خَلص تقرير حقوقي أعدته مؤسسة أهلية فلسطينية بالتعاون مع نظيرة لها في النمسا، إلى أن الخطر يتهدد مستقبل الحياة الإنسانية في قطاع غزة، وينذر بوقوع جملة من الكوارث الإنسانية في الصحة والإنتاج والحياة المعيشية وغيرها من القطاعات الحيوية الأخرى. ويرصد التقرير -المعد من قبل مركز حماية حقوق الإنسان بالتعاون مع مؤسسة أصدقاء الإنسان الدولية النمساوية- كافة تداعيات الحصار الإسرائيلي على وجه الحياة في غزة خلال عام 2013، مدعمة بحقائق وأرقام تفصيلية مستندة إلى بيانات رسمية وتقديرات باحثين ميدانيين. ويستشف من التقرير المعنون ب(ثمن الحصار) أن الجهود الدولية لإنعاش المحاصرين في القطاع تستنزفها سياسات الاحتلال الإسرائيلي وهجماته، وهو ما تسبب في الحد من قدرتها على التخفيف من وطأة الحصار على المدنيين. واستنادا إلى التقرير، فإن الأوضاع الاقتصادية في القطاع تدهورت بشكل كبير جدا، وتسببت في زيادة مستوى الفقر في صفوف السكان إلى 39 بالمائة، يقبع أكثر من ثلثيهم تحت خط الفقر المدقع. كما أن معدلات البطالة وصلت إلى أكثر من 40 بالمائة في صفوف سكان غزة، نتيجة إغلاق الكثير من المصانع والقطاعات الإنتاجية أبوابها بسبب المشكلات المتعددة الناجمة عن عدم توفر الطاقة ومنع دخول المواد الخام اللازمة لتشغيل المنشآت الصناعية. ويتطرق التقرير بالتفصيل إلى الخسائر الاقتصادية التي تكبدها القطاع خلال العام الماضي نتيجة إغلاق الأنفاق ووقف إمدادات الوقود ومواد البناء، وما نجم عن ذلك من توقف قطاع البناء والإنشاءات وتضرر قطاع الصيد والزراعة، وتعطل قطاع الخدمات وتجميد مشاريع تحسين الوضع الصحي والتعليمي، والحد من مخاطر تردي الوضع المائي والصرف الصحي. ويقدر القائمون على التقرير -الذي أعلن عن جانب من تفاصيله في مؤتمر صحفي بمدينة غزة على مقربة من إحدى المدارس التي لم يكتمل بناؤها بعد- حجم الخسائر الاقتصادية في القطاع منذ أحداث الثالث من جويلية الماضي في مصر بنحو نصف مليون دولار. وحذر رئيس مركز حماية لحقوق الإنسان الدكتور محمد النحال من تعرض قطاع غزة لظروف أكثر مأساوية في حال عدم مضاعفة المؤسسات الدولية -وبالتعاون مع المؤسسات الرسمية والأهلية- جهودها لإنعاش القطاع خلال الأشهر القادمة. وأضاف أن غزة بحاجة عاجلة إلى فتح معابر قطاع غزة الإسرائيلية ومعبر رفح مع مصر، وتدخل الجامعة العربية لتطبيق قرارها الداعي إلى رفع الحصار عن غزة بما يسمح بدخول كافة مستلزمات الحياة. جريمة وانفجار من جانبه، عقب المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية المقالة إيهاب الغصين على التقرير بقوله إن سكان قطاع غزة يتعرضون لجريمة حقيقية تنتهك كافة حقوقهم في ظل صمت العالم والأمم المتحدة وجامعة الدولية العربية وكل المؤسسات المعنية. وأضاف (أنه إذا ما استمر الحصار بهذه الطريقة، فإن الشعب الفلسطيني سيكون له خياراته المختلفة)، مذكرا بما تسبب به الحصار من "انفجار" عندما اقتحم أبناء قطاع غزة عام 2008 الحدود المصرية. وأوضح الغصين أن الوضع في قطاع غزة أصعب مما ترصده المؤسسات الحقوقية التي تركز جهودها على رصد الجوانب الإغاثية، مشيرا إلى أنه في حال رفع الحصار عن غزة فإنها ستحتاج إلى بضع سنوات لإعادة ترميم البنى التحتية والمفاصل الاقتصادية وتنشيط القطاعات الإنتاجية المتوقفة. من جانبه، قال المحلل الاقتصادي محسن أبو رمضان إن انعكاسات الحصار فرضت نفسها على مجمل الحياة في قطاع غزة، وقادت إلى تزايد اعتماد السكان على المساعدات الإنسانية والإغاثية، وبروز ظاهرة ثبات الأجور وارتفاع الأسعار، بالتزامن مع إعلان وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين (أونروا) حجم مساعداتها للسكان. وأضاف أبو رمضان أن من بين الأسباب التي قادت إلى مفاقمة الأوضاع في الشهور الأخيرة بصورة أكبر مما تعكسه الأرقام، صعوبة الأوضاع المالية للحكومة التي تترأسها حركة حماس، وانخفاض مستوى المساعدات الإغاثية المقدمة من المؤسسات الدولية والأهلية إلى نحو 40 بالمائة. وذكر المحلل الاقتصادي في حديثه للجزيرة نت أن رفع الحصار لا يكفي لعودة الحياة في القطاع إلى طبيعتها ما لم يكن ذلك مقرونا بمشاريع إستراتيجية تسهم في عملية التنمية والتطوير.