بقلم: محمد قروش مشهد غزّة الفلسطينية هذه الأيّام أكثر سوادا من أيّام الحرب التي عاشتها منذ نصف عام مضى، فمظاهر الحصار والإذلال والتجويع تكاد تكون هي المشهد اليومي لأبناء غزّة الذين بعد أن حصدت منهم آلة الموت الصهيونية أكثر من ألفي شهيد، أغلبهم من الأطفال والشيوخ والنّساء ودمّرت بيوتهم ومدارسهم ومساجدهم فوق رؤوسهم ما يزالون يعيشون أسوأ الأحوال في شتاء بارد دون سقف أو طعام أو عون أو شفقة من الغرب أو من العرب. فالأخبار الواردة من هناك تشير إلى أن منظّمة الإغاثة التابعة للأمم المتّحدة نفضت يديها هذا الأسبوع من مسؤولية مساعدة اللاّجئين الذين دمّرت ديارهم أثناء الحرب، مبرّرة ذلك بتراجع الدول المانحة عن الوفاء باِلتزاماتها التي وعدت بها لإعادة الإعمار، مؤكّدة أن الظروف الحالية في غزّة وصلت إلى أقصى درجات البؤس والانهيار منذ العدوان الأخير، يضاف إلى ذلك الحصار المهين الذي تفرضه إسرائيل ومصر على المعابر وغلقها بشكل دائم وعدم السماح بدخول المساعدات الدولية، وهو ما يقتل مزيدا من الفلسطينيين كلّ يوم. وقد دفع هذا الوضع اللّجان الشعبية والدولية للاّجئين إلى دقّ ناقوس الخطر ودعوة العالم إلى تحمّل مسؤولياته الإنسانية اتجاه ما يعيشه أبناء الشعب الفلسطيني من معاناة تزداد يوما بعد يوم، معتبرة أن تلكّؤ العالم في تقديم المساعدات وإعادة إعمار غزّة أدّى إلى زيادة البؤس والعوز وأصبح ينذر بانفجار لا يتوقّع أحد مداه، مشيرة إلى أن حالة الإحباط والغضب اكتسحت كافّة الفئات الاجتماعية دون استثناء. ويبدو أن العالم بمختلف منظّماته الدولية والعربية والإسلامية يقف اليوم متفرّجا على ما يحدث في فلسطين من حصار وتجويع ودمار بعد أن كانت كثير من الدول قد وعدت بعد وقف العدوان بمنح مساعدات لإعادة الإعمار لكنها سرعان ما تراجعت عن ذلك تحت مبرّرات واهية عديدة، منها عدم التوافق الفلسطيني بين الضفّة والقطاع وغياب حكومة وطنية لتسيير المساعدات، وكذا عدم الاتّفاق على تسيير المعابر المؤدّية إلى الضفّة والقطاع، وهي في مجملها تبريرات واهية تصبّ كلّها في اتجاه المخطّط الصهيوني الغربي والعربي لقتل ما تبقّى من الفلسطينيين وتجويعهم من خلال مشروع ممنهج يهدف إلى تكسير عزيمة الفلسطينيين وتشريدهم ودفعهم إلى الهجرة من أجل إخلاء الأرض من أصحابها وبالتالي القضاء على المقاومة وتمرير المشروع الاستيطاني الصهيوني الكبير. وقد أسهمت الدول العربية والإسلامية في هذا المخطّط بشكل كبير من خلال انسحاب فعلي لجامعة الدول العربية ومنظّمة التعاون الإسلامي ولجان الدفاع عن فلسطين من تحمّل مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية وتجاهلها لواقع الفلسطينيين واكتفائها ببعض (الصدقات) والتبرّعات الشحيحة دون اللّجوء إلى الضغط على الدول المانحة وحملها على الوفاء باِلتزاماتها لإعادة إعمار غزّة ودفع الكيان الصهيوني إلى فكّ الحصار المهين على الفلسطينيين. ولا شكّ أن الدور المصري قد زاد من تعقيد الأوضاع وخنق قطاع غزّة من خلال غلق معبر رفح الذي يعدّ الرئة الوحيدة التي يتنفّس من خلالها القطاع، وهو ما أدّى الى توقّف كلّ مشاريع المساعدة والإعمار، بل اكثر من ذلك أصبح النظام المصري يمارس نفس سياسات إسرائيل في التنكيل بأبناء الشعب الفلسطيني واعتبار هيئاته الشرعية مثل (حماس) وكتائب القسّام (منظّمات إرهابية) لتغلق كلّ المنافذ والمعابر على الفلسطينيين الأبرياء، ليتواصل القتل الجماعي وسط صمت وتواطؤ دولي وعربي وإسلامي على أكبر هولوكوست يعيشه التاريخ.