بثت قناة فرنسية مؤخراً برنامجا خاصّا لمحاربة الرجم ومحاولة الضغط على المجتمعات الإسلامية التي لازالت مُحافظة على هذا الحكم، حتى تلغي هذه العقوبة بشكل نهائي من قانونها. وكان من ضيوف البرنامج رجل دين إيراني وكاتب فرنسي ذو أصول يهودية ورئيسة جمعية حقوقية قالت أنها مسلمة، وآخرون. اجتمع هؤلاء ليناقشوا مسألة الرجم في البلاد الإسلامية، ووصفوها بأنها "عقاب بربري" لا بد من محاربته، وفقا لما يسمونه ب"حقوق الإنسان". وما جمع كل هؤلاء حول طاولة النقاش هو حالة سكينة، المرأة الإيرانية التي قتلت زوجها بمساعدة عشيقها، فقررت السلطات الإيرانية رجمها عقاباً لها على جريمتها، وهو الأمر الذي أثار استياء بعض البلدان الغربية، ومنها فرنسا مثلاً، والتي خرج إلى شوارعها قبل أسبوعين آلاف المتظاهرين ليبدوا مساندتهم للمرأة الخائنة القاتلة ورفضهم بالخصوص لفكرة الرجم كلها. بغض النظر عن خلفيات البرنامج السياسية، فإن النقاش كان عقيما، من حيث أنّ الغربيين لم يفهموا، او لا يحاولون أن يفهموا أننا، نحن المسلمين، لنا قانوننا الذي نؤمن أنه آت من عند الله خالقنا، وأنه لا سبيل لا لتغييره ولا العبث به ولا للاحتيال والالتفاف عليه، فإما أن نأخذه كله او نتركه كله، أمّا وان نغير فيه كلما أردنا ذلك، على طريقة القوانين التكميلية فهذا أمر غبي. لم ير الغربيون القوانين بمنظار ما سموه حقوق الإنسان، والذي أتى به إنسان، ليفرض على غيره من البشر وجهة نظره هو؟ فصار الغربيون بذلك يتبعون دينا آخر غير الأديان الأخرى التي نعرفها، وسموه "حقوق الإنسان"، والفارق بينه وبين الأديان السماوية، هي أنّ الأولى من صنع البشر والثانية تنزيل من الله، فهل يمكن أن يكون الإنسان اعلم بنفسه من خالقه الذي خلقه ولم يكُ شيئاً مذكورا، وقضى الأشهر والأعوام الأولى من طفولته لا يستطيع إطعام نفسه بنفسه ولا غسل قاذوراته؟ وان لم يكونوا يدينون بدين ولا شيء، فلم يشوِّشون علينا نحن الذين نتمسك بديننا، ونعتبره شيئا مقدسا لا يمكن المساس به، لأنه ببساطة قانون الهي وليس من وضع البشر؟ وما دخلهم في شؤوننا الداخلية؟ هل يقبلون هم أن ننتقد تنفيذ الأحكام التي تصدرها محاكمهم؟ ثم كيف ينادي صهيوني بحق من حقوق الإنسان وبنو جلدته يتفننون في ارتكاب الجرائم ضد البشرية جمعاء، كيف ينادي الغربيون بحقوق الإنسان، وهم الذين انتهكوها وصاروا ينتجون الدمار والحروب، واحترفوا إبادة الشعوب والقتل والإرهاب والفجور، ثم يرمون بذلك كله علينا، ونصبح نحن المُجرمين والمتخلفين ومنتهكي حقوق الإنسان؟ من الأمور المضحكة التي قالها ذلك اليهودي أنّ العالم العربي يعاني حالة من الانغلاق في مسألة الدين، أي انه لا يقبل لا الحوار ولا النقد عندما يتعلق الأمر بحد من حدود الله، وهو الأمر الذي اعتبره "تخلفا وبربرية"، و"وضع لا بد أن يتغير". إذا كان التخلف هو مرادف للتمسك بالدين والمحافظة على حدوده، فلنبق على تخلفنا، بل لنزد تخلفا على تخلف، لأننا الآن لسنا متخلفين بالقدر اللازم، ولو كنا كذلك لما كانت لكم أصواتٌ تنادون بها لا بحقوق الإنسان ولا شيء.