صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. فأمّا صوم العموم فهو: كفّ البطن والفرج عن قضاء الشّهوة. وأمّا صوم الخصوص: فهو كفّ النّظر، واللّسان، واليد، والرّجل ، والسّمع، والبصر، وسائر الجوارح عن الآثام. وأمّا صوم خصوص الخصوص: فهو صوم القلب عن الهمم الدّنيئة والأفكار المبعدة عن اللّه تعالى، وكفّه عمّا سوى اللّه تعالى بالكلّيّة. وإنّما سمّي الصّيام صبرا، لأنّ الصّبر في كلام العرب الحبس، والصّائم يحبس نفسه عن أشياء جعل اللّه تعالى قوام بدنه بها. وقال الغزاليّ في الإحياء: اعلم أنّ في الصّوم خصيصة ليست في غيره، وهي إضافته إلى اللّه - عزّ وجلّ - حيث يقول سبحانه في الحديث القدسيّ: (الصّوم لي وأنا أجزي به). وكفى بهذه الإضافة شرفا كما شرّف البيت بإضافته إليه في قوله: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) (الحج/ 26) وإنّما فضّل الصّوم لمعنيين: أحدهما: أنّه سرّ وعمل باطن، لا يراه الخلق ولا يدخله رياء. الثّاني: أنّه قهر لعدوّ اللّه؛ لأنّ وسيلة العدوّ الشّهوات، وإنّما تقوى الشّهوات بالأكل والشّرب وما دامت أرض الشّهوات مخصبة، فالشّياطين يتردّدون إلى ذلك المرعى، وبترك الشّهوات تضيق عليهم المسالك.