المساجد... وجهة أخرى للاعتكاف وتأدية الصلوات للأجواء الرمضانية في الجزائر طعمٌ خاص، فهي تجمع بين العبادة والمتعة والترفيه، ولكل طالب ما يريد. ويحظى شهر الصيام لدى مختلف فئات المجتمع بقداسة خاصة، حيث تجتمع الأسرة الجزائرية عند الإفطار على المائدة بشكل جماعي، ويعتبر شهر الصيام فرصة نادرة لجمع كل أفراد العائلة على مائدة واحدة، وعند سماع الأذان، يقبل الصائمون على الإفطار على التمر واللبن في أغلب الأحيان، قبل أداء صلاة المغرب، حسب السنة المتبعة، ثم العودة مجددا إلى المائدة. حسيبة موزاوي تزامنا مع موسم الاصطياف وشهر الصوم في آن واحد، يجد العديد من الجزائريين ضالتهم في السهر والترفيه ليلا قصد الترويح والتخفيف من الضغط النفسي والبدني الذي يتراكم بعد عام حافل بالعمل والدراسة، وفي هذا الصدد ارتأت يومية (أخبار اليوم) تسليط الضوء على السهرات الرمضانية في الجزائر. حديقة التسلية والألعاب متنفس العائلات الجزائرية... تعتبر أماكن الترفيه وجهة العديد من العائلات والتي يزداد الإقبال عليها مع غروب الشمس للمرح والتسلية، ومن أكثر الأماكن التي تقصدها العائلات للاستمتاع بالسهرات الرمضانية، حديقتي الألعاب والتسلية ل(بن عكنون) والصنوبر البحري، أين كانت لنا جولة هناك، وسمحت لنا الفرصة للحديث مع بعض المواطنين من بينهم السيدة "ياسمين"، التي جاءت رفقة زوجها وبنات أختها أين اعتبرت هذه الفضاءات الترفيهية عروس السهرة في رمضان، وتكون السهرات الرمضانية مملة بدون اللعب والاستمتاع رفقة العائلة والأحباب. بينما قال (فريد) الذي جاء رفقة أصدقائه أنّ فضاءات الترفيه تكون ممتعة جدا ليلا (وأنها أحسن دواء للقضاء على المتاعب النفسية، ولها نكهة خاصة في رمضان). البحر ميزة السهرات الرمضانية هذه السنة.... يجد الكثير من الجزائريين في شواطئ البحر، الراحة النفسية والسكينة، وكانت البداية مع (ياسر) 30 سنة وهو رب أسرة، حيث قال (تعجبني كثيرا السهرات الليلية في رمضان لما فيها من لم شمل العائلة وتناول الحلويات الشهية المختلفة والشوارع التي تشهد حركة دؤوبة والمقاهي التي لا تكاد تغلق حتى لساعات متأخرة من الليل)، مضيفا أنه يقوم باصطحاب أسرته إلى البحر من حين لآخر لتبادل أطراف الحديث وشرب العصير وذلك للتخفيف من الضغط النفسي الذي يعتري الشخص من أعباء الحياة المتراكمة، مشيرا أنه بمجرد النظر للبحر يحس بهدوء شديد ينسيه زخم الحياة وأعباءها، كما تساهم هذه السهرة في خلق أجواء حميمية بين أفراد أسرته. أما (أمين)، في العشرين من العمر، أكد لنا أنّ البحر ليلا أفضل أنيس لقضاء السهرات الرمضانية الممتعة رفقة الأحباب، والسهر تحت ضوء القمر في جو رائع تملؤه الفرحة وترديد الأغاني الشعبية القديمة، غير متناسين رائحة الشواء التي تعم المكان، في محاولة لتجديد النشاط والاستعداد لما هو آتٍ. "الدومينو" يتصدر السهرة في رمضان من منا لا يعرف لعبة (الدومينو) الشعبية عند الجزائريين، والتي يلتف حولها العديد من الأفراد شبابا وكهولا، لا يفرطون فيها، ف(للدومينو) طعم خاص يضفي على السهرات الرمضانية نكهة مميزة لتبقى مشاحنات الربح والخسارة سيدة الموقف، وأحيانا يلجأ البعض منهم إلى الغش، وهو الأمر الذي يثير المشادات الكلامية وأحيانا أخرى يساهم في إضحاك الجماعة وخاصة من المتفرجين، فرغم الصيام طوال اليوم الكل مركّز في دق الطاولة بالدومينو فالخطأ يعني الخسارة، وعن ذلك التقينا عمي (محمد) في برج الكيفان الذي يضرب موعدا لأصدقائه بعد كل صلاة تراويح على شاطئ البحر، ليقوم بإشباعهم خسارة فهو لا يقهر وعنه يقول (سي محمد) الكل يأتي لينافس رابح لكن لاجدوى فهو كان يعمل محاسب ويلعب الشطرنج منذ سن الثامنة عشرة سنة، كما أن عدم تواجد الروح الرياضية لدى البعض يجعل الشجارات تنشب إلا أنها مسالمة ولا توجد قعدة (دومينو) دون عازف للقيطارة وصوت يجيد قصائد الأغاني الشعبية. سطاوالي... مدينة لا تنام ليلا تعرف محلات بيع المثلجات انتعاشا كبيرا في تجارتها نظرا للعدد الكبير من المواطنين الذين يقبلون عليها (خصوصا بعد أن يسدل الليل ستاره)، ومن بين هذه الأماكن (سطاوالي)، حيث أكد لنا أحد باعة المثلجات أن العمل يزدهر أكثر في الشهر الفضيل، إذ يتضاعف رزقه على سائر الأيام الأخرى، فبمجرد انتهاء صلاة التراويح تجد الطاولات تعج بالمواطنين الساهرين الذين أتوا من كل صوب وحدب لتناول المثلجات وقضاء سهرتهم في جو يملأه المرح والتلذذ بها. فالسّيدة (زهية)، التي التقيناها رفقة زوجها وابنيها في أحد مواقف السيارات بسطاوالي أكدت لنا أنه (لا تحلو السهرة في رمضان إلا بتناول المثلجات بصحبة العائلة وخصوصا في هاته الفترة الأخيرة أين أصبح يهل علينا رمضان مع موسم الصيف)، وأضافت أنها تتمتع كثيرا بتناول المثلجات ليلا خارج المنزل. أما (سمير)، أكد لنا أن (سطاوالي) ليلا تختلف عن النهار، فهي في الليل تشهد حركة وانتعاشا حيث تبقى ساحات المقاهي مفتوحة إلى وقت متأخر من الليل، وأن السهرة في رمضان لا تكون سهرة بدون الخروج من المنزل وتناول المثلجات مع العائلة أو الأصحاب للتسامر والمرح والترويح عن النفس. وبين هذا وذاك تبقى السّهرات الشيء الوحيد الذي لا يستطيع المواطن الجزائري الاستغناء عنه في رمضان. التراويح والقيام لا تفريط فيهما من حكمة الله سبحانه وتعالى أن فاضل بين خلقه، ففضل بعض الأمكنة على بعض، وفضل بعض الأزمنة على بعض، كشهر رمضان الذي فضله على سائر الشهور، واختص هذا الشهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة، فهو الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن وهو شهر العتق من النار، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم (وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة). فالكثير من الناس يفضلون الانشغال بعبادة الله عز وجل بالاعتكاف في المساجد وصلاة التهجد متضرعين إلى المولى طالبين المغفرة والعتق من نار جهنم، مبتعدين بذلك عن جلسات السمر والسهر وكل مجلس قد يلهيهم عن ذكر الله.