مرّة أخرى تدفع الجزائر ضريبة اللاّ استقرار في ليبيا، حيث كانت السفارة الجزائرية في طرابلس أمس عرضة لتفجير إرهابي أسفر عن وقوع عديد الإصابات، في عملية إجرامية ليست الأولى من نوعها وتهدف دون شكّ إلى حمل الجزائر على تغيير رؤيتها السلمية بشأن الأزمة في هذا البلد الجار الذي تمتدّ طول حدودنا البرّية معه على مسافة ألف كلم، وهي الحدود التي تتمّ عبرها أغلب عمليات تهريب السلاح إلى الجزائر. أصيب عدد من الأشخاص بجروح جرّاء انفجار استهدف السبت مقرّ السفارة الجزائرية في العاصمة الليبية طرابلس، حسب ما ذكرت مصادر محلّية. وقالت مصادر متطابقة إن عبوة ناسفة انفجرت بالقرب من موقع حراسة أمام السفارة الجزائرية، ممّا أسفر عن إصابة 3 أشخاص بجروح. هذه العملية الإجرامية تؤكّد مرّة أخرى أن التواجد الجزائري في ليبيا بات (خطرا داهما) بفعل تنامي التهديدات والعمليات الإرهابية منذ إسقاط (الناتو) لنظام العقيد معمر القذافي، حيث سبق لسفير الجزائر في ليبيا التعرّض لمحاولة اختطاف من قِبل مسلّحين قبل أشهر من أمام منزله بقرقاس وسط طرابلس. حيث حاصر المسلّحون مقرّ إقامة السفير، وكذا مقرّ السفارة الجزائرية المحاذي له، قبل أن تتدخّل جهات أمنية وتهرّبهم إلى مطار طرابلس ثمّ تعيدهم إلى الجزائر بعد ذلك، في حين قرّرت الجزائر عقب الحادثة إغلاق سفارتها وقنصليتها العامّة في طرابلس بشكل (مؤقّت) بسبب (وجود تهديد حقيقي وداهم) على دبلوماسييها. ولعلّ الهدف الحقيقي من هذه العمليات الإجرامية التي تستهدف التواجد الجزائري في ليبيا بشكل خاص -حسب العديد من المختصّين في الشأن الأمني والسياسي- هو حمل الجزائر على تغيير موقفها الداعي إلى الحوار بين فرقاء الأزمة ونبذ العنف والانضمام إلى مساعي دول غربية في مقدّمتها فرنسا الرامية إلى التدخّل العسكري وما يحمله من مخاطر على المنطقة بأسرها، خصوصا الجزائر التي يبدو أنها الدولة الوحيدة التي تدفع ثمن موجة العنف في ليبيا، حيث تشير بيانات رسمية للجيش صدرت في عامي 2013 و2014 إلى حجز كمّيات كبيرة من السلاح الثقيل المهرّب من ليبيا. وكانت تحقيقات أجهزة الأمن الجزائرية قد أكّدت أن عملية احتجاز الرهائن الشهيرة في مصنع الغاز في منطقة تيفنتورين بعين أميناس، جنوب شرقي البلاد، مطلع العام 2013، والتي أسفرت عن مقتل 38 رهينة أجنبي استعملت فيها أسلحة مهرّبة من ليبيا. وفي المقابل، تقود الجزائر جهودا دبلوماسية حثيثة لحلحلة الوضع المضطرب في الجارة الشرقية من خلال مبادرتها للحوار بين فرقاء الأزمة، والتي باركتها أطراف دولية عديدة وتبنّاها اجتماع مجلس الوزراء العرب مؤخّرا. في السياق، أبدى وزير الخارجية رمطان لعمامرة أمس ارتياح الجزائر للقرار الخاص بليبيا، والذي الذي سيعالج تدهور الأوضاع، خاصّة دعم الشرعية الليبية ومؤسسات الدولة وبناء مفاصلها التي تفكّكت على مدار الأعوام الماضية. وأضاف لعمامرة في حوار لصحيفة (الشرق الأوسط): (من المهمّ أن نقف جميعا خلف الحلّ السلمي من خلال الحوار الوطني الشامل والتوافق بين كلّ الأطراف الليبية التي تنبذ العنف ودعم الجهود التي تبذلها دول الجوار لمعالجة الأزمة ببعديها السياسي والأمني ومساندة المبعوث الدولي برناردينو ليون وتقديم الدعم اللاّزم للحكومة الليبية من أجل الإسراع في عملية إعادة بناء وتأهيل مؤسسات الدولة). ومن جهته عاد نائب رئيس البرلمان العربي نور الدين السد إلى صحّة الموقف الجزائري الداعي إلى اعتماد الحوار السياسي كحلّ جوهري لحلّ النّزاعات في الدول العربية ودول الجوار ورفض أيّ تدخّل أجنبي مهما كانت صورته لأنه أثبت فشله في الميدان وأكبر دليل على ذلك ما يحدث في ليبيا وسوريا والعراق ومالي. وقال الدكتور السد الذي نزل ضيفا على القناة الإذاعية الأولى أمس إن تمسّك الجزائر بموقفها نابع من مرجعيتها الثورية ومن تجربتها المريرة خلال فترة العشرية السوداء، حيث استطاعت تجاوز أزمتها بفضل رفضها تدخّل أيّ طرف أجنبي، مضيفا أن الجزائر تعمل على أن يكون الحوار هو المبدأ الأساس لحلّ أيّ نزاع.