مجلس الأمن يقر بمبدأ المساواة في الإطلاع على وثائقه    محطات سياسية وقرارات هامة عززت بناء الصرح الديمقراطي    المشاركون يشيدون بالتجربة الجزائرية في مجال السكن المدعم    افتتاح اليوم الطبعة 32 لمعرض الإنتاج الجزائري    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدين اللاإنسانية لنظام المخزن    إقلاع أول طائرة من مطار دمشق إلى حلب    توقيف 22 مناصرا خلال مباراة المولودية وبلوزداد    التجارة الإلكترونية تنتعش في عصر السرعة    مصلحة جديدة لجراحة الأورام    تقطير الزهور.. حرفة تقليدية تواكب احتياجات الأسر والمصنّعين    الوطنية والأدب المفرنس..!؟    اليوم العالمي للغة العربية: ندوة فكرية بالجزائر العاصمة حول "اللغة العربية والتواصل الحضاري"    التزام بتوطيد التعاون والشراكة في مختلف المجالات    آن الأوان لعملية سياسية بسوريا تحت مظلة أممية    سحب شهادة إثبات الاحترام من المستوردين المخلّين بالتزاماتهم    أهداف التنمية المستدامة في مجال السكن: الجزائر أحرزت مؤشرات ايجابية    التذكير بمبادرة الرئيس تبون لحلحلة الوضع في أوكرانيا    "موبيليس" راعي رسمي ومشارك بفضاءين    "دمقرطة المغرب" مرتبطة بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية    الكيان الصهيوني يرفض إيصال المساعدات إلى شمال غزة    غويري يتلقى أنباء سارة    الاتحادية تعقد جمعيتها العادية هذا السبت بالشلف    رئيس المحكمة الدستورية يستقبل نظيره الموريتاتي    12 سؤالا ل5 وزراء    معاملة المهاجرين بالمغرب: انتقادات شديدة للسياسة القمعية واللاإنسانية للمخزن    مشاريع للتحسين الحضري وترقية الواقع المعيشي للسكان    برمجة مشاريع تنموية هامة قريبا    أعطاب شبكة التوزيع تحرم السكان من الماء    تأجيل رحلة الجزائر- مرسيليا بسبب سوء الأحوال الجوية    نيوكاسل يرغب في حسم صفقة مازة سريعاً    يومان دراسيان بالجزائر العاصمة حول دور المتحف في الإنتاج السينمائي    استكشاف النقد السوسيولوجي لدى واسيني الأعرج    هذا ما قدمه النجم الجزائري في موسم 2024-2025..ارتفاع جنوني في القيمة السوقية لأنيس حاج موسى    لهذا السبب تأخر التحاق عوشيش بالمنتخب الوطني    إثر استهداف إسرائيلي..اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان    المهرجان المحلي لقصر المنيعة القديم    رولا جرادات وحلم قسنطينة    إنها سورة المائدة    فتاوى : لا يسقط السجود على الوجه إلا بالعجز عنه    استئناف أشغال مؤتمر الإسكان العربي الثامن بالجزائر العاصمة    عطاف يستقبل سفير اليونان لدى الجزائر    إعداد ورقة طريق للتعاون والشراكة بين قطاعي الإنتاج الصيدلاني والتعليم العالي والبحث العلمي    فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله    عطّاف: العالم يعيش حالة عدم يقين    اللغة هي التاريخ وهي الجغرافية..    68 عاماً على تأسيس الإذاعة السرية    رونالدو الظاهرة ينوي خوض تحد جديد    لوكمان أفضل لاعب إفريقي    وضع حجر الأساس لإنجاز عدة مشاريع تنموية    اتّخاذ عدّة تدابير بشأن تسيير ورشات البناء بعنابة    منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتصويت الجمعية العامة لصالح مشروع قرار يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره    نقل بحري:تأجيل رحلة الجزائر-مرسيليا من الخميس إلى الجمعة بسبب سوء الأحوال الجوية    حرمان النساء من الميراث حتى "لا يذهب المال إلى الغريب" !    اتفاقية تعاون بين كلية الصيدلة ونقابة المخابر    خطيب المسجد الحرام: احذروا الاغترار بكرم الله وإمهاله    90 بالمائة من أطفال الجزائر مُلقّحون    الجوية الجزائرية تعلن عن تخفيضات    التوقيع على اتفاقيات مع مؤسّسات للتعليم العالي والبحث العلمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزة.. تختنق
نشر في أخبار اليوم يوم 11 - 05 - 2014

فازت حركة المقاومة الإسلامية حماس وأصبحت شريكة فتح في الحكم، فبدأ الحصار السياسي والمالي. خُطف جلعاد شاليط فأغلقت المعابر على غزة، وأُعلنت عليها الحرب. لم ينقص المدينة سوى أن يقتتل شركاء الوطن حتى تغيب الجهات المعترف بها دولياً لإدارة حياة الناس، وتكون المعابر بين القطاع والعالم في خبر كان، ثم لحقتها الأنفاق إلى المصير نفسه..
وقف المواطن الفلسطيني خالد الشيخ تحت شمس حارقة أمام محطة الخزندار للبترول غرب مدينة غزة، وهو يأمل تعبئة أسطوانة الغاز الفارغة خاصته. بعد انتظار أكثر من ساعتين، جاءه النبأ بأن الكمية نفدت، وأن عليه تدبر أموره أسبوعاً كاملاً حتى يفتح المعبر التجاري مع إسرائيل أبوابه.
أخذ المواطن الذي قال إنه ليس بمقدور امرأته إعداد وجبة الطعام يضرب كفاً بكف، ويلعن الاحتلال والمعابر التي يقول إنها توصد لإحكام الحصار على غزة، متسائلاً عن دور الحكومة التي تديرها حركة حماس تجاه الأزمة.
ويضطر المواطنون تحت وطأة افتقاد الاحتياجات الأساسية، ولا سيما خلال إغلاق المعبر بسبب الأعياد الإسرائيلية إلى البحث عن بدائل للغاز والوقود كالحطب وأفران الطين، فضلاً عن لجوء تجار الخرسانة إلى طحن الركام استعاضةً عن مشتقات مواد البناء والإسمنت التي يحظر إدخالها.
تحكم في الحياة
كرم أبو سالم، أو ما يصطلح عليه إسرائيلياً ب"كيرم شالوم"، هو المنفذ التجاري الوحيد الذي يربط القطاع بالعالم عبر إسرائيل. أصبح هذا المعبر الصنبور المتحكم في حياة المواطنين المحاصرين بعد هدم الجيش المصري الأنفاق الأرضية الواقعة أسفل الحدود الفلسطينية - المصرية عقب "30 جوان".
في غمرة تدفق البضائع عبر الأنفاق ما بين عامي 2009-2013، تجاهل القطاعان الحكومي والخاص في غزة المعابر مع إسرائيل. هذا أعفى الاحتلال بطريقة أو أخرى من تحمل مسؤولياته تجاه القطاع وفق اتفاقات السلطة وتل أبيب السابقة.
لم تزد الأنفاق التي مات من أجل حفرها 270 شخصاً أهل غزة إلا حسرةً بعدما هدمها الجيش المصري قبل أشهر في أعقاب عزل محمد مرسي، ما دفع أصحاب القرار والمال (حماس ورجال الأعمال) إلى إعادة فتح ملف المعابر التجارية مع إسرائيل التي لم يبق منها إلا "أبو سالم" الذي رصدت دراسة اقتصادية فتح أبوابه بمعدل 60 بالمائة من أيام السنة فقط.
وللمقارنة بين المعابر فوق الأرض وتحتها، فقد كانت تصل تكلفة نقل الطن الواحد من السلع عبر أنفاق التهريب في بدايات عملها نحو 7 آلاف دولار، فيما كانت قيمة نقل الطن (بعد تسهيل إسرائيل الحركة التجارية في أعقاب أحداث سفينة مرمرة 2010م) نحو 20 دولاراً، وفق تجار.
وبينما لم يتسنّ الوصول إلى وزير الاقتصاد في حكومة غزة أو المتحدث باسم الوزارة، دافع القطاع الخاص بشدة عن موقفه المتعلق برفض الأنفاق بديلاً من المعابر آنذاك.
ويقول عضو الغرفة التجارية في غزة ماهر الطباع، إن كبار التجار ورجال أعمال رفضوا تشريع عمل الأنفاق، لكنه لم ينف أنها شكلت بديلاً حقيقياً للمعابر التجارية المغلقة. وأضاف: "الأنفاق أضرت الاقتصادين الفلسطيني والمصري، وكانت تعرض المستهلك للخطر نتيجة افتقاد الرقابة، وخصوصاً في ما يتعلق بتواريخ صلاحيتها".
ويشرح الطباع أن القطاع الخاص "لم يشر في أي لحظة إلى إعفاء إسرائيل من مسؤولياتها تجاه غزة، ولم ندخر جهداً لمطالبة المجتمع الدولي بالضغط عليها حتى تنهي الحصار".
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه يحيط بقطاع غزة ستة معابر، خمسة منها تخضع للسيطرة الإسرائيلية يعمل منها حالياً "كرم أبو سالم" للبضائع، وإيرز للأفراد (شمالاً). ويبقى معبر رفح خاضعاً لإدارة السلطات المصرية ويستخدم لنقل الأفراد أساساً، وأحياناً لبعض المواد الطارئة.
خيار طارئ
رئيس جمعية رجال الأعمال في غزة علي الحايك ساند سابقه في القول إنهم لم يجدوا في الأنفاق إلا أنها "خيار طارئ"، علماً أن إسرائيل استغلت حادثة اختطاف جلعاد شاليط وسيطرة حماس على غزة للتهرب من مواصلة تطبيق أي اتفاق سابق مع السلطة بشأن النقاط الحدودية.
وقال الحايك: (رغم الواقع الصعب والمستمر نأمل أن تحرز جهود المصالحة حلاً لأزمة المعابر، إضافة إلى فك الحصار).
ورغم أمل المواطنين في إتمام المصالحة، لكن الاتفاق الفلسطيني الداخلي لا يعني بأي حال فك الحصار مباشرة، فقضية المعابر مرتبطة بسياسة إسرائيلية مورست خلال سنوات الانتفاضة وقبل الانقسام، وتقوم على تحكّم الاحتلال في احتياجات الغزيين في ما يشبه "سياسة القطارة". ليس ذلك فحسب، بل فاجأت وثيقة رسمية إسرائيلية مؤسسات حقوق الإنسان عام 2012، حينما كشفت عن إجراءات لتحديد السعرات الحرارية في السلع الغذائية المسموح بإدخالها إلى غزة، وذلك على أن تكون هذه السعرات قليلة إلى الحد الذي لا يسمح بتمتع الفلسطينيين في غزة بشروط صحية كافية، لكن بما يكفيهم ليبقوا على قيد الحياة.
هذه الإجراءات الإسرائيلية تخالف قواعد القانون الدولي، كما يقول مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة عصام يونس الذي وصف التحكم في الاحتياجات الإنسانية للمواطنين ب(العنصرية). ويشير يونس إلى أن إسرائيل ملزمة قانونياً بتوفير الاحتياجات للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة.
مغلقة بأمر الاحتلال
الحكومة المحاصرة في غزة التي ترأسها حماس لم تعط قضية المعابر الاهتمام الكافي في خضمّ ترخيصها الأنفاق وتحصيلها جمارك عالية منها، فهي مثلاً كانت تأخذ على السيارة التي تكلف 20 ألف دولار جمركاً بالمبلغ نفسه، ما يرفع سعرها إلى 40 ألفاً، ثم تصل إلى المستهلك ب50 ألفاً أو أقل، وكذلك على الوقود وبضائع أخرى. كل هذا الإيراد العالي توقف لتجد حماس نفسها أمام مأزق لم تستطع الخلاص منه، فقدمت قبل نحو شهرين مبادرة لحل الأزمة وفق مبدأ تخصيص المعابر التجارية.
وكان وكيل وزارة الاقتصاد في غزة حاتم عويضة، قد قال إن مبادرة حكومته هدفها إعطاء القطاع الخاص دوره لتوالي هذه المهمة (إدارة المعابر) "بصفته محركاً أساسياً في عجلة الاقتصاد ولديه إمكانات تخوله التعاطي مع الملف". وذكر في تصريح صحافي في مارس الماضي أن حكومته "لم ترد يوماً التحكم بالمعابر لذلك غلبت المصلحة العامة".
في المقابل، ينظر القطاع الخاص إلى أن مبادرة من هذا النوع لا تحمل جديداً، وخصوصاً أنها فكرة سبق طرحها قبل فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، لكنها اصطدمت بالعراقيل الإسرائيلية.
هنا، يتقاطع قول الطباع مع الحايك في أن مبدأ خصخصة المعابر حل لا يمكن الاحتلال قبوله على مبدأ اليوم (حكومة في الضفة وأخرى في غزة)، أو الغد (حكومة واحدة تشارك فيها حماس).
وبينما يبدي الحايك أمله في ضلوع حكومة التوافق الوطني المزمع تشكيلها بإيجاد حل ينهي أزمة المعابر، يرى الطباع أن مبدأ الخصخصة المعتمد لدى عدد من الدول لا يمكن تطبيقه في غزة بسبب ما سمّاه "خصوصية المعابر". ويقول الأخير: "تُعطَى جهة الإشراف للقطاع الخاص حينما يكون هناك إدارة فلسطينية فعلية على المعابر.. المعبر التجاري الوحيد الذي كان يمكن خصخصته بموجب طرح قدمه البنك الدولي قبل نحو عشر سنوات هو المنطار (كارني) المغلق حالياً".
وبمقتضى دراسة أجراها معهد فلسطين للدراسات الاستراتيجية على مقترح الخصخصة الحكومي أخيراً، برز السيناريو الآتي: "الاحتلال سيرفض هذا المقترح وأي حل مشابه لأسباب عديدة، أهمها أن هناك تعاوناً عسكرياً وسياسياً بينه وبين المصريين يقضي بتشديد الحصار على غزة".
طحن الهواء
بدوره، يرى رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية المحلية محمد أبو جياب أن الخصخصة ستكون ك(قرابين لن تقبل)، وأن على الفلسطينيين التوقف عن طحن الهواء بعيداً عن الوقائع السياسية والقانونية التي تحكم علاقات قطاع غزة بجواره، أكان الاحتلال أم الجانب المصري.
وكتب أبو جياب في عموده الأسبوعي: "لا يمكن أن تقتنع إسرائيل بأن حماس أنهت علاقاتها بغزة وأن من يحكمها هو القطاع الخاص، كذلك لا يمكن أن نقنع الجانب المصري بأن حماس وحكومتها ابتلعهما البحر، فمشكلة العالم ليست فيمن يدير المعابر، بل من يحكم أو يشارك في الحكم".
الطباع عاد ليقول إن إبقاء الاحتلال على "كرم أبو سالم" من بين المعابر الأخرى الواصلة بغزة جاء لدواعٍ أمنية، "فإسرائيل حرصت على حصر الحمل الأمني في مكان يناسبها بعدما كانت تلك المعابر في أوقات سابقة نقاطاً لاستهداف العدو من المقاومة الفلسطينية".
ويستطرد أكثر: (بدت واضحة الرغبة الإسرائيلية في تخفيف التكلفة الأمنية، فجرى اللجوء إلى سياسة المعبر الأوحد كان هو (كرم أبو سالم)، ثم استخدم تقنين البضائع الواردة إلى القطاع ضمن سياسة العصا والجزرة).
وكانت إسرائيل قد سمحت قبل أشهر بإدخال مواد بناء عبر المعبر نفسه لمدة قصيرة، لكنها توقفت عن ذلك بعدما أعلنت كشفها نفقاً اسمه العين الثالثة تبنته كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، تحت ذريعة أن هذه المواد تستخدم في بناء أنفاق تستهدفها.
وطبقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن إغلاق المعابر على هذا النحو أدى إلى بلوغ معدل البطالة في غزة 38.5 بالمائة مع نهاية العام الماضي 2013، في حين أن هناك ما لا يقل عن 140 ألفاً من عمال غزة انضموا إلى طوابير المتعطلين.
ضمن هذه التفاصيل، يجمع المتخصصون ورجال الأعمال على ضرورة وجود دور قوي للحكومة المقبلة التي من المتوقع تشكيلها خلال أقل من ثلاثة أسابيع بموجب اتفاق المصالحة الذي وقعته حماس وفتح الشهر الماضي، ولا سيما في ما يخص إعادة إحياء الاقتصاد الفلسطيني والوصول إلى حلول عربية أو دولية لفتح المعابر، وليس أقل ذلك توسيع "كرم أبو سالم" وزيادة عدد ساعات عمله، ما يمكن أن يمنح غزة جرعة من الهواء تنقذها من نتائج سنوات من الحصار والبطالة والفقر.
المعابر المغلقة
تحت دواع أمنية، اتجهت إسرائيل بعد الانسحاب من قطاع غزة عام 2005 نحو الإبقاء على معبرين هما كرم أبو سالم (الموضوع) وإيرز شمال القطاع لعبور الأفراد، وذلك من أصل خمسة كانت تتعدد استخداماتها التجارية بموجب اتفاقية أوسلو 1993 التي أسست لإقامة سلطة فلسطينية، والمعابر المغلقة هي:
- المنطار (كارني): معبر تجاري يقع إلى الشرق من مدينة غزة على خط التماس الفاصل بين القطاع وإسرائيل، وخُصص للحركة التجارية من القطاع وإليه، وكذلك لتصدير الخضراوات إلى الضفة الغربية.
- صوفا: يقع في الجنوب الشرقي من مدينة خان يونس، وهو معبر يصل القطاع وإسرائيل، وكان يستخدم لدخول العمال ومواد البناء إلى غزة.
- ناحل عوز: معبر مهجور ومغلق، وجرى تحويله إلى موقع عسكري، وكان مخصصاً لدخول العمال والبضائع، وشهد عدة استهدافات من المقاومة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.