شهادات حيّة لناجين من قبضة المافيا قالت السفارة الفلسطينية في اليونان في بيان إن سفينة المهاجرين التي كانت تقلّ أكثر من 400 شخص أغلبهم فلسطينيون من سكان قطاع غزّة تعرّضت للإغراق عمدا مساء الأربعاء الماضي، في إطار ما وصفته بتنافس عصابات الموت والمهربين. أشارت السفارة إلى أن النجدة وصلت إلى السفينة من إيطاليا ومالطا صباح السبت الماضي، ما يعني أنهم مكثوا في المياه نحو ثلاثة أيّام، إذ وصلت سفينه يونانية تجارية وأنقذت عددا من الأحياء يمكثون الآن في خانيا بجزيرة كريت. وينقل رامي عبده، رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، عن العسولي أحد الناجين قوله إنه ظلّ في مياه البحر ثلاثة أيّام إلى أن تمّ إنقاذه، وأضاف: (العسولي فقد زوجته وطفليه والآن يعيش صدمة الوجع وألم الفراق، لقد فرّ من غزّة المحاصرة والمعاناة التي تزداد قسوة يوما بعد آخر ليواجه موت الهجرة). ووصف عبده حادثة غرق المركب بأنها الأكثر بشاعة في السنوات الأخيرة، مؤكّدا أن العسولي واحد من عشرات الفلسطينيين الذين يتعرّضون لابتزاز من وصفهم ب (تجّار الموت)، وتابع: (نحن نتحدّث عن حادثتين في أقلّ من أسبوع، لقد باتت الهجرة بالنّسبة لكثيرين تجارة موت وعلى المسؤولين في قطاع غزّة وكافّة الجهات المعنية أن تتصدّى للهجرة غير الشرعية، فمن غير المقبول أن نسمع في كلّ مرّة عن غرق العشرات من الفلسطينيين وموتهم وفقدهم في البحر). وأعلنت منظّمة الهجرة الدولية أمس الأوّل أن نحو 400 شخص، بينهم عشرات الفلسطينيين، من الساعين إلى الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا اعتبروا في عداد المفقودين بعد قيام المهرّبين بإغراق السفينة التي كانت تقلّهم. ووفق عبده فإن العشرات من قطاع غزّة لا يزالون في عداد المفقودين وتمّ العثور على 8 ناجين فقط. وتحاول جهات فلسطينية رسمية وحقوقية معرفة مصير المفقودين والتصدّي لمحاولات التغرير بهم من قِبل المهرّبين. وسبق هذه الحادثة مقتل 15 فلسطينيا من قطاع غزّة لقوا مصرعهم مساء السبت الماضي، فيما تمّ إنقاذ 72 آخرين إثر غرق قارب كان يقلّهم قبالة شاطئ (العجمي) بمدينة الإسكندرية الساحلية بمصر في طريقهم إلى إيطاليا. 5 آلاف دولار مقابل الغرق في سواحل أوروبا نقلا عن مصادر مطّلعة فإن عشرات المواطنين الفلسطينيين غادروا قطاع غزّة مؤخّرا عبر الأنفاق الحدودية إلى مصر بعد أن حصلوا على وعود ب (الهجرة) إلى الدول الأوروبية عبر البحر. وأكّد بعض الفارّين من غزّة أن كلفة الوصول إلى أوروبا تبلغ نحو 5 آلاف دولار أمريكي للشخص الواحد موزّعة على تكاليف السفر والدخول إلى مصر، ثمّ الانتقال عبر المركب للتوجّه إلى إيطاليا والانتقال منها إلى دول أوروبية كالنرويج أو السويد أو بلجيكا، حيث يطلبون اللّجوء. ولا توجد إحصائيات رسمية بأعداد من هاجروا من قطاع غزّة إلى دول أوروبا، ورفضت وزارة الداخلية والجهات الأمنية بغزّة التعقيب على ظاهرة الهجرة أو الاتّهامات بأن من قام بتسهيل مهام عدد من الفارّين بعض التجّار المحسوبين على فصائل فلسطينية وجهات أمنية. واكتفى مسؤول -رفض الكشف عن اسمه- بالإشارة إلى أن الأجهزة الأمنية ستتصدّى لكلّ محاولات الهجرة والتغرير بالشباب وفق قوله، مؤكّدا أن الداخلية في الأيّام المقبلة ستنشر تفاصيل كاملة عن هذه الظاهرة. وكانت وزارة الداخلية في قطاع غزّة وعلى لسان المتحدّث الرسمي باسمها (إيّاد البزم) أشارت مؤخّرا إلى اعتقال عدد من المهرّبين وممّن يساعدوا الشباب على التهريب عبر الأنفاق ومن ثَمّ عبر البحر. وتنقل إحدى العائلات بغزّة عن ابنها الذي توفي غرقا أثناء تهريبه إلى إيطاليا ورفضت الكشف عن هويتها أن تجّارا للموت هم السبب في مقتل ابنها وغيره من المفقودين. وتروي العائلة عن أن صديق لابنها 25 عاما وصل بسلام قبل شهر إلى إيطاليا وقام بالتنسيق لسفره عبر قارب يحمل على متنه 60 شخصا. ويتحوّل القارب الذي يحمل 60 شخصا إلى كتلة ثقيلة تحمل المئات، ما يتسبّب في غرق القارب وفقدان من على متنه. تجّار الموت ومافيا التهريب يصل الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك لشهادات وثّقها هاربون على شبكات الأنترنت، فإن قوارب من المهرّبين تعترض مراكب أخرى وتقوم بإغراقها بسبب ما وصفوه (مافيا التهريب). ويرى طلال عوكل، الكاتب السياسي في صحيفة (الأيّام) الفلسطينية الصادرة من رام اللّه وسط الضفّة الغربية، أن هذه الظاهرة،التي وصفها بالنزيف يجب أن تتوقّف وفورا. وأضاف عوكل أن الحرب الإسرائيلية لم تكن هي السبب الوحيد في بثّ هذه الصور المؤلمة والبشعة، وأضاف: (الفلسطينيون في قطاع غزّة صمدوا خلال 51 يوما من القتل والتدمير وكانوا رائعين بثباتهم وصبرهم، وبعد الحرب انتظروا خطابا سياسيا يكافئ ما بذلوه من دم ووجع، لكن للأسف بدأت حركتا فتح وحماس في تبادل الاتهام وكلّ شيء عاد إلى الوراء، بل أسوأ ممّا كان). وشدّد عوكل على أن كافّة الفصائل الفلسطينية وفي مقدّمتها حركتي (فتح) و(حماس) جنبا إلى جنب مع حكومة التوافق مطالبين بالعمل الجادّ والسريع من أجل وقف هذه الظاهرة وإزالة الإحباط الذي تدفع أهالي قطاع غزّة إلى الخلاص الفردي والهروب من الموت إلى موت آخر.