* مرضى يعيشون الجحيم ويموتون في كل لحظة ستحيي الجزائر وعلى غرار باقي دول المعمورة، اليوم العالمي للسيدا الذي يصادف الفاتح ديسمبر من كل سنة، وقد شددت الجمعية العامة للأمم المتحدة على ضرورة إحياء هذه المناسبة من أجل التوعية من مخاطر مرض الإيدز ومخاطر انتقال فيروس اتش آي المسبب له، والجدير بالذكر أن الجزائر ليست في مأمن من هذا المرض، فهي تحصي أزيد من 130 إصابة جديدة سنويا، وقد فاق عدد المصابين بهذا المرض 6000 شخص في بلادنا، ولكن الملفت للانتباه أن معظم حالات العدوى تنتقل عن طريق العلاقات الجنسية. عتيقة مغوفل أصبح يعرف المرض الخبيث انتشارا كبيرا في بلادنا فالإحصائيات التي تسجل كل سنة خير دليل على ذلك، إلا أن الكثير من المختصين في هذا المجال يرجعون هذا الانتشار الهائل له للعديد من الأسباب لكن أهمها العلاقات الجنسية في أطر شرعية يعني الزواج، أو خارج الأطر الشرعية يعني الزنا، وهي الطامة الكبرى رغم أن الدين الإسلامي حرم ذلك إلا أن عدم تمسك بعض الناس في رغباتهم الحيوانية قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه. يخونها وينقل لها عدوى المرض يعد مستشفى القطار للأمراض المعدية مرقد العديد من المصابين بفيروس السيدا، لأنه واحد من أهم الأقطاب الاستشفائية الذي يُعنى بهذا المرض في الجزائر، وحتى نتمكن من إنجاز موضوعنا تنقلنا إلى هناك عسانا نتمكن من لقاء بعض المرضى، وهو ما كان فعلا ولكن الجدير بالذكر أنه كان من الصعب أو المستحيل التقرب من هذه الفئة والتحدث إليها وذلك بالنظر إلى صعوبة وضعهم، فبمجرد النظر إليهم يشعرون بنوع من الحرج والخجل الشديدين، وذلك نظرا إلى مرضهم الخطير والميؤوس منه، سألنا بعض أحد عمال المستشفى أن يدلنا على أحد هؤلاء المرضى حتى ننجز عملنا، فدلنا على سيدة كانت جالسة في فناء المستشفى تطالع إحدى الصحف الوطنية، متمتعة بالجو الجميل، جلسنا بمحاذاتها وبعد برهة من الزمن وحتى نتمكن من التقرب منها منحناها جريدة بسبب ملاحظتنا اهتمامها بالمطالعة، وبدأنا نتبادل أطراف الحديث معها إلى أن وصلنا إلى بيت القصيد، وبدأت قصتها مع المرض الخبيث، فقالت أبلغ من العمر 37 ربيعا متزوجة من أحد أبناء الجيران منذ ما يقارب 15 سنة عندي معه ثلاثة أبناء، زوجي يعمل إطار في إحدى المؤسسات البترولية المتواجدة بالجنوب الجزائري، وهذا يعني أنه يبقى في مقر عمله لمدة 45 يوما ثم يأتي في إجازة إلى البيت لمدة 15 يوما، وقد اعتدت على هذا النمط من الحياة معه، ولكن ومنذ حوالي سنتين جاء زوجي إلى البيت في عطلة كالعادة ولكن هذه المرة كانت مغايرة لكل المرات السابقة فقد جاء هزيل البنية بشكل كبير، وكان في حالة مرضية خطيرة، قمت باصطحابه إلى المستشفى رفقة أحد أشقائي، في بداية الأمر وحين كشف عليه أحد الأطباء قال إنه يعاني من بعض التعب الزائد فقط، وطلب منه الراحة ووصف له بعض المقويات، إلاَ أنَ حالته المرضية كانت تزداد سوءا يوما بعد يوم، فاضطررنا لنقله إلى المستشفى مرة أخرى، هناك طلب منا الأطباء إجراء بعض الفحوصات له، التي كشفت أنه مصاب بالمرض الخبيث، فبعد ظهور النتائج مباشرة قام الأطباء بعزله في غرفة منفردة وأخذ أحدهم شقيقي على جنب وبدأ يتحدث إليه هناك فهمت أن الأمر سيء، حاولت أن أفهم الموضوع ولكن لم أتمكن حينها، وبعد أن أخذني شقيقي إلى البيت شرح لي الموضوع وأفهمني أن زوجي مصاب بالمرض الخبيث، لم أصدق في بداية الأمر، لكن بعدها قلت لا يمكن أن يكون كذلك فقد تكون العدوى قد انتقلت إليه في مكان عمله ومن أي شخص، في اليوم الموالي وحين انتقلت إلى المستشفى لزيارة زوجي المريض طلب مني الفريق الطبي إجراء بعض التحاليل خشية أن تكون العدوى قد انتقلت إلي منه، فعلا كانت تحاليلي إيجابية فقد كنت مصابة بالمرض الخبيث أيضا، حاولت أن أعرف أسباب إصابة زوجي فأخبرني الطبيب أن زوجي كان يقيم علاقات غير شرعية في مقر عمله مع بعض بائعات الهوى هناك، مما أدى إلى الإصابة بالمرض، ذهلت لما سمعت أن زوجي كان يخونني طيلة فترة عمله بالجنوب الجزائري، وقد دفعنا ثمن خيانته معا، لكني حمدت الله على شيء واحد، فكل أبنائي كانوا أصحاء فلم يصب أي منهم بالمرض الخطير، فآخر أبنائي سفيان يبلغ من العمر 6 سنوات، كان جسده سليما، فوالده لم يكن مصابا بالمرض حينها، وها أنا اليوم في المستشفى منذ حوالي سنتين كل يوم أحقن بمجموعة من الإبر لا أعرف حتى ما هي، لكن الشيء الذي يحز في نفسي بعدي عن أبنائي والخوف من الموت دون رؤيتهم وهم يكبرون في أحضاني . شفرة الحلاقة قضت على طموحاته وأحلامه بعد أن تركنا السيدة نسيبة تكابد قدرها المحتوم، التقينا بمحرز شاب في 30 من العمر هو الآخر مصاب بالسيدا ومنذ 6 سنوات، جاء لمستشفى القطار من أجل إجراء بعض الفحوصات الروتينية التي اعتاد إجراءها منذ أن أصيب بالمرض، فدلنا عليه أحد عمال المستشفى تقربنا منه وتكلمنا معه قليلا، كان خجولا بعض الشيء لأن مجرد الكلام معه في الموضوع يدمع عيناه ويجعله يحس بدنو أجله، تكلمنا إليه فقال كنت وكغيري من الأصدقاء مفعما بالحياة وأتوق إلى العيش أحلى عيشة، فحبي وطموحي كانا كبيرين في هذه الدنيا . عدنا وسألناه مرة أخرى لماذا قال كان، فكان فعل ماضي ناقص، ولا يمد للحاضر والمستقبل بأية صلة، فواصل حديثه قائلا الحياة بالنسبة إلي قد انتهت منذ سنة 2008 حين أصبت بالمرض الخبيث، فذات مساء قمت بالذهاب عند الحلاق حتى أحلق شعري، إلا أن هذا الأخير جرحني بشفرة الحلاقة ولم أمنح للموضوع أهمية ولكن وبعد مرور حوالي شهر عن الحكاية، بدأت أشعر بالمرض فقد بدأ جسمي يضعف يوما بعد يوم، وحين قصدت الطبيب وبعد أن قام بمعاينة وإجراء بعض الفحوصات الروتينية لي تأكد أني مصاب بفيروس السيدا، فسألني إن كنت على علاقة بإحدى الفتيات فأخبرته أنني إنسان ملتزم بأمور الشريعة الإسلامية وأعلم أن مثل هذه العلاقات محرمة شرعا، وبعد أن تأكد من صدقي قال إن العدوى تكون قد انتقلت لي من شخص أو عن طريق الدم فتذكرت حينها، حادثة الحلاق وبعد أن أخبرت الطبيب رجح الكفة على أن تكون هي سبب إصابتي بالمرض، إلاَ أنَ أثر الصدمة كان كبيرا عليَ فلم أصدق أن حياتي ستنتهي في يوم من الأيام، إلا أني مؤمن بقضاء الله وقدره وأعلم أنه سيعوضني عن مصابي هذا في الدار الآخرة . عقد واتهامات تطارد مرضى السيدا في الجزائر يبقى مرض السيدا من الطابوهات المسكوت عنها في الجزائر، حتى أن التلفظ بالكلمة هو عيب وعار عبر الأسر، وهي الأمور التي لا تخدم الجميع، حيث بات المصاب لا يفصح عن مرضه مما يسهل انتقاله إلى الآخر من غير أن يشعر، فإخبار الآخرين بالمرض هو ضرورة قصوى، إلا أن المريض يهاب من رد فعل الآخرين فيخفي المرض عنهم وهو مكمن الإشكال في انتشار العدوى وظهور إصابات جديدة، ووجب التنبيه إلى أن مريض السيدا ليس بالضرورة شخص مشبوه وغير سوي بل تتعدد أسباب الإصابة بالمرض بين الاشتراك في الوسائل الطبية غير المعقمة والحقن أو حمل الفيروس من الزوج المريض إلى غيرها من الأسباب الأخرى، فلا يجوز أن يكون حكمنا على مريض السيدا كحكم القناص على عدوه، بل وجب التخفيف من صراعه مع المرض، وإلغاء النظرة الدونية للجماعة. خ. نسيمة يطاردهم المرض وهم أجنة في بطون أمهاتهم 400 إصابة بالسيدا بين أطفال الجزائر سنويا جعلت هيئة الأممالمتحدة الفاتح من ديسمبر تاريخا لإحياء اليوم العالمي للسيدا، وذلك لتذكير البشرية بخطورته وكذا الإجراءات الوقائية للحد منه، ومع ذلك فإن المرض ينتشر يوما بعد يوم في كافة أرجاء المعمورة، وفي الجزائر على حد سواء، لكن المؤسف في الأمر هم الأطفال الذين يصابون بهذا المرض في سن مبكرة جدا، وذلك حين يكونون أجنة في بطون أمهاتهم فقد أحصت وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات قرابة 400 حالة إصابة بالسيدا في الجزائر لدى الأطفال سنويا، وهو رقم مرشح للارتفاع يوما بعد يوم وحتى نعرف كيف يتم التعامل مع هؤلاء الأطفال الذين يولدون بهذا المرض قمنا بالتقرب من إحدى القابلات السابقات بعيادة جيروندو للتوليد بباب الوادي التابعة لمستشفى محمد لامين دباغين المعروف بمايو سابقا، التي أوضحت لنا أن العيادة تستقبل الكثير من السيدات المصابات بمرض السيدا واللائي يوجهنَ من مستشفى القطار حتى يلدنَ بعيادة جيروندو ، هناك يتم استقبالهنَ وتوليدهنَ في غرفة العمليات التي تلد فيها بقية النساء، وبعد العملية يتم وضعهن في غرفة مخصصة لهن في الطابق الثالث، عدنا وسألناها عن الجنين الذي يولد هل يتم وضعه مع بقية الأطفال حديثي الولادة فأجابتنا بنعم يتم خلطه، وفي اليوم الموالي وبعد أن يتم إجراء الفحوصات اللازمة يعطى لوالدته، ليتم نقلهما فيما بعد إلى مستشفى القطار، سألناها عن مصير ذاك الطفل المصاب وعن حياته المستقبلية فأجابتنا أنه يتم الاحتفاظ به وبعناية في مستشفى القطار حتى تتابع صحته، كما أن مستشفى القطار هو المخول فيما بعد بإجراء جميع اللقاحات التي يجريها عادة الأطفال حديثي الولادة ويبقى متابع طبيا هناك إلى أن يكبر ويشرح له كيف يتعامل مع المرض. عدنا وسألناه القابلة مرة أخرى عن فرص الحياة لهؤلاء الأطفال؟، فردت علينا ليس كل من يصاب بهذا المرض يتوفى مباشرة ففرص الحياة تختلف من شخص لآخر، لكن الجدير بالذكر أن الكثير من الأطفال قد يتوفون بعد فترة من الزمن لأنهم في الكثير من الأحيان لا تستطيع أجسامهم الضعيفة أن تقاوم المرض.