يعتبر زواج الأقارب من ضمن الظواهر التي لا زالت تفرض وجودها بقرى ومداشر الجزائر، أمام تمسك الكثير من الأسر الجزائرية المحافظة بعادات تفرض على أبنائها الزواج بمن تربطهم نفس صلة الدم. يحمل زواج الأقارب حسب الأطباء خطورة إصابة الأبناء بتشوهات خلقية أو إعاقة ذهنية مستقبلا، إلا أن الجزائريين لا زالوا يتمسكون بعادة الزواج بأبناء العم أو الخال وأمام الإحصائيات المسجلة فإن الجزائر لازالت تتربع على عرش البلدان المغاربية الأكثر إعتمادا على زواج الأقارب حيث أكدت الدراسات أن هذا النوع من الزواج ينتج عنه ألف مصاب بمرض “التريزوميا” أو ما يطلق عنه بالعامية بالمنغوليين أي بمعدل 6 ألاف حالة جديدة كل سنة، خاصة أن الأسر المحافظة بقرى الجزائر تفضل التماشى على خطى التقاليد التي تفرض على أبنائها الزواج من نفس الأسرة، ضاربين عرض الحائط بخطورة الأمر على أحفادهم مستقبلا، في المقابل فإن هذا الزواج يخلف ألاف الأطفال المصابين بإعاقات وأمراض خطيرة، حيث تدفع تلك الوجوه البريئة أخطاء الكبار فأمام غياب الوعي يظل هذا الشبح يطارد الأسر الجزائرية التي غالبا ما تخوض تجربة زواج فاشلة يكون الطفل ضحية لها، حيث لازالت تلك الظاهرة تجتاح عروش القبائل والمناطق الداخلية مما يتسبب في ولادة ألاف الأطفال بتشوهات خلقية وذهنية، هذا ما دفعنا لزيارة بعض الأسر التي لا زالت تمشي على خطى أجدادها كما تجد أنه من المستحيل زواج أبنائها من خارج العائلة، فمن بين هؤلاء أسرة تقطن في العاصمة، علمنا منها أنها تنحدر من إحدى مدن القبائل، حيث عبّر رب الأسرة عن وجهة نظره بصراحة، وقد أكد لنا أن تقاليد دشرته تفرض عليه أن لا يتزوج أبناؤه من خارج العائلة، وعن المخاطر الصحية لزواج الأقارب فيقول أنها لاتهمه بقدر انه يحرص أن يتمسك بعادات منطقته. زواج الأقارب بين مؤيد ومعارض إن نمط التعارف القديم بين الشاب والفتاة المقبلين على الزواج كان يتم سابقاً عن طريق الأهل، حيث تقوم الأم بالبحث عن الزوجة المناسبة من خلال القريبات أو الجارات ثم الأبعد، وكان العرف القائم أن (ابن العم أولى بابنة عمه) بمعنى أن الأسرة كانت تشجع على الزواج ضمن العائلة الواحدة حفاظاً على الملكية والميراث، وكذلك بسبب المعرفة الكافية بالشخص فمن تعرفه خير ممن تتعرف عليه -حسب إعتقادهم-، لكن بالرغم من التطور العلمي والاجتماعي الذي عرفه المجتمع الجزائري، إلا أن بعض الشباب باتوا يفضلون هذا الزواج كونه الخيار الوحيد للتخلص من تكاليف الزواج وهو ما جعل زواج الأقارب يفرض وجوده، حيث قمنا برصد وجهة نظر شباب اليوم بمسألة الإرتباط من الأقارب، حيث أرجع لنا شباب المناطق الداخلية سبب تمسكهم بالزواج من أقاربهم إلى تقاليد والديهم القديمة التي تجبرهم على الإرتباط بمن يختارونها لهم من أقاربهم حيث باتوا لايستطيعون الإرتباط بأشخاص يعجبونهم من خارج العائلة. شباب يفضّلون زواج الأقارب رغم ما يشاع من سلبيات زواج الأقارب ونتائجه المستقبلية فيما يتعلق بصحة الطفل فيما بعد، إلا أن هذا الزواج لايزال ينظر له من الناحية الاجتماعية نظرة مختلفة من قبل نسبة معينة من فئات بالمجتمع الجزائري، حيث يرى أحد الشباب أن الزواج من إحدى قريباته يجنبه عناء البحث عن بنت “الفاميليا”. كما أضاف أنه نادرا ما يعثر الشاب على فتاة تتمتع بأخلاق وتربية بمجتمع ينتشر فيه الإنحلال الأخلاقي للفتيات، في حين يقاسمه الرأي الشاب مراد، الذي يقول في هذا الزمن الذي تنحدر فيه الأخلاق نحو الهاوية وما نسمعه من ممارسات غير صحيحة في علاقات الحب بين الطرفين، أصبح كثير من شبان هذه الأيام يفضلون الزواج ممن يعرفونها وغالباً ما تكون من الأقارب، حيث يكون الشاب على علم كاف بتلك الفتاة حول طريقة تربيتها وسمعتها، وأظن أن وجود صلة القرابة والصلة الزوجية تجعل الروابط أوثق بين الشريكين، فلا يقسو الزوج على زوجته، وهي أيضاً تبقى محافظة على بيتها وزوجها، فالدم لا يصبح ماءً مهما اشتدت الظروف، ولكن شريطة أن تكون الفتاة المختارة مناسبة كي تشاركه حياته. قرويون تحت قيود زواج الأقارب لازالت العادات السائدة بمداشر وقرى الجزائر، تفرض قيودا على شباب اليوم حيث بات إجبار الأبناء على الزواج بأقاربهم أمرا لا رجعة به بأسر محافظة لا زالت تقيّد من حرية أبنائها، كما يعتبر الزواج من خارج العائلة من الخطوط الحمراء التي لا يمكن لأبناء الدشرة تعديها، ففي إحدى قرى تيزي وزو تعرف الظاهرة إنتشارا ملحوظا، حيث علمنا أن مسألة الزواج من خارج العائلة شيئا ممنوعا في المقابل تأكدنا أن زواج الأقارب بات يشكل خطرا على أطفال إحدى القرى القبائلية، أمام تنامي عدد الأطفال المصابين بالإعاقات البدنية والجسدية، وهو ما جعل أبناء المنطقة يطلقون عليها قرية “ليمونغول” كونها تحتوي على نسبة كبيرة من المعاقين ذهنيا، هذا ما دفعنا للقيام بجولة إلى تلك القرية حيث كشفنا أن أغلب قاطنيها هم أزواج من عائلة واحدة خاصة وأنهم يتمسكون بتقاليد متوارثة أبا عن جد، وبعد زيارتنا لإحدى المنازل بالمنطقة علمنا من إحدى السيدات أن زواجها من قريبها نتج عنه ثلاثة أطفال مصابين أحدهم مكفوف وإثنان مصابانن بإعاقة ذهنية. فتيات في حجز أعراف الزواج بعض العائلات لا تزال تؤمن بتزويج الفتاة وحجزها لابن عمها منذ ولادتها وتظل على اسمه حتى يكبران، ويعد ذلك التصرف بمثابة حصانة للفتاة ضد الزواج من أي رجل غريب عن العائلة، فلا يجرؤ أحد أو يفكر في طلب يدها للزواج، فهي من حق ابن عمها وحده، ولكن قد يحدث في بعض الأحيان تغير في مشاعر أحد الطرفين أو كلاهما تجاه بعضهما البعض عندما يصبحان في سن الزواج، ويشعران أنهما لا يصلحان كزوجين ويستحيل أن يجمعهما سقف واحد، ولا تفيد محاولات الأهل في تقريبهما إلا زيادة في النفور لعدم قدرتهما على تخطي مشاعر الأخوة التي جمعتهم منذ الولادة وكبرت معهم، فقد علمنا أن الشابات القاطنات بالمداشر مقيدات بتقاليد قديمة لا تسمح لهن بالزواج من خارج العائلة أو العروش، فقد أكدت لنا إحدى الشابات المنحدرة من عروش القبائل، أن عائلتها قد أجبرتها على الإرتباط بابن عمها بالرغم من أنها لا تشعر تجاهه بأي علاقة عاطفية، وهو ما حول حياتها الزوجية إلى جحيم، حيث أضافت أنها أنجبت أطفالا مختلين عقليا. رأي الطب في زواج الأقارب أثبتت الدراسات العلمية والميدانية وجود علاقة ترابطية بين حدوث إعاقات جسدية، في حال وجود صلات قربى شديدة على مستوى أنساب الزوجين، وهذه الإعاقات تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق كروموزومات الخلية التناسلية، ويكون عامل الوراثة متنحياً أو كامناً ولا تظهر آثاره مباشرة، وقد لا يورث التخلف مباشرة بل يورث نوعاً من المرض أو الخلل أو الإصابات التي تنتقل إلى الجنين من أحد والديه أو كليهما، كما أن زواج القربى له أثر في زيادة احتمال إصابة الأبناء بأمراض كثيرة مثل كف البصر والصم وأمراض نقص المناعة الخلقية، تصبغات الجلد، وبعض أنواع التأخر أو التخلف العقلي، الاجهاضات المتكررة، العقم، التلاسيميا، أمراض القلب. السكري، ارتفاع التوتر الشرياني، التشوهات الخلقية كقصر القامة وغيرها، وهذا ما يؤكد حتمية وأفضلية الابتعاد عن زواج الأقارب والتفكير ملياً قبل الإقدام على هذا الزواج، لأن ذلك غير صحي على الإطلاق. في حين تعد أمراض الدم من الأمراض الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب أو إصابة أحد الأبوين بهذه الأمراض المتمثلة بمرض فقر الدم المنجلي “S.C.A” ومرض التلاسيميا المنجلية، وغالباً ما يكون الأبناء هم الضحية حيث يصابون بمرض فقر الدم المنجلي، والذي بدوره يؤدي إلى تكسرات الدم مما يجعل الطفل بحاجة ماسة إلى الدم طوال حياته إذا قدر له أن يعيش بحسب النهاري في سياق حديثه أن هناك في جمعية أصدقاء مرض الدم ما يزيد عن 3000 حالة مصابة بمرض تكسرات الدم أغلبهم من الأطفال، أعمارهم من الشهر السادس وحتى العشر سنوات. وأرجع المختصون سبب هذا العدد الهائل من الأطفال المصابين لعدم قيام الأبوين بالفحص الطبي قبل الزواج، خاصة إذا كان هذا الزواج من الأقارب. زواج الأقارب يخلف أمراض وراثية إن أهم العوامل التي تساعد في نجاح مؤسسة الزواج، هو أن يتم بين شخصين يحملان أو يملكان المؤهلات الصحية والاجتماعية ضماناً لنشوء أسرة يتمتع أفرادها بالصحة، وهناك معايير تلعب دوراً هاماً في عملية اختيار الزوجين، إلا أن مشكلة زواج الأقارب تنجم عنها العديد من المشكلات الصحية والأمراض الوراثية التي يصعب في معظم الأحيان تصحيحها أو الشفاء منها، وثمة العديد من الدراسات الطبية الميدانية التي أظهرت مؤخراً أن نسبة المعوقين الذين توجد صلة قرابة بين والديهم هي شبه كبيرة وفي دراسة أخرى لوضع المكفوفين تبين أن نسبة 25% من المكفوفين كان كلا أبويهم أبناء عمومة ومن كان كلا أبويهم أبناء خالة بلغت نسبتهم 6%، وهذا ما يؤكد حقيقة هامة وهي أن زواج القربى له أثر في زيادة احتمال الأبناء بكف البصر والإعاقة والتخلف العقلي والصم والبكم وقد ثبت علمياً أن 5 %من الأمراض الوراثية تنتقل وراثياً كتكسرات الدم، السكري، الضغط، الصرع، التشوهات الخلقية، ولذا يجب أولاً الفحص الدوري للعائلة وكذلك للمتزوجين من الأقارب. في حين يرى أطباء الأطفال أن زواج الأقارب يزيد من إحتمال إلتقاء الموروثات المقهورة مما يؤدي إلى التشوهات الخلقية، كما أضافوا أن تلك الموروثات لا تظهر إلا إذا إلتقت بموروثات مقهورة أخرى مصابة بنفس المرض الذي يسمى بالوراثة الجسمية بما أن الأقارب لهم نفس الجد والذي يعد هو الشخص المسؤول عن توزيع الإصابة على الأحفاد التي تلتقي فيما بعد، مع تكرار زواج الأقارب مما يؤدي إلى العديد من التشوهات الخلقية سواء القلبية أو السمعية إضافة إلى إحتمال ولادة أطفال مكفوفين، في حين كشفوا أن الزواج من غير الأقارب يعطي فرصة للطفل بأخذ موروثات متنوعة وغير مشابهة، وهذا له دور كبير من ناحية التقليل من الإصابة بالأمراض. أسباب إجتماعية وراء زواج الأقارب من جهة أخرى يؤكد المختصون أن زواج الأقارب يحمل في طيّاته سلبيات وإيجابيات، لكن السلبيات تطغى على الإيجابيات خاصة وأن زواج الأقارب تنتج عنه مشاكل نفسية واجتماعية، الأمر الذي يؤدي أحياناً إلى تفكك الأسرة في حالة وصول الزوجين إلى الانفصال، حيث تنعكس ايجابيات زواج غير الاقارب على المجتمع، إضافة إلى البعد عن المشاكل العائلية التي قد تنشأ بين الزوجين في كثير من الأحيان وتصل إلى مشاكل وخلافات داخل العائلة الواحدة، الأمر الذي يزيد المشكلة سوءا فبدلا من أن ينحصر الخلاف بين الزوجين يتطور ليشمل ويطال العائلة بأكملها، ولذلك فإن زواج الأقارب غير محبب اجتماعيا خاصة وأن أغلب زواج الأقارب مبني على المصلحة المادية التي ترفع باسم الملكية، مما يؤدي إلى خصومات تقوم بين عناصر الأسرة الواحدة فتؤدي إلى قطع صلة الرحم. لذا فقد تبين لنا خلال إجراء هذا التحقيق، أن مواقف أغلب الفئات الاجتماعية من مسألة زواج الأقارب تجسد واقع التخلف والجهل الذي تعاني منه كثير من العائلات القروية، وخاصة تلك التي تعاني من انخفاض في مستوى الوعي الفكري والصحي، مفضلين التماشي مع العادات على حساب صحة أطفالهم. كما أن موقف التهاون واللامبالاة يظهر في رفض غالبية الأشخاص وكذا تهربهم من تنفيذ نصائح الأطباء، التي تنص على ضرورة ابتعاد شباب اليوم عن الزواج من أقاربهم وذلك لحماية الجيل الجديد من احتمال الإصابة بالإعاقة.