بقلم: فايز رشيد أحد مقاييس تقدم المجتمعات هو، الموقف من المرأة. المرأة ما زالت تضرب جسديا في مجتمعاتنا، تهان، تعامل وكأنها قطعة أثاث. يجري إجبار بعضهن على الذهاب لخطبة الفتاةة مشروع الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة. اضطهاد ما زلنا نراه في العديد من المجتمعات العربية في القرن الواحد والعشرين. قد يقول قائل: لكن هذه الأحداث لا تشكل ظاهرة مجتمعية، وسرح البعض في خياله إلى حد المطالبة بما يسمى تحرير الرجل من المرأة . نقول لهؤلاء: أخرجوا من المدن لتروا مظاهر كثيرة من العنف والقهر والتمييز ضد المرأة العربية.. مع أن المظاهر السابقة موجودة حتى في المدن الرئيسية. نسبة الأمية في الوطن العربي تبلغ حوالي 35 ، أما نسبة المرأة الأمية فهي 55 من النسبة السابقة. أما أشكال العنف الممارس ضد المرأة العربية فهو يتراوح بين الجسدي مرورا بالاقتصادي والجنسي، وصولا إلى القانوني والسياسي والثقافي. بعيدا عن الخوض التاريخي في معرفة حقوق المرأة ، لكن يمكن التطرق باختصار إلى العنف الممارس ضد المرأة هبوطا، وحقوقها في ما بعد انهيارا، وصعودا في العملية الاقتصادية التاريخية. المرأة كانت لها السلطة العليا في المجتمع المشاعي البدائي، ولكن حقوقها أخذت في التآكل تبعا لتطور المجتمعات وصلب محرك علاقاتها الاقتصاديةة مع أنه كان المفترض العكس تماما، إلا أن الاستغلال الاقتصادي طال الرجل والمرأة، تدرجا ووصولا إلى المرحلة التي أصبح المتحكم فيها رأس المال بكل استغلاله وجشعه، مع انتباه لبعض الحقوق للمرأة، التي حوكمت في ما بعد من زاوية الاعتقاد النظري الأيديولوجي، وتصور دورها في المجتمع. اختلفت نظرة الشعوب إلى المرأة وفقا لعوامل كثيرة لا مجال للتطرق إليها في مقالة صحافية قصيرة. إن الانتباه لحقوق المرأة بدأ حتى من آلاف السنوات قبل الميلاد: شريعة أورنامو ، شريعة أشنونا في بلاد الرافدين، ثم 22 قانونا من 282 قانونا وهي مجمل شريعة حمورابي. تاريخياً، عانت المرأة العربية بشكل أقسى من الرجل في مجتمعاتها، فهي تعاني أولا، من الاضطهاد الممارس على عموم الشعب.. الذي لا بد أن يطالها أيضا، وفي أغلب الأحيان (إن لم يكن في كلها) إضافة إلى نظرة المجتمع الدونية لها، ومعاناتها من ظلم الزوج وعائلته، ومن والدها وشقيقها وعمها وغيرهم، الزوج الذي يتصور نفسه أنه الحاكم بأمر الله، والمرأة من وجهة نظره ليست أكثر من آلة للتفريخ، إضافة لقيامها بكل مهام البيت ولا مساعد لها إلاّ من بناتها تحديدا. المكلفات أيضاً بخدمة إخوانهن، لذا فإن المرأة العربية تعاني اضطهادا مركبا داخل العائلة وخارجها. * اضطهاد من كل جانب خصوصية المرأة الفلسطينية، أنها تعاني (إضافة لما سبق) أيضا اضطهادا قوميا بفعل احتلال وطنها، ومسؤوليتها المباشرة للمشاركة في تحريره. لقد خاضت المرأة العربية إلى جانب الرجل، معارك التحرر الوطني للشعوب العربية، على صعيد نضالاتها من أجل حرية واستقلال أوطانها، وإنجاز كافة المهام الوطنية الديمقراطية في بعض بلدانها، وفي أحيان كثيرة حملت وما تزال، السلاح إلى جانب الرجل حتى اللحظة في الساحة الفلسطينية. للأسف، فإن الكثير من الرجال، ممن يحملون شعارات المناداة بحرية المرأة، هم من أكبر ظالميها على صعيد البيت، فالتنظير يكون في العادةة للنساء الأخريات وأمامهن من أجل نيل إعجابهن، التنظير من الشخص نفسه، ليس لنساء بيته، زوجته وبناته وأخواته، وهنا يتحول إلى القمة في ممارسة الإذلال عليهن. هو لا يقبل لزوجته أو ابنته أو شقيقته ممارسة العمل السياسي الحزبي، مثلما ينظّر أمام الأخرياتة بما يعنيه ذلك من انتهازية وزيف حقيقي.. وانفصام بين الادعاء النظري والتقدمية التي يبديها في حياته، وبين التطبيق الفعلي لها، هذه الصورة تنطبق أيضاً على الكثير من قيادات وأعضاء الأحزاب العربية من الرجال، الذين يطلقون إلى جانب أسمائهم صفات: الوطنية، القومية، الوطنية التقدمية، الديمقراطية، التحررية، اليسارية وغيرها، هذه الأخيرة ما تزال تضطهد المرأة في بناها التنظيمية، رغم اغتناء منهجها النظري بعبارات المساواة بين الجنسين وبأقوال منظّري حقوق المرأة، بدليل قلة عدد النساء بين صفوف هذه الحركات والأحزاب، وندرة وصول المرأة إلى مراتب قيادية فيها. أيضاً للمرأة العاملة ظروفها القاسية في العمل، فالإدارات المسؤولة عن العمل وفي أحيان كثيرة، لا تراعي الواجبات الاجتماعية الأخرى للمرأة في أوساطها، باعتبارها أمّاً (مثلاً) ومسؤوليتها عن أطفال صغار، إضافة إلى مسؤوليتها عن مهام بيتية وحياتية أخرى. إن الكثير من التشريعات العربية لا تُعطي إجازة أمومة طويلة للمرأة العاملة، في الوقت الذي وصلت فيه التشريعات في الكثير من الدول الغربية، إلى مستويات متقدمة على هذا الصعيد، خاصة تشريعات الأممالمتحدة (ميثاق الأممالمتحدة المساواة بين الجنسين،إعلان مؤتمر المكسيك عام 1975، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1979، إعلان مؤتمر نيروبي عام 1985، إعلان الأممالمتحدة عام 2000 حول تعزيز المساواة بين الجنسين، إعلان عام 2010 حول تمكين المرأة، إعلان عام 2011: القضاء على العنف ضد المرأةة وغيرها). هذا لا يعني على الإطلاق اعتبار النموذج الغربي هو الأصح بالنسبة لحرية المرأة، ففي الغرب الكثير من المظاهر التي يجري تسويقها باعتبارها عوامل إيجابية بالنسبة لممارسة المرأة لحريتها، لكنها في حقيقة الأمر تحمل في مضامينها طابع اضطهاد المرأة، من خلال تسليعها كأداة ترويجية، والتهتك اللامحدود في ارتداء الملابس، والكثير من الممارسات الأخرى الشبيهة. نحن لا نعتبر مثل هذه الأشكال الملغومة الخاوية المضامين، حرية للمرأة.. إنها في حقيقتها اضطهاد مغلف بالسوليفان لها. في الواقع العربي أيضاً، وفي أوساط رجالية ونسائية، هناك تحريف واضح في فهم حقوق المرأة، من حيث محاولة التشبه بتلك المظاهر الغربية التي تطرقنا إليها، في تقديرنا أن هذا الفهم قاصر وخاطئ في مضامينه. في هذه المرحلة، نحن في أشد الحاجة إلى القضاء على كل مظاهر العنف والقهر والتمييز ضد المرأة العربية. كما نستذكر الشهيدات العربيات (في كل أقطارهن) ممن مضين على طريق التضحية من أجل بلدانهن وشعوبهن، نستذكر الأسيرات العربيات الفلسطينيات في سجون العدو الصهيوني. نحيي المرأة العربية: أمّاً وأختاً وزوجة وحبيبة ورفيقةة وقبل كل شيءة وجوداً.