لا تزال ظاهرة العنف متفشية ومنتشرة بكثرة في عديد الملاعب الجزائرية، وقد أصبحت تأخذ أبعادا خطيرة جدا، خاصة وأنّ هذه الملاعب تتعرض للتخريب فيما يتعرض الجمهور للاعتداء بكل أشكاله، سواء كان ذلك في حال ربح أو خسارة الفريق، فقد أحصت مصالح الأمن الوطني خلال الموسم الكروي 2013-2014 ، 142 حادث، أسفر عن جرح 600 شخص، بالإضافة إلى تضرر 151 مركبة، فيما أوقفت ذات المصالح 314 شخص منهم 47 قاصرا، تم تقديم 54 منهم أمام العدالة، في وقت أرجع فيه عديد المختصين أسباب تفاقم الظاهرة إلى المعاناة التي تعيشها فئة كبيرة من الشباب الذي يتخبط في أزمات ومشاكل عديدة، منها إدمانهم على استهلاك المخدرات والحبوب المهلوسة أثناء تلك المقابلات. حسيبة موزاوي في جولة قادتنا إلى بعض شوارع العاصمة وضواحيها، أكد لنا عديد المواطنين أنّ السبب الرئيسي في انتشار ظاهرة العنف في الملاعب، هو عدم وجود مساحات ترفيهية خاصة بالشباب، حيث يقوم هؤلاء بتفريغ تلك المكبوتات في الملعب سواء خسر فريقهم أو ربح، ودعوا إلى ضرورة توفير مساحات خاصة بهذه الفئة، في وقت أشار فيه البعض الآخر إلى أنّ الملاعب هي الملجأ الوحيد للتعبير عن مشاكل هؤلاء الشباب وهمومهم من خلال ممارسة العنف، بالإضافة إلى غياب الأمن في الملاعب المتواجدة بالولايات المجاورة، فالأمن يكون غالبا مكثفا في ملعب 5 جويلية وبولوغين فقط على حد تعبيرهم. ليبقى السؤال المطروح (أين هي الإجراءات الأمنية المشددة التي تحدثت عنها السلطات للحد من الظاهرة؟). حادثة ملعب 5 جويلية مازالت راسخة في الأذهان وفي حادثة ليست الأولى من نوعها، تلك التي ألمت بالملعب الأولمبي 5 جويلية إثر انهيار جزء من المدرجات العلوية (المدرج 13) خلال الداربي العاصمي الذي جمع بين اتحاد الجزائر ومولودية الجزائر، والذي خلف وفاة المناصرين سفيان عزيب ودرهوم سيف الدين من فريق اتحاد العاصمة فيما أصيب مشجع ثالث بجروح، وهذا إثر سقوطهم المفاجئ من علو يقارب العشرين مترا، ذنبهما الوحيد أنهما أحبا الكرة وعشقا ألوان الاتحاد، فلم يبق لأمهات خطفت (موت الغدرة) أبناءهن تحت سقف مدرجات ملعب 5 جويلية غير قمصان اتحاد العاصمة تستنشقان من خلاله رائحة فلذة كبدها سيف الدين وسفيان. حجر واحد كان كافيا لقتل إيبوسي فكثيرا ما ارتبط (شبح الموت) بملعب 5 جويلية، من خلال أعمال العنف التي كانت تنشب في كل المباريات بين أنصار مختلف الفرق، سواء العاصمية أو غيرها، ليتحوّل هذا الصرح الكروي الكبير والمعلم التاريخي من نعمة لكرة القدم الجزائرية إلى نقمة عليها، فبعد حادثة 5 جويلية هاهو شبح الموت يحدق مرة أخرى بإحدى ملاعب الجزائر، ملعب أول نوفمبر بتيزي وزو إثر وفاة هدّاف البطولة الوطنية للموسم الماضي المهاجم (ألبار إيبوسي) بعد تعرضه لإصابة في رأسه جراء رشق بالحجارة أرداه أرضا في نهاية المباراة التي جمعت فريق شبيبة القبائل بفريق اتحاد الجزائر انتهت لصالح الفريق الزائر (اتحاد الجزائر) بنتيجة هدفين مقابل هدف وفارق إيبوسي الحياة مباشرة بعد نقله إلى المستشفى في ظروف أقل مايقال عنها إنها تبقى غامضة، غير أن من شأن الحادثة المؤسفة أن تعيد فتح ملف العنف في الملاعب الجزائرية وتفتح النقاش مجددا حول مدة صرامة التدابير الأمنية ذات الصلة بالملاعب وأمن الأنصار واللاعبين على حد سواء، ما يفتح الباب أيضا مرة أخرى لطرح العديد من التساؤلات حول سلامة ملاعبنا التي تحوّلت من مسرح للفرجة والمتعة إلى مقبرة حقيقية تخطف أرواح مناصرين في سن الزهور وتخطت ذلك لتصل إلى زهق أرواح اللاعبين. فأين نصنف القرارات التي تصدر من أعلى السلطات عندنا بفتح مدرجات الملاعب للأنصار مجانا في العديد المباريات الكبيرة؟ يمكن أن نجد لها محلا من الإعراب في فقرة نص عليها قانون ال(فيفا) يقضي باحترام الثقافة والتقاليد المحلية لكل بلد، لكن بما أن التساهل أو اللامسؤولية أوصلتنا إلى مقتل لاعب فوق أرضية ميدان، على حكومتنا ومسيري كرتنا الآن أن يطبقوا الحلول الواضحة والبسيطة للقضاء على ظاهرة العنف في ملاعبنا، بدل ترديد الشعارات. العنف في الملاعب وليد الانفعالات المكبوتة وفي هذا السياق ارتأت (أخبار اليوم) معرفة أسباب انتشار هذه الظاهرة في المجتمع الجزائري، حيث كان لنا اتصال مع السيدة فاسي، أخصائية في علم النفس، والتي أكدت أن تلك الأفعال العدوانية ما هي إلا تعبير عن جملة من الانفعالات المكبوتة في اللاشعور الجماعي كأسلوب تفريغ وحالة من الرفض للواقع الاجتماعي المزري، إلى جانب الظروف المحبطة بالملعب وبمواقف الأداء المختلفة لها تأثير على نفسية المتفرجين مما يسبب له الإحباط والبأس الذي يؤدي إلى ارتكاب سلوكيات عدوانية. وأوضحت ذات المتحدثة أن هناك بعض الأسباب المؤدية إلى مظاهر العنف منها حب وعشق الفريق، حيث يزرع في بعض الجماهير العصبية التي ينتج عنها صراعات ومشاكل لا وجود لها أساساً، ولهذا نرى الكثير من أمثال هؤلاء المتعصبين يتخذون الأسلوب العدواني الذي يُعد من أبرز مظاهر العنف في مواجهة مشجعي الفريق الخصم، وقد حدث أيضا في أكثر من مباراة أعمال عنف والسبب أخطاء الحكم المتكررة التي ينتج عنها عنف الجماهير، حيث أن إحساس الجماهير بالظلم من قبل التحكيم سيكون السبب الرئيسي في حصول ذلك العنف، معتقدة أن المراهقين هم الأكثر انتفاضة للتعبير عن رجولتهم، وهم قادرون على فرض أنفسهم بأية طريقة كانت والدليل على ذلك ما نراه في الشارع، أطفال قُصر يدخلون الملاعب تضيف المتحدثة. ودعت الأخصائية النفسانية إلى ضرورة توفير فضاءات لممارسة الرياضة داخل المؤسسات التربوية خاصة وأن أياما قلائل فقط تفصلنا عن الدخول المدرسي، حتى يتسنى للتلميذ تفريغ مكبوتاته وكذا التخلص من الضغوطات النفسية داخل الحصة بصورة منظمة، والتي تمثل متنفسا لسلوكهم العدواني على غرار حصة التربية البدنية الرياضية ولا يأتي ذلك إلا بدمج التلاميذ ذكورا وإناثا في جمعيات رياضية وإعداد برامج تخص الأنشطة الرياضية من طرف مختصين في الميدان. مبادرات كثيرة للحد من الظاهرة والجدير بالذكر أنّ عديد الجمعيات والمنظمات المحلية منها والوطنية وحتى الدولية كانت قد بادرت بعدة حملات تحسيسية لمحاربة ظاهرة العنف في الملاعب خاصة الجمعية الفرنسية une balle pour la paix التي جاءت إلى بلدية الرويبة في السنوات الأخيرة وحرصت على الاهتمام بالموضوع بجد، من خلال تخصيص لافتات تعلق داخل الملاعب وغيرها من الأساليب التي لقت صدى، ولكن مؤقتا فقط على حد تعبير بعض مواطني بلدية الرويبة، لتليها جمعية ناس الخير التي نظمت هي الأخرى بالتنسيق مع بعض الجهات والشركاء كالكشافة حملة تحسيسية من خلال إحضارها لملعب متنقل لتعزيز وتقوية الروح الرياضية في أوساط الشباب، الذين استحسنوا كثيرا هذه الحملة لكن سرعان ما تم رفع ذلك الملعب ونقله إلى بلدية مجاورة عاد الشباب إلى تفكيرهم المسبق، ليطالب عديد هؤلاء الشباب الرافض مثل هذه السلوكات ضرورة التحلي بالروح الرياضية سواء في حال خسارة أو ربح الفريق والحفاظ على الممتلكات العامة. لتبقى الملاعب الجزائرية تملك رصيدا حافلا من الحوادث والكوارث المأساوية، حيث سبق وعرفت الملاعب وفاة عشرات المناصرين على غرار ملعب 20 أوت سنة 1982 وملعب زيوي سنة 2007، ملعب الحراش 2009 والقائمة طويلة...