بقلم: محمد أبو زيد فور أن تكتب عبارة (تحداني يهودي" في محرك البحث غوغل، ستظهر لك مئات الصفحات تحمل هذا الاسم، وكلها تبدأ هكذا: "تحداني يهودي حقير أن أجمع مليون محب للرسول)، و(تحداني يهودي حقير أن أنشر هذا الفيديو ليكون صدقة جارية)، و(تحداني يهودي أن أجمع مليون 100 كومنت)، و(تحداني يهودي أن أظل على قيد الحياة في مصر)، و(تحداني يهودي حقير أن أجمع مليار لايك لهذه الصورة)، مع أن عدد مشتركي فيس بوك أقل من هذا، و(تحداني يهودي حقير أن أجمع ألف شير لاسم الله عز وجل)، و(تحداني يهودي إذا جمعت مليون لايك سيعلن إسلامه) و(تحداني يهودي أن الزمالك سيفوز على الأهلي)، و(تحداني يهودي أن أدعو 1000 بوركيني فاساوي على الغداء). في الحقيقة لست مشغولاً بذلك اليهودي، الذي ترك كل شيء في حياته، وتفرغ فقط لعملية التحدي التي لا أعرف الطائل منها، لكني مشغول بذلك (المطبع) الذي لا يتوقف عن عمليات التحدي التي يخسرها كلها، وخاصة فيما يتعلق بالزمالك. مثل هذه الصفحات التي انتشرت كثيراً على فيس بوك، لا تفعل شيئاً سوى إثارة المشاعر الدينية، لحصد الإعجابات والمشاركات والتعليقات، والإعلانات فيما بعد، ولا تفعل شيئاً آخر، ولا يمكن اعتبارها إلا محاولة للابتزاز. لكن محاولات الابتزاز تلك، لا تتوقف فقط عند ذلك اليهودي العجيب، الذي لا يعرف أحد من هو، ولكنها تنتشر وتتمدد في صور دينية تصل عبر البريد وواتس أب وفيس بوك وتويتر، تكاد أن تقبل قدمك كي تكتب تعليقاً، مثل (ارسل هذا البريد، وإلا ستدخل النار)، أو (سوف نرى هل أنت أقوى أم الشيطان، لا تدعها تقف عندك)، و(حياة حبيبك النبي ارسلها لكل من عندك)، و(أسألك بالله، جعلتها أمانة في رقبتك، إذا لم ترسلها سيسخطك الله قرداً)، و(إذا لم تنشرها ستصاب بالبلهارسيا)، وبعضها يتحداك قائلاً: (هل تخاف من وضع صورة أسد الإسلام أسامة بن لادن على بروفايلك؟).. في الحقيقة.. نعم أخاف. لا أعترض على المحتوى الديني المرفق عادة مع مثل هذه الرسائل، ولكن اعتراضي على حالة الترهيب والوعيد، وكأن شخصاً سادياً يسعد بإرسال العشرات إلى النار، مع أن الغرض من محتوى هذه الرسائل من الأدعية هو قراءتها وليس التهديد بها. ولا تختلف هذه الرسالة في شيء عن رسائل التصيد الإلكتروني، والتي انتشرت مؤخراً على فيس بوك: فتيات سمراوات يرسلن رسائل بالإنجليزية مصحوبة بترجمة عربية ركيكة إلى آلاف إيميلات فيس بوك، مثل رسالة تقول: (أنا إيمانويلا.. للاتصال بك سعيد جداً، ..، أنا الحب يريد)، والتي لا تملك إلا أن ترد عليها قائلاً: (السيدة إيمانويلا. أنا الحب لا يريد). يذكرني هذا أيضاً بطلب صداقة على فيس بوك جاءني ذات مرة من يابانية، كل ما على صفحتها مكتوب باليابانية، طبعاً، لا أعرف لماذا أضافتني، ولا كيف عثرت علي، رغم أنني لا أعرف عن اليابان إلا أنهم يأكلون الأرز بالأعواد الخشبية، ولا أعتقد أنها ظنتني توم كروز فهناك فروق واضحة في تسريحة الشعر، إلا إذا كانت ربطت بين ملامحي وبين جون مالكوفيتش. الحديث عن رسائل التصيد والابتزاز لا ينتهي، ولعل أقدمها قرأته قبل ربع قرن قبل فوضى الإنترنت، عندما فاجأنا زميل في المرحلة الابتدائية بتوزيع ورقة عن شيخ حلم بإمام المسجد النبوي وطلب منه أن ينسخ هذه الرسالة 10 مرات، ومن لم يفعل سيسخطه الله كنغرو، ولم أكن أعرف وقتها ما هو الكنغرو فلم أهتم. لكن أشهر لك الرسائل، تلك الرسالة التي تصل عبر البريد الإلكتروني من أرملة مات زوجها لا بد أن يموت وينتحر بسبب رسائلها تعيش في جزيرة لم أسمع بها من قبل، ولن أسمع، وترك لها كنزاً، وتريد أن تأتمنني عليه، ولا أعرف أيضاً لماذا اختارتني أنا أيضاً من بين سكان المجموعة الشمسية، وطبعاً لا يمكن هنا أن ننسى الرسائل التي تصل عبر الهواتف المحمولة من شركات تخبرك أنك فزت في مسابقة، لم تشترك فيها أصلاً. وأذكر هنا قصة قرأتها قبل سنوات طويلة، عن أحد النصابين المفلسين في الولاياتالمتحدة، نشر إعلاناً في إحدى الصحف يقول: (ارسل عشرة دولارات إلى هذا العنوان لتفوز في المسابقة الكبرى)، وبالفعل أرسل الآلاف العشرة دولارات، وأصبح النصاب مليونيراً، ولم يعرف أو يسأل أحد أبداً ما هي تلك (المسابقة الكبرى). أشكال (الابتزاز العاطفي) (وتسول القراءة) والتصيد الاحتيالي، تتعدد وتتطور مع الزمن، من (المسابقة الكبرى) إلى (الكنغرو) إلى اليهودي الحقير الذي أتحدى أي شخص أن يعرف من هو، إلى (استحلفتك بالله) إلى (الأرملة المجنونة)، إلى الصفحات الإعلانية بحثاً عن مزيد من (اللايك) و(الشير) و(الكومنت)، وليس شيئاً آخر، بل وتوجيه الرأي العام أحياناً. أذكر أنه في بداية العام 2012، وفور إعلان جماعة الإخوان المسلمين ترشيح خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية، وصلتني على فيس بوك دعوتان لصفحتين جديدتين، إحداهما اسمها (سأنتخب خيرت الشاطر، انشرها لكي تكون صفحته الرسمية)، والأخرى اسمها (لن أنتخب خيرت الشاطر، انشرها كي تكون أكبر من صفحته الرسمية)، الغريب أن الذي أرسل لي الصفحتين نفس الشخص، والأغرب أنني اشتركت في الصفحتين، لكن الأغرب من هذا وذاك، هو ما حدث بعد تنحية الإخوان في 30 يونيو الماضي، إذ من متابعتي للصفحتين اكتشفت أنهما تدعمان الإخوان، وتنشران نفس المواد. ما الذي يعنيه هذا، يعني أن ضغطة الإعجاب التي تقوم بها ليست إلا تجارة، يستخدمها ملوك العالم الجديد على الإنترنت للترويج لأنفسهم، ولأفكارهم، مرة بخداعك باسم مخالف تماماً لما تريد، ومرة باستعطافك، ومرة بتهديدك، ومرة باستمالة عاطفتك الدينية، وهذا يكشفه تحول عدد كبير من (صفحات الاستعطاف) بعد أن تجمع آلاف المعجبين، إلى صفحات سياسية في أحيان كثيرة، وناشرة لإعلانات تجارية في أحيان أخرى. لا أستبعد أن يدفع أحدهم باب غرفة نومي، ويوقظني من النوم ليقول لي: (تحداني يهودي حقير أن أوقظك من النوم، وإذا لم تبتعد عني فاعلم أن ذنوبك هي التي منعتك)، وعندها سأرد عليه قائلاً: (وأنا تحداني يهودي أحقر من اليهودي الذي تحداك أن أستمع لهذا الترهات، يرضيك إن اليهودي يكسب يا عم؟)..