القصف طال المسجد العمري أحد أقدم مساجد غزّة نشر موقع ميدل أيست مونيتور (ميمو) في لندن تقريرا كتبه أحمد نافع حول المساجد التي دمّرتها إسرائيل خلال حربها على غزّة، والتي استمرّت 51 يوما. قال نافع في تقريره إن معظم الأبنية المدمرة في غزّة يمكن استبدالها ولكن البنايات التاريخية التي بني بعضها قبل ألف سنة أو يزيد دمرت بشكل لا يمكن إعادة بنائه. وحسب المصدر نفسه، فإن إسرائيل ضربت معظم المواقع القديمة، محوّلة إيّاها إلى أنقاض، فلم تسلم بيوت العبادة ولا القبور ولا المقابر ولا مكاتب المؤسسات الخيرية من الدمار، لكن الأكثر تأثّرا كانت المساجد الأثرية في غزّة، وكثير منها يعود إلى عصور الخلفاء الأوائل وإلى الحقبة المملوكية والعثمانية، وأشار إلى تدمير 203 مساجد في حرب إسرائيل الأخيرة على غزّة، 73 منها تمّ تدميرها تدميرا كاملا كما أن أضرارا لحقت بكنيستين حسب وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية، وزاد استهداف المساجد في الحرب الأخيرة ثلاث مرات عن حرب عام 2008-2009، حسب تقرير الوزارة. مساجد دمّرت بالكامل حسب وكيل الوزارة في غزّة الدكتور حسن الصيفي فإن خسائر الوزارة تقدّر ب 50 مليون دولار. وقال الصيفي: (هناك عدد من المساجد الأثرية التي تحتفظ بذاكرة التاريخ العربي والإسلامي في غزّة، وبالطبع فإن الناس حزينون جدا لخسارة الإرث التاريخي هذا). وهذه الخسائر من شأنها أن تحرم الأجيال القادمة من تاريخهم ومن الفوائد المادية التي قد تعود عليهم من هذه المواقع الأثرية. أهمّ المساجد التي دمرت كان المسجد العمري في جباليا، والذي أقيم في القرن السابع الميلادي وهو أكبر وأقدم المساجد. وكان المسجد الذي سمّي باسم الخليفة الراشد الثاني (عمر بن الخطّاب) بني عام 649 ميلادية أي قبل 1365 سنة وكان يتّسع ل 2000 مصلّي ويعود رواق المسجد ومئذنته للعصر المملوكي قبل 500 عام وقد دمّرته إسرائيل في 2 أوت 2014. والمسجد العمري الكبير كان يختزن تاريخ غزّة وحضارتها عبر العصور، حيث بني على موقع يعتقد أن معبدا فلسطينيا قديما كان فيه، ثمّ بني مكان المعبد كنيسة بيزنطية تعود للقرن الخامس، ثمّ المسجد الذي كان معلما تاريخيا منذ بنائه. وبالقرب من أقدم مسجد، دمّر المسجد الذي يليه في القدم، وهو مسجد الشمعة والذي دمر في 23 جويلية في حي النجارين في منطقة الزيتون في غزّة القديمة، وكان قد بني قبل 700 عام في 1315م في عهد المماليك. كما تمّ تدمير معلم تاريخي آخر في اليوم التالي، وهو مسجد المقادمة، والذي كان يعتبر مثالا جيدا للعمارة المملوكية، ويقع بالقرب من شارع بغداد في الشجاعية وكان تزينه مئذنة وقوس نقشت عليه أشكال الزهور، وقد بني عام 1455م بأمر من سيف الدين بيرديباك الأشرفي أحد موظفي السلطان. وكانت الشجاعية شهدت أعنف قصف في جويلية، ما جعل آلافا من سكانها ينزحون عن بيوتهم. ومسجد عمر بن عبدالعزير في بيت حانون شمال القطاع مسجد حديث، لكنه يقوم بخدمة شريحة واسعة في المدينة، وتم تدميره في قصف. وهناك مساجد أخرى تحمل قيمة تراثية تم تدميرها، مثل مسجد ومرقد المنطار الذي يصل عمره إلى عدة قرون والذي ضرب في 11 جويلية. كما أن كنائس غزّة الثلاثة لم تسلم من العدوان، فقد أصيبت كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذوكسية وهي أقدم كنائس غزّة ويعود بناؤها لعام 1150 في حي الزيتون بمدينة غزّة القديمة، كما أصيبت مقبرة الكنيسة عندما قصفت المنطقة في جويلية في هجمة أخرى على تراث غزّة الغني. كما أن كنيسة غزّة المعمدانية أصيبت بأضرار كبيرة جراء قصف محطة للشرطة قريبة من الكنيسة، كما أصيبت بنايات ملحقة بكنيسة غزّة اللاتينية. كل هذه المواقع تحمل قيمة تاريخية، وشكلت أدلة لا تعوض على التاريخ الثقافي الفلسطيني، ويعتقد الصيفي أن الاحتلال يحاول محو الأدلة التاريخية على وجود الفلسطينيين في فلسطين بتدميره للمساجد الأثرية. قتل الهوية التاريخية يتوقّع أن تدمير مئات السنين من تاريخ غزّة الإسلامي يؤثر على هوية غزّة، لكن الصيفي يصر على أن إسرائيل لن تستطيع محو الذاكرة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في الوجود، وقال: (أعتقد أن إسرائيل لن تنجح في هذا، لأن المساجد بالنسبة لنا ليست مجرد أحجار، ولكنها تحمل قدسية لدى أجيال المسلمين المتعاقبة). وجعل الدمار الذي أصاب هذه المعالم التاريخية إسرائيل تزعم أن المساجد المستهدفة كانت تستخدم لأغراض عسكرية مثل تخزين الأسلحة ونقاط التقاء لمقاتلي القسام، وزعم الجيش الإسرائيلي في تصريح ل (لأسوشيوتد برس) بأن (حماس أساءت للمساجد ببشاعة باستخدامها لأنشطة إرهابية). وأنكرت (حماس) هذه الاتّهامات، والكثير في غزّة يعتقدون بأن هذه الاتّهامات هي مهاجمة لأسلوب حياتهم، حيث يعلق الصيفي قائلا: (كل مواطن في غزّة فخور بالمقاومة، والمساجد أماكن مفتوحة ليس فيها ملاجئ ولا غرف سرّية، إنها بيوت عبادة مفتوحة)، واتّهم إسرائيل بتعمدها ضرب المواقع المدنية: (ما من شك أن المخابرات الإسرائيلية لها عيونها وآذانها في غزّة، وهم يعلمون جيّدا أن هذه التهم مفبركة). جريمة تسبّب الدمار لهذه المواقع بآثار سلبية على البنية الاجتماعية، حيث كان لهذه المساجد دور في تقديم الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية. ويعتقد الفلسطينيون أن إسرائيل لا تميز بين المدني والعسكري في عدوانها على غزّة، وهذا يثبته تقرير حديث لمكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، حيث أوضح أن 80 بالمائة من الضحايا الذين قتلوا هم من المدنيين. هذه الأرقام توحي بأن إسرائيل لم تجد من الصعب اعتبار المنشآت المدنية أهدافا مشروعة، كونها قصفت كنائس وبنايات أخرى لم تتّهم باستخدامها من قبل مقاتلي القسّام. كما أشار العديد لاستخدام إسرائيل غير المتكافئ للقوة في المناطق التي ربطتها بوجود مقاتلين، فجيشها تعود على إلحاق بالغ الأذى بالمدنيين، كوسيلة يقصد منها الردع، وهذا ما يعتبره الصيفي استراتيجية بالغة البشاعة بقوله إن (استهداف المساجد على هذا المستوى الذي لم يسبق له مثيل يعكس بربرية وقسوة الاحتلال الإسرائيلي، كما يعكس الإحباط والفشل التي يعاني منه الجيش، حيث وصل إلى طريق مسدود فعمد إلى استهداف المدنيين وأماكن العبادة والتي ضُمنت حمايتها في كل الاتفاقات الدولية)، وأشار إلى أن إنزال العقوبات الجماعية يعتبر جريمة حرب في القانون الدولي، ويبدو أن هذه الجرائم لاحظتها المؤسسات الدولية، حيث صرحت مفوضة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان لصحيفة الغارديان بأنه (يبدو وجود احتمال كبير بأنه تم خرق القانون الدولي). كما أن إسرائيل وبالرغم من علمها بمواقع مدارس الأنروا قامت بضربها بدعوى وجود صواريخ فيها، مع أن الأنروا أنكرت هذه الادّعاءات، وقد شجّبت الأمم المتّحدة ضرب المدارس التابعة لها بعد أن أخبرت إسرائيل مراراً بمواقع هذه المدارس. ويشكّل استهداف المواقع الدينية والثقافية والمدنية خرقا للقانون الدولي، وبالذات للمادة الرابعة من اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية، وتحت هذه المادة فإنه يجب توخّي كلّ الحذر ما أمكن لتجنّب تخريب الممتلكات الثقافية في حالة الحرب، كما أن استهداف هذه المنشآت يعتبر جريمة بحسب المادة 8 من قانون محكمة الجنايات الدولية، والتي تنص على أن تعمد توجيه ضربات للبنايات الدينية والتاريخية يشكل جريمة حرب. يشار إلى أن قيام (تنظيم الدولة) بهدم مسجد النبي يونس في الموصل وعدد من المساجد الشيعية تسبب بردة فعل من المجتمع الدولي، لكن لم يكن هناك رد فعل يذكر لتدمير إسرائيل للمساجد والكنائس في غزّة، ولم يصف أحد ما قامت به إسرائيل في غزّة بالإرهاب، مع أن ما تحاول إسرائيل تحقيقه هو القضاء على الشعب في غزّة -حسب الدكتور الصيفي- الذي طالب السلطة الفلسطينية بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة إسرائيل على جرائم الحرب التي ارتكبتها في غزّة.