بقلم عطاء الله مهاجراني يبدو أنه قد فات أوان الحديث عن السبب وراء نجاح (داعش) في غزو الموصل وتكريت في غضون بضع ساعات. وبدلا من ذلك، يجب علينا معرفة كيفية التخلص من (داعش) في العراق، وسوريا، وفي منطقتنا بشكل عام. هذا سؤال حاسم يحتاج إلى إجابة على وجه السرعة. اجتاحت مجموعة من المتمردين المنشقين عن تنظيم القاعدة مدينة تكريت العراقية يوم الأربعاء 11 جوان، وحاصرت أكبر مصفاة لتكرير النفط في البلاد، محققة مزيدا من المكاسب العسكرية في وقت قصير ضد حكومة بغداد. ويأتي تهديد مصفاة بيجي بعد استيلاء مسلحين من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على مدينة الموصل (شمال العراق)، رافعين سقف أهدافهم إلى إقامة دولة الخلافة على جانبي الحدود بين العراق وسوريا. ومن الواضح، بما يتفق مع طبيعتنا الشرقية القديمة، أن كل شخص أو حزب أو جماعة يقدم مبرره لإلقاء اللوم على الآخرين بشأن تلك الأزمة الحادة. ولدينا تاريخ طويل من إلقاء اللوم بعضنا على بعض، في محاولة لتبرير أننا على الطريق الصحيح. وإلقاء عبء أي فشل على أكتاف الآخرين. عندما فشل البرلمان العراقي في عقد اجتماع طارئ لمناقشة سبل الخروج من الأزمة، خطر ببالي عدة أسئلة منها مثلا: كيف يمكنهم أن يديروا العراق في هذه الأيام العصيبة؟ ولماذا لا يفكرون في بلادهم؟ تذكرت البيت الأخير من تحفة الجواهري (يا دجلة الخير): يا دجلة الخير خلِّيني وما قَسَمتْ لي المقاديرُ من لدغ الثعابين قيل إن الجواهري، في خطاباته، لم ينطق كلمة العِراق (بكسر العين) على الإطلاق، ولكنه كان ينطقها دائما عُراق (بضم العين). وعندما سئل عن السبب وراء نطقه الغريب لكلمة العراق، قال يعز علي كسر عين العراق! وقد رحل الجواهري دون أن يشهد انكسار العراق على مختلف المستويات: سياسيا واجتماعيا وجغرافيا. وربما يفسر إلقاء الضوء على البرلمان العراقي فشل مجلس النواب في عقد اجتماع طارئ لمناقشة تداعيات استيلاء مسلحي (داعش) على محافظة نينوى وصلاح الدين، لعدم اكتمال النصاب القانوني لعقد الاجتماع. دعا الرئيس ورئيس الوزراء مجلس النواب لعقد جلسة طارئة يوم الخميس 12 جوان لمناقشة تداعيات سقوط نينوي، بعد تقديم كل من رئيس الوزراء نوري المالكي والرئاسة طلبا مشتركا لمجلس النواب من أجل إعلان حالة الطوارئ في البلاد، ودعت رئاسة مجلس النواب المالكي لحضور الاجتماع الطارئ. وهذا يعني أنه عندما تصبح السياسة في كل الأذهان مثل صورة كاريكاتيرية، بالتالي لن يكون هناك مجال لوضع شعب العراق في الاعتبار، ولا اعتبار العراق بلدا. فكما ورد في القرآن الكريم: (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ). هل يعني هذا أن كافة الأطراف واللاعبين في الشأن العراقي لا يشعرون بحجم الأزمة أو لا يدركون الكارثة التي تهدد الشعب والبلد؟ ويعني ذلك أيضا أن المالكي باعتباره رئيسا للوزراء لا يمكنه إدارة حكومة وطنية وضع الشعب العراقي ثقته فيها. ربما نتذكر أيضا بعض الأحزاب السياسية من الشيعة الذين لم يقبلوا التحول الجديد لحكومة المالكي. وبدا جليا أنه سيكون من المستحيل أن يحل الأزمة. وتتلخص تهديدات (داعش) في ثلاثة جوانب مهمة: الجانب الأول هو أنهم يتبنون تفسيرا غريبا ومتطرفا للإسلام؛ فهم يقتلون الناس بسهولة كما لو أنهم يشربون كوبا من الماء. ومن السهل بالنسبة لهم قطع رأس طفل. وهذا ما تظهره الصور التي نشروها حديثا في الموصل، أو مقاطع الفيديو التي نشرت على موقعهم الإلكتروني على الإنترنت. وإذا بقوا في الموصل أو أي جزء من أراضي العراق، فسيستمر عهد الإرهاب في العراق. كما حدث إبان عهد الإرهاب في فرنسا، حيث قُطِّعت رؤوس 40 ألف شخص باستخدام المقصلة، خلال ما لا يزيد على عشرة أشهر في الفترة ما بين عامي 1793 إلى 1794، وكان اليعاقبة يضعون تلك الرؤوس على أسهمهم ويطوفون بها الميادين والشوارع. وشاهدت أيضا مقاطع أفلام يظهر فيها تجمهر الناس في الموصل عندما كان أنصار (داعش) يقطعون رأس شخص كما لو كان خروفا. وإنني هنا أتساءل كيف يمكن للمرء بمجرد رؤيته لمثل تلك الصور أن ينساها طوال حياته؟ ستصبح تلك الصور السبب الرئيس وراء العنف في حياتنا. الجانب الثاني أننا لا نشهد دمارا يحيق بالبلاد وحسب، وإنما دمارا للأمة، حيث يجري تفتيت البلاد والأمة في وقت متزامن. هذه هي العاقبة الرئيسة لما يحدث حاليا في العراق. وأخيرا، أعتقد أن هذه الفتنة لن تقتصر على أجزاء من العراق وسوريا. وإنما ستنتشر بسرعة في كافة أرجاء المنطقة، كالنار في الهشيم، قد تضم بعض دول الجوار المباشر للعراق وغيرها من البلدان. وأعتقد أن هذه الفتنة أخطر من الصراع الدائر بين الشيعة والسنة في العراق أو في المنطقة بشكل عام. وذلك مصداقا للقرآن الكريم في الآية التي تقول: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً). أعتقد أنه ينبغي لكافة الدول المجاورة للعراق أن تمد يد العون لها، واضعين في الاعتبار شعار (داعش) الذي ينادي بإقامة خلافة إسلامية خالصة في العراق والشام. كما ينبغي لنا أن ننظر إلى الأفق البعيد، ونعيد التفكير في أزمة العراق.