يزداد الوضع الأمني في العراق، انفلاتا وخطورة في ظل مواصلة مسلحي ما أصبح يعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، زحفهم السريع باتجاه العاصمة بغداد، وتصاعد الدعوات باتجاه المدنيين للتسلح في مؤشر على أن البلد مقبل على حرب جديدة مجهولة العواقب. ففي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة العراقية، عن وضع مخطط أمني جديد لحماية بغداد من هجوم مسلحي "داعش"، خرج المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني، عن صمته بدعوة العراقيين إلى حمل السلاح لمواجهة المسلحين السنّيين المنضوين تحت تنظيم "داعش". وضم السيستاني، صوته إلى صوت رئيس الحكومة نوري المالكي، الذي سبق ودعا العراقيين إلى حمل السلاح بعدما استشعر التهديد الحقيقي الذي يشكله التنظيم المسلح الذي قويت شوكته في ظرف وجيز لدرجة أنه استطاع أن يشكل دولة خاصة به، ويقود عمليات عسكرية في الأصل لا تنفذها إلى دولة قائمة بذاتها. ورغم أن الدعوات التي أطلقها السيستاني ومن قبله المالكي ومقتدى الصدر، تبدو في ظاهرها موجهة باسم الدفاع عن الوطن ولعموم العراقيين دون تمييز، فإنها بدت دعوات صريحة للدخول في حرب طائفية بين السنّة والشيعة باعتبار أن مسلحي "داعش" هم من السنّة المتطرفين. ويفتح ذلك الباب أمام اندلاع حرب طائفية يخشى أن تكون أكثر ضراوة وعنفا من تلك التي عانى منها العراقيون إبان الغزو الأمريكي لبلادهم منذ 2003 والى غاية نهاية 2011. ويتأكد ذلك خاصة وان تنظيم "داعش" حتى وإن كان محسوبا على تنظيم القاعدة، فإنه حظي بمساندة من أبناء العشائر السنّية الذين ضاقوا ذرعا بحكم نوري المالكي، الذي يتهمونه بتهميشهم واستهدافهم بقانون مكافحة الإرهاب. هذا الأخير الذي وجد نفسه في مأزق وهو يرى مدنا ومحافظات بأكملها قد سقطت في أيدي "داعش" من الأنبار والفلوجة، وصولا إلى سامراء وتكريت مرورا بصلاح الدين والموصل عاصمة محافظة نينوى، والدور الآن على بغداد. وحتى لا يخسر هذه الأخيرة أعلنت الحكومة العراقية أمس، عن خطة أمنية جديدة لحماية بغداد تتضمن نشر مكثف لقوات الأمن وتعزيز المخابرات بأكبر تعداد ممكن من الوسائل التقنية مثل الكاميرات مع تقوية الاتصالات مع القادة العسكريين في باقي المحافظات ورفع معنويات الجنود. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل تنجح السلطات العراقية في صد زحف مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، باتجاه العاصمة بغداد المهددة بالسقوط في أية لحظة في يد هؤلاء؟ وهي التي منيت قواتها النظامية بانتكاسة عسكرية غير مسبوقة إثر فشلها في مواجهة مسلحي "داعش" في عدة مناطق ومحافظات بشمال وشرق البلاد، وهم الآن على بعد كيلومترات قليلة من مشارف بغداد. وحتى وإن طمأن مسؤولون عسكريون عراقيون بأن القوات المتواجدة ببغداد كافية لصد هجوم مسلحي "داعش"، فإن السؤال المطروح هو: إلى متى يمكن لهذه القوات الصمود أمام زحف مسلحين مصرين على مواصلة "فتوحاتهم العسكرية" ضمن هدف معلن بإقامة دولة إسلامية تشمل العراق وأرض الشام التي تضم سوريا والأردن، إضافة إلى سيناء المصرية؟ ورغم أن ما يحدث في العراق ينظر إليه البعض على انه انتكاسة للولايات المتحدة التي راهنت على عراق ينعم بالديمقراطية والاستقرار، فإن ردّة فعل الرئيس باراك أوباما، بدت مبهمة بعدما تعهد بتقديم المساعدة الإنسانية للاجئين والنازحين الذين تجاوز عددهم 400 ألف شخص. وحتى وان كان أوباما، أكد أن كل الخيارات تبقى مطروحة على طاولة البحث، فإن وزيره للخارجية جون كيري، اعتبر أمس، أن ما يجري في العراق من انهيار كامل للمؤسسة العسكرية اكبر إنذار للقادة والمسؤولين السياسيين العراقيين من أجل توحيد صفهم، ودعا في هذا السياق إلى تشكيل حكومة وحدة.