي لتأليف الكتب المدرسية، كتب التربية الإسلامية وكتب النحو والأدب، وفي نفس الوقت كنت أحضر للدكتوراه في جامعة الجزائر ، وتحصلت في 27 على دكتوراه في الأدب الأندلسي، ودخلت من ذلك الى الجامعة ودرست فيها الأدب الراشدي والأدب الأموي والأدب العباسي والأدب المغربي والأدب الأندلسي، حيث ترتبط هذه الآداب مع بعضها ولكل ميزاتها، فكلنا نبتدىء من الجاهلي ومن الجاهلي إلى العباسي الى الأدب المغربي الأندلسي. ------------------------------------------------------------------------ الضرر جاءنا من أبنائنا الذين أرادوا أن يكونوا زبيبا قبل العنب ..... ------------------------------------------------------------------------ - كيف ترى وضع الفتوى في الجزائر؟ ❊❊المدرسة الجزائرية انشئت بعد الاستقلال، الروافد جاءتنا من كل جهة، فجاؤونا من الشام، من العراق، من مصر، من المغرب ومن تونس، وطلبتنا الذين كانوا يدرسون أيام الثورة هناك منهم من درس حتى في الصين الشعبية، وهناك من درس في الاتحاد السوفياتي، وهناك من درس في يوغسلافيا، فلما جئنا الى الجزائرأصبح خليط، فالمشارقة فيهم المذهب الحنفي والحنبلي، والشافعي، وقليل منهم المذهب المالكي، فأولئك المشايخ الذين درّسوا أولادنا من 62 الى السبعينيات، ودرسونا أيضا كل واحد منهم يحمل فكرة؛ بمعنى كل واحد يأخذ من شيخه، ونسينا مرجعنا مرجع الجزائر، وهو مرجع المذهب المالكي وعقيدة الأشعري، وطريقة الجنيد السالك، فهذا هو السبب فقط، فلما تدخل الآن الى مسجد هنا، تجد فيه من يصلي على المذهب الحنفي، أو الحنبلي، وأكثرهم حنابلة، أي السلفيين، فكل السلفيين في الحقيقة هم حنابلة، أي من المذهب الحنبلي، فلو كانوا من المذهب الشافعي، فالإمام الشافعي كان تلميذ الإمام مالك، وكان قريبا منا كثيرا، والمذهب الحنفي كذلك هو مذهب عقلي، المذهب الجامد هو ما يسمى بالسلفيين؛ أي الجامدين عن المذهب الحنفي، جامدين عن النصوص الحنفية بلا تأويل ولا اجتهاد. - تقصد من؟ ❊❊ الحنابلة، فالسلفيون الجزائريون أغلبهم حنابلة. - رأينا بعض أفكار التطرف مثل بعض الأئمة الذين لم ينهضوا الى العلَم، فما رأيك في هذا التفكير؟ ❊ هذه جاءت من الخارج. - كيف جاءت من الخارج؟ ❊❊ هذا تفكير سلفي. والسلف حاشاه. - على أي أساس مبني؟ ❊❊ والله مبني على الجهل والبلاهة، فلا يوجد بلد في العالم لا يملك راية؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم له راية، ففي أول غزوة من غزواته كانت له ثلاث رايات، راية بيضاء يحملها ابن عمير، وراياتان أحدهما أخذها سيدنا علي، والأخرى سعد بن معاذ، فالرسول صلى الله عليه وسلم كانت له راية، وكانت تسمى اللواء، فمصعب بن عمير كان يحمل الراية الكبيرة وكان يتقدم الجيش، ثم للجيش له رايتان واحدة على اليمين وأخرى على اليسار، فالواحد يعيش تحت الراية وتحت الرمز. - وما تفسير هؤلاء الأئمة الذين لم يقفوا للعلم؟ ❊❊ تفسيرهم أن هذه عبادة لغير الله، على أساس لا تجسدوا للشمس والقمر واسجدوا لله الذي خلقهم... فيظنون أن هذا سجود، هذا ليس سجودا، هذا رمز من الرموز وليس دينا ولا عبادة، فليس على أساس أن أقوم للعلم أنني أعبده وأتخذه إلاها، فتفسيرهم ضيق جدا. - كنت قريبا من أعضاء جمعية العلماء المسلمين من قبل الاستقلال.. حدثنا عنهم؟ ❊❊ في الحقيقة علماء جمعية العلماء صالحون جميعا، على غرار الشيخ توفيق المدني، والشيخ شيبان وغيرهما، وبصفة عامة كل مشايخ جمعية العلماء المسلمين كانوا على أخلاق عالية، ومتكونين على المذهب المالكي وعقيدة الأشعري، جاءنا الضرر من أولادنا هؤلاء أنصاف الطلبة الذين قرأوا قليلا فقط، أو الذين أرادوا أن يكونوا زبيبا قبل أن يكونوا عنبا، أي هؤلاء الذين يقرأون القليل فقط، فيحسبون أنفسهم مفتيين، فعلومهم لم تكن مبنية على الأساس الصحيح، فالعلم الإسلام، والعلم القرآن يبتدىء بحفظ كتاب الله، فقليل منهم من تجده يحفظ القرآن الكريم، ولذلك يحاربون القرآن لأنهم لم يحفظوه. - تقصد أن الجزائر أصابها الضرر من هذه الفئة، أهذا ما أردت أن تقوله؟ ❊❊ أصابنا الضرر من الموارد التي استقينا منها (هؤلاء المدرسين)، فلو أحضروا لنا المصريين وتوقفوا لخرجنا مصريين فقط، ولو أحضروا لنا السوريين فقط لكنا سوريين فقط، ولكن الآن هناك جماعة درست في دمشق، وجماعة درست في القاهرة، وجماعة في العراق، والتقوا جميعا، وكل طرف يقول أنا على الحق والآخر على الباطل، ومن هنا جاءت مصيبتنا. - ما الذي يحفظه الشيخ من دوواين العرب، ومن ألفية بن مالك؟ ❊❊ في زماننا لا يسمى الطالب طالبا، ولا الشيخ شيخا ما لم يحفظ القرآن الكريم، ويقرأ كتب الفقه وكتب التوحيد وكتب الأدب، وما نقرأه في نظام الزيتونة، نقرأ ألفية بن مالك كاملة في السنة الثانية، ثم هناك كتب أخرى يجب دراستها، فبعد حفظ القرآن الكريم، يبدأ بحفظ المتون كلها، اللغوية والأدبية... لذلك فتركتنا موروثة ونحفظها حفظا، فمثلا العاصمية فيها 1800 بيت في المعاملات؛ أي العاصمية في المذهب المالكي، ولنا ألفية بن معطوس زواوي، فائقة ألفية بن معطي وألفية بن مالك وهي المعروفة بقطر الندى، ورسالة أبي زيد القيرواني، وأقرب المسالك، وخليل وشرح خليل، وفي النحو كتب كثيرة، وفي الفقه والبلاغة والفرائض، كنت أحفظ كتبا كثيرة، وأحفظ جميع متن الفرائض، والثمن للزوج أوالزوجة مع البنين أومع البنات ...فأحفظ فكل حافظ إمام ...وابن عشير يقول وهذا أول شيىء يحفظه ابن عشير يقول عبد الواحد ابن عاشر بسم الله القادر، الحمد لله الذي علمنا، من علومه الذي كلفنا، العون من الله المجيد..في عقد الإشعري، وفتح مالك، وفي طريقة الجنيب سالك ..وبالنسبة للعاصمية ممثل للشرع للأحكام له نيابة عن الإمام، واستحسن في حقه الجزال وشخصه التكليف والعدالة، وأن يكون ذكرا حرا سليما من فقد رؤيته... - آخر كلمة.. ماذا تقول للجزائريين في شهر رمضان ؟ ❊❊ الجزائر أم ولود، ولها علماء ولها مفكرون، ولها مبدعون في كل المجالات، جاء شقيق عارض رمحه، إن بني عمك فيهم رماح، نحن عندنا رجال في كل الجهات، ومثلما يقول الأمير عبد القادر لنا في كل مكرمة مجال، فوق السماء لنا رجال؛ بمعنى نحن لنا رجال، ويجب أن نفتخر بتاريخنا وبعلمائنا وببلدنا وبعظماء بلدنا، فالآن لنا عظماء يفتخر بهم العالم بأسره في كل التخصصات في القديم وفي الحديث، ولذلك ينبغي أن تكون لنا ثقة في أنفسنا وأن نحترم شيوخنا وعلماءنا وأن نعطيهم ما يستحقون وهذه هي الحقيقة، فنحن لنا مركب نقص وفق المثل القائل بغضه الأهل وحبه الغرباء، فنتمنى من أولادنا أن يحبوا بلدهم، وتاريخهم، وعظماءهم في كل المجالات، فعندما تذهب الى دولة في الخارج ترى أن علماءنا يعترفون بهم في كل مكان أما هنا في الجزائر فلا أحد يسمع بهم.