بقلم: فايز رشيد الاستسلام هو: الخضوع لإرادة الغير، وهو استنكاف عن الطموح في تحقيق الأهداف سواء الشخصية المشروعة أو المجتمعية وعلى رأس أولوياتها: الوطنية التحررية بالطبع. الاستسلام معنى بشع في كل المجالات، سواء كان في معركة عسكرية، أو في الاستجابة لإملاءات العدو السياسية، أو الاستسلام للواقع السيء، للمرض، للفشل، للحزن وغيرها وهو يقود حتما إلى اليأس. الاستسلام هو من وجهة نظر البعض ينم عن ضعف في الشخصية، ينفي الكفاح في كل المجالات بالتالي فهو بعيد عن طبيعة الروح الإنسانية: كنهها وجوهرها ومضامينها. الاستسلام يحول الحالة العارضة ( كهزيمة في معركة ) إلى حالة دائمة. عديدون من الفلاسفة وعلماء النفس يعتبرون أن المنظّر الأساسي للاستسلام هو المذهب الوجودي الذي ارتبط بالمفكر والفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر من خلال دعوته إلى: الحرية التامة للفرد في التفكير بدون قيود، لأنه الأساس في الإرادة والاختيار، وذلك دون الحاجة إلى توجيه. باختصار: سارتر يضع اعتبارا كبيرا (للأنا) في الوجود الإنساني. عديدون من الفلاسفة ينكرون على سارتر الريادة في صياغة هذا المذهب الفلسفي ويوعزونه إلى (كيرغارد) باعتباره مؤسس المدرسة الوجودية. كثيرون يرون في الوجودية: دعوة إلى الخمول بكل معانيه، وتقوية للأنانية الفردية على حساب إشكاليات المجتمع الجمعية، وعدم الإيمان بالتعاون الاجتماعي، بل أن الوجودية تشكل تفسخا للمجتمع واستحالة أن تحقق أي إنتاج ذي طابع اجتماعي وأنها أداة للتفسخ الاجتماعي. في التعليق نقول: الاستسلام يبقى أولا وأخيرا ظاهرة فردية قد تتحول إلى تيار، ولكن لا يمكنها أن تكون الظاهرة الأبرز في الحس المجتمعي (المتطور بشكل طبيعي) للمجموع. أما الوضع في دولة الكيان الصهيوني ولأنه شارع ( وليس مجتمعا ) في تكوينه وتأسيسه القسري، ولم يأخذ منحى التطور كأي مجتمع آخر موجود، ولأن الصهيونية (العنصرية كما وصفها قرار الأممالمتحدة، وبالتالي لا بد وأن تكون عدوانية بالضرورة) فإن السمات الأغلب والأكثر بروزا لهذا الشارع هي: العنجهية، الصلف، العدوانية، العنصرية، الاستعلاء، التفوق (العرقي) المقصود: الديني لأنه لا وجود لمعان مثل: القومية، الشعب، المجتمع، الأمة في إسرائيل، بل كل الذي موجود هو: ديانة يهودية وبالتالي ما ينطبق على المجتمعات الأخرى لا ينطبق على هذا الشارع. بالتالي .. وفي ظروف معينة وفي إطار تاريخي محدد فإن الاستسلام قد يشكل ظاهرة عامة في دولة الكيان، لأنه لا انتماء تاريخيا أو حضاريا لمستوطنيه في الأرض الفلسطينية. لذا فإن تيار الاستسلام للواقع هو تيار أصحابه يعاكسون رغبة العموم من المجتمع، والذي بحسه العفوي لا يمكنه إلا أن يكون في الموقع الصائب تفكيرا، ونهجا، وصياغة للأساليب الكفاحية التي توصله إلى حقوقه الطبيعية في الحرية والديموقراطية والحقوقية الحياتية، واسترداد الضائع منها عن طريق الاحتلال. لقد أظهر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله أن هناك ازديادا لشعبية المقاومة في أوساط الشعب الفلسطيني وأن 86 من المستطلعة أراؤهم يؤيدون إطلاق صواريخ على الكيان الصهيوني إذا لم يتم إنهاء الحصار والإغلاق على القطاع . كما أظهر الاستطلاع أن الغالبية العظمى من الفلسطينيين في الضفة الغربية تريد نقل نهج المقاومة إليها كما هو الحال في غزة. الاستسلام يظهر لدى البعض أثناء المرض وبخاصة الإصابة بالأمراض الخطيرة: كالسرطان. ولكن يمكن مقاومته أيا كانت خطورته فالقوة الداخلية للإنسان قادرة على اجتراح المعجزات. الهدف الإنساني في الحياة مشروع تماما ولا معنى للحياة من دون هدف، وان الإشكالية الكبيرة، كما يقول بنيامين فرانكلين، : (المأساة لا تكمن في عدم الوصول إلى الهدف وإنما أن لا يكون هناك هدف للإنسان من الأساس). الاستسلام هو الذوبان في إشكاليات الذات، وهو التقوقع في إطارها المجرد بمعزل عن الوسط المحيط بكل ما فيه من مظاهر تفاؤلية كثيرة. قيمة الإنسان هي القدرة على خلق التفاؤل في وعيه، وتسييد هذه الحالة على سواها من الأفكار التشاؤمية. ولولا الأمل بما هو أجمل لما كانت هناك دوافع للحياة. والأخيرة هي وقفة عز أولا وثانيا وأخيرا. اليأس قاتل والأمل هو الحياة. بالفعل: ما أبشع الاستسلام بكل معانيه ومضامينه، وما أجمل الكفاح في سبيل إنجاز الأهداف والطموحات.