بقلم: أحمد برقاوي.. تدل كلمة الغباء في العربية على الخفاء وعلى عدم الفطنة، وتواضع الناس على إطلاق صفة الغباء على من لا يفكر تفكيراً عقلياً. غير أن للغباء أصنافاً عدة، كالغباء الخلقي، وهو غباء ناتج عن علة بيولوجية خلقية دماغية، حيث يكون عمر صاحبه العقلي أقل بكثير من عمره الزمني. وهذا النوع من الغباء لا سبيل للشفاء منه، وليس لصاحبه ذنب فيه. والغباء المنطقي أحد أصناف الغباء المضرة، إذ يعود هذا الغباء على صاحبه بالضرر، وعلى الآخرين بدرجة أقل، لأن المصاب بهذا الغباء غير قادر على معرفة العلاقات السببية، وليس لديه قدرة الاستدلال والاستنتاج، فيرتكب الحماقات بحق نفسه وحق الآخرين، والحق أن الإنسان في حياته اليومية ليس بحاجة لأن يتعلم المنطق وقواعده، فالفطرة السليمة والخبرة الحياتية كافية لاستيعاب المنطق وفهم الأمور وفق البديهة المنطقية. أما الغباء العلمي فهو غباء ناتج عن نقص في المعرفة العلمية العامة، أو عن رفض نتائج العلم تعصباً لمعرفة عادية أو أفكار مسبقة، أو لخبرة عامية متوارثة. وهذا الغباء يقل شيئاً فشيئاً في المجتمعات بسبب انتشار التعليم ووسائل الاتصال المعرفية، حتى يكاد يتلاشى في بعض المجتمعات، غير أن الذكاء العلمي ليس مجرد معرفة بالعلوم، وقراءة آخر منجزات المعرفة العلمية، وإنما هو تحول العلم إلى وعي علمي بالحياة، وتحول العلم إلى طريقة في التفكير. تكمن خطورة الغباء العلمي في اغتراب الإنسان عن روح العصر ومنجزات العلم، وفقدان المتعة في نتائج العلوم التي تضع العالم بين أيدينا كتاباً مفتوحاً. وقد لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة الغباء التاريخي، وهو نمط من النكوص المرضي يصيب الجماعات والأفراد على حد سواء، ومن أهم مظاهره الاعتقاد أن التاريخ يمكن أن يعود إلى الوراء، أو أن الماضي يمكن أن يرجع إلى الحاضر، وهو نوع من الغباء الأيديولوجي، وإن خطورته تزداد إذا انتقل من غباء فردي إلى غباء جماعات تريد أن تكسر رأس التاريخ عبر العنف المسلح. ولا بد من الإشارة إلى نوع من الغباء، الذي يؤدي إلى العياء، ألا وهو الغباء المصلحي، فقوة المصلحة تنسي المرء والفئات الحد الأدنى من المعقولية في طريقة تحقيقيها، فيقع المرء وتقع الجماعة في حالة من اللاعقلانية التي قد تؤدي إلى ضياع المصلحة نفسها. وبخاصة إذا لم يلتفت أصحاب المصالح إلى الشروط الموضوعية في سعيهم إليها. وتزداد خطورة الغباء المصلحي عندما يسود مبدأ تحقيق المصلحة الخاصة حتى ولو كانت على حساب مصالح الآخرين ومن دون النظر إلى قيمة الإنسان. ويتحدث علم النفس عن الغباء العاطفي، وهو حالة من التبلد العاطفي تجاه الآخر، وافتقاد شعور التعاطف والحب، الذي قد يصل بصاحبه إلى حد ارتكاب الجريمة من دون أن يرف له جفن. والحق، إن الغباء العاطفي غباء خطر على الحياة لأنه متصل بالعلاقة مع الآخر، وهذا النوع من الغباء حاضر في حياة المجرمين. أما الغباء السياسي فهو الخطر الأخطر والشر المستطير لأنه يصدر عن أهل الحل والعقد، الذين بيدهم القدرة على اتخاذ القرارات السياسية. وبالتالي فالسلوك الصادر عن الغباء السياسي بأخطائه الكبيرة قد يجر الدمار على الأوطان. والشواهد على آثار الغباء السياسي أكثر من أن تحصى. فإذا كان كل نوع من أنواع الغباء الآنفة الذكر تحمل في نتائجها خطراً على الحياة فكيف تكون الحال إذا اتفقت واجتمعت كلها في شخص واحد أو جماعة واحدة؟!