جباليا المدينةالفلسطينية الشهيدة الأخرى في شمال قطاع غزة تحولت الى دمار وكأن زلزالا عنيفا ضربها عن بكرة أبيها وحولها إلى مجرد ركام وبقايا أطلال. فقد انهارت بناياتها ومصانعها ومدارسها وحتى مساجدها تحت وقع عمليات القصف الجوي والبري الذي طالها لأكثر من ثلاثة أسابيع متتالية ليل نهار وكان ذلك كافيا لأن يغير معالمها ويحولها الى مجرد ركام صعّب حتى على سكانها التعرف على ممتلكاتهم المدمرة. فالمشهد واحد في كل الأحياء التي تحولت الى مجرد بقايا الإسمنت المسلح والحديد وبقايا أثاث العائلات المقهورة أو من لعب أطفال أبت أن تغادر المكان حتى تكون شاهدا على حقيقة الجريمة التي اقترفتها القوات الإسرائيلية. ومازال سكان جباليا مثلهم مثل كل سكان المدن الفلسطينية الأخرى التي عانت الويلات والجحيم الإسرائيلي لآلة حرب إسرائيلية مدمرة تائهين بين أحيائها وزوايا شوراعها. فقد تحول حي قيرم عبد ربه أحد أكبر الأحياء الشاهدة على درجة الجرم الإسرائيلي في مدينة جباليا الى مجرد ركام بعد أن دمرت كل بناياته وغادرته قوات الاحتلال لتترك سكانه يبكون على أطلال لممتلكات بنوها على مر العقود وتحولت إلى رماد في لمح البصر. وما زاد في استغراب السكان أن المباني المدمرة والمساكن المستهدفة لا علاقة لأصحابها لا بحركة حماس ولا كتائب القسام ولا حتى الفصائل الأخرى وكان سؤالهم المتداول: لماذا أقدمت إسرائيل على تدمير ممتلكات المدنيين ولكنهم لا يلبثوا أن يجيبوا على أسئلتهم بأن العملية مقصودة وتنم عن حقد إسرائيلي دفين ضد كل ما هو فلسطيني. بل أن آخرين يؤكدون أن العملية ودرجة الهمجية كانت متعمدة بعد أن عجزت قوات الاحتلال من التمكن من عناصر المقاومة فصبت غضبها على المدنيين. وأكدت تقارير إنسانية أن العدوان خلف تدمير أكثر من 7000 منزل و21 مدرسة و14 مسجدا وغالبية مقرات الوزارات بما فيها مجمع الوزارات الرئيسي كما تم قصف ستة أبراج سكنية ومبنى المجلس التشريعي ومقر رئاسة الوزراء وكافة المقرات الأمنية بما فيها مقرات أجهزة الأمن الرئيسية. وأكد نفس التقرير إلحاق أضرار بأكثر من 20 ألف بناية أخرى سكنية وتجارية دون الحديث عن المقرات العمومية لمختلف المؤسسات الرسمية في القطاع. والأكثر من ذلك فإن قوات الاحتلال لم يقتصر عدوانها على المباني واستهدف حتى مزارع المواطنين الفلسطينيين وحتى حقول الزيتون التي تم تجريفها في عملية مقصودة ضد الطبيعة والإنسان. والغريب أن جنود الاحتلال لم يتركوا حتى البهائم ومازالت هياكل الأبقار والأحمرة وحتى الدجاج مرمية في وسط ذلك الركام الكبير تنبعث منها رائحة كريهة امتزجت برائحة أشلاء الشهداء التي لم يتم استخراجها من تحت أنقاض البنايات المقصوفة. وبدأ سكان جباليا وكل مدن القطاع في اليوم الرابع بعد وقف المذبحة رحلة جديدة لرفع حطام مساكنهم علهم يعثرون على أشياء ثمينة تركوها لدى مغادرتهم لها هربا من جحيم آلة الدمار الاسرائيلية. وشبهت تقارير المنظمات الأممية والإنسانية هول ما رأت في قطاع غزة بزلزال عنيف ضرب المنطقة. وقال غيدو ساباتنيلي مسؤول الصحة في الوكالة الأممية للاجئين الفلسطينيين "اونروا" في تصريح ادلى به امس في مدينة جنيف السويسرية ان قطاع غزة وكأنه تعرض لأعنف زلزال وبقي آلاف السكان دون مأوى بعد أن دمرت مساكنهم. ولجأت لجنة الصليب الأحمر الدولي للتخفيف من هول هذه الكارثة الإنسانية إلى توزيع خيم على حوالي 80 ألف عائلة فلسطينية من أجل إيوائهم. وقالت دوروتا كرميتساس الناطقة باسم الصليب الأحمر الدولي ان الوضع يستدعي عدة اسابيع من اجل السيطرة عليه بسبب درجة التدمير التي لحقت المساكن ومختلف البنايات الأخرى. واتهمت اللجنة الأممية اللاجئين في فلسطين أن بقاء قوات الاحتلال في قطاع غزة يزيد في عرقلة عملية عودة الأوضاع إلى سابق عهدها وخاصة بسبب الخوف الذي سكن سكان القطاع جراء عمليات التقتيل الجماعي التي نفذتها قوات الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين. وأكدت منظمة اوتشا التابعة للأمم المتحدة أن أولوية عمل الهيئة في قطاع غزة تكمن في "تقييم الاحتياجات والأضرار وانتشال الجثث التي صعب الوصول إليها" وإعادة تأسيس الخدمات الأساسية للسكان من مياه ووقود ومساعدات نقدية وتعليم ودعم نفسي.