إعداد: أبي عبد العزيز منير الجزائري الحَمْدُ لله الَّذِي مَنْ توكَّل عليه كَفَاه، ومَنْ طَلَب الشِّفَاء منه شَفَاه، ومَنْ عَمِلَ بالأَسْبَاب النَّافِعَة صَلُح دِينُه ودُنْيَاه. وأشهدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَه ولا رَبَّ سِوَاه، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسُوله وَمُصْطَفَاه، اللَّهُم صَلِّ وَسَلِّم عَلى مُحَمَّد وَعَلى آله وَأَصْحَابه، وَمَنْ اهْتَدى بِهُدَاه. أما بعد: فهذه صَيْحة نَذِير وصَرْخَة تَحْذير في بيان أهمّ علامات السَّحرة والكُهَّان الَّذِين أَصْبَحَت سلعتهم رائجة بين الناس في زمن قلَّ فيه العلم و كَثُر فيه الجهل بالدِّين، وأصبح كثير من الناس بين الحق والباطل لا يفرِّقُون، بل بالذهاب إلى السَّحرة والعرَّافين يسارعون، فلحياة إخوانهم يدمِّرُون. فالمُهمُّ عندهم تَحْصِيل المَرْغوب ودفع الكُروب ولو بالكفر وكبائر الذُّنُوب، والشِّرك بعلَّام الغُيُوب والعياذ بالله. إخواني في الله: * إنَّ السّحر مِنَ السّبع المُوبِقات: أي المُهْلكات التي تُهلك صاحبها في الدُّنيا والآخرة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ عَنِ النَّبِيِّ _ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ) رواه البخاري (2766)، ومسلم (89). * وهو مِنْ نواقض الإسلام، * فالسَّحَرة والكهَّان والعرَّافُون مِعْوَل هدمٍ في المجتمع: لعقائد النَّاس يهدمون، ولأموالهم يسرقون، وللشحناء والبغضاء ينشرون، فقد ورد الوعيد الشَّديد والتَّهديد الأكيد في حق مَنْ أتى عرَّافًا أو كَاهِنًا ولو لمجرَّد السُّؤَال: فعَنْ صَفِيَّةَ ف عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ _ عَنِ النَّبِيّ _ قَالَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) رواه مسلم (2230). * أما من صدَّقهم فقد كَفَر و خَرَج من دائرة الإسلام، والعياذ بالله. قال النبي: (مَنْ أَتَى كَاهِناً، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُول؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّد) (السلسلة الصحيحة) (3387). * والآن مع بيان علاماتهم : السَّاحر والكاهن والعرَّاف ومَنْ هم عَنْ شاكلتهم (المُنَجِّم الشُوَّاف، الحَازي، القَزَّان، الشَفَّاي). تنبيه: لا يُشترط أَنْ تتوفَّر فيهم كُلّ هذه الصِّفات. o أَنْ يسأل المَريضَ عَنْ اسمه واسم أمِّه، وأحيانا قَدْ يُخبر السَّاحرُ والكاهنُ الشَّخص باسمه، أو اسم أمِّه، أو البلد الَّذي جاء مِنْها أو المشكلة التي جاء من أجلها (باش يظن بلي يعرف الغيب، وفي الحقيقة الغيب ما يعلمه إلا ربي سبحانه)، وكلّ هذا بالاستعانة بالجنِّ والشياطين. o أَنْ يطلب حيوانًا بصفة مُعيَّنة. o أَنْ يطلب الدَّم مِنْ ذبيحة تُذْبح ولا يُسَمَّى عليها، ويُلَطَّخ الدَّم في أماكن الألم للمريض، أو يأمره أَنْ يرمي الذَّبيحة في أماكن خربة أو عنْد حجر أو شجر. وقد يقول له: اذبح للجنّ الفلاني حَتَّى يدعك ويرضى عنك، وقد قال النَّبي: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ) رواه مسلم (1978). o أَنْ يأمره أَنْ لا يمسَّ الماء لفترة مِنَ الزَّمن (أسبوعا أو شهرا..) ولو أَصَابَتْه جنابة. o أَنْ يأمره أَنْ يَعْتَزل النَّاس فترة معيَّنة في غرفة مُظْلِمة (تسمى عنْدَ النَّاس بالحجبة). o أن يطلب أَثَرًا مِمَّن يأتي إليه، كثوب، أو ملابس داخلية أو مشط أو أظافر أو شعر أو صورة. o كتابةُ الطَّلاسم أو الرموز أو الحروف المقطَّعة أو الأرقام أو المربَّعات أو الدَّوائر، عِلمًا أنَّ لكلِّ رمز معنى معيَّنا. o إعطاءُ المريض حِجَابا منه الصَّغير والكبير، يكون بشكل مثلَّث، أو مربَّع يُلَفّ في جلد أو قطعة فضة، ويكون بداخله استغاثات شركيَّة، وأرقام أو حروف وقد يأمره السَّاحر أَنْ يعلِّقَه في عنقه أو في عضده أو يضعه تحت وسادته (وفي بعض الأحيان قد يجعل معه شيئا مِنَ القرآن للتَّلبيس(باش يكلخ لهم ولإهانة القرآن والعياذ بالله)، والنبي _ يقول: (مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ) (السلسلة الصحيحة) (492). o إعطاء خيط من صوف أو حبل به عقد. o يُعْطِي المريض أشياء يدفنها في الأرض. o يُعْطِي المريض أوراقًا بها طلاسم أو أبخرة يحرقها ويتبخَّرُ بها وخاصة ما يسمى عندنا (بالفاسوخ) وقد قام علماؤنا رحمهم الله بتحريم هذا (فتاوى اللجنة الدائمة (1/275، ويكون هذا غالبًا وقت الغروب أو الإشراق أو القيلولة. o يكتبُ للمريض حروفا مقطَّعة في آنية، أو في طبق خزف أو في قطعة من خشب بمادة معيّنة تذاب أو بالزعفران ثم يأمر من يراجعه بإذابتها وشربها. o يُعْطَي من يراجعه من المرضى أو غيرهم مَاءً يضع بداخله بعض الأوراق التي بها طلاسم واستغاثات شيطانية، ويأمره أَنْ يغتسل بِهَا في مكان مهجور خرب أو مقبرة مهجورة. o الخَطُّ على الرَّمل. o قراءة الكفّ والفنجان. o يضرب الكاهن بالحصى أو الودع أو بنوى التَّمر، أو بحبَّات الشَّعير على جلد السِّباع أو على قطعة قُمَاش منسوج مخصَّصٍ لهذا العَمَل. o صَبُّ الرَّصاص (le plomb) وهو ما يسمى عندنا بضرب الخفيف، وقد تعجَّبتُ لمَّا سمعتُ أَنَّ بعض النساء الجاهلات يفعلن ذلك بسبب اعتقادهنَّ أنَّ هذا الفعل كانت تقوم به السّيدة فاطمة بنت رسول الله، علما أنها بريئة كبراءة الذئب من دم يوسف، وهي أعلم وأتقى وأنقى من أَنْ تقوم بمثل هذه الخزعبلات. o إعطاؤه خاتما نُقِشَت عليه بعض الرُّموز والطلاسم. o قد يخرج الساحر أو الكاهن بمظهر المعالج بالأعشاب أو الراقي أو طبيب الأعشاب حتى يخدع العوام وجهلة الناس، وقد يستخدم الخيوط الطويلة (يشبَّر) أو الملح (التسبيع بالملح) أو (يضرب الكارت)، فليتنبه. o يأمره أَنْ يعلق خرزة زرقاء، أو ودعة في عنقه أو في دابته أو مركبته أو داخل بيته. o يأمره أَنْ يلبس ملابس معيَّنة في أيَّام معدودة، وهذه الملابس قَدْ مُلِئت بالطَّلاسم والرُّموز. o كتابة السَّاحر والعياذ بالله للقرآن بالنَّجاسات ودم الحيض، واحتقاره وامتهانه، وكذا كتابة بعض العبارات الشركية والرموز والاستغاثات والرسوم الخبيثة تعالى الله عما يعمل الظالمون علوًّا كبيرا... o يعطي السَّاحر أو الكاهن من يراجعه أشياء غريبة كبيض مكتوب عليه طلاسم، أو أقفال (رمانات) لُفَّت بالجلود و الطلاسم، وقد يدَّعي علاجه بالبيض: يأمر المريض بالإتيان بيضة ثم يُعَزِّم عليها، ويستخرج بها وفيها السِّحر الَّذي سُحر به المريض، ولا شك أَنَّ هذا الفعل لا يجوز خاصة وما يَصْحَبُه من استغاثات بالجنّ والشَّياطين. o يأمره أَنْ يحمل جلد ذئب أو أسنانه، أو يربط خيوطاً سوداء في سيَّارته وكل هذا من التَّعلق بغير الله وفي الحديث: (مَنْ عَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْه) (صحيح الترغيب والترهيب) (3456). o يطلب أشياءً غريبة مِنْ باب التَّعجيز، حتَّى إذا عجز المريض عَنْ الإتيان بها طَلَب منه السَّاحر مبلغًا كبيرًا مِنَ المال، وقال له: أَنَا أُحْضِرُهَا لك مِنْ مَلِك الجان، وَمِنْ أمثلة ذلك: أَنْ يطلب أحد عشر فأرا يصطادها وقت القيلولة، أو يطلب فأرا يتيما أو قردا أعمى ......الخ.. o يعطي بعض المرضى مَاءً يأمره أَنْ يضعه تحت النُّجُوم، وهو ما يسمُّونَه (المَاء المنجَّم) وهو من أعمال السحرة. o التَمْتَمَة وَتِلَاوَة العَزَائم والطلاسم غير المَفْهومة، وقد يدخل عليها شيئا من القرآن، وقد يقرأ القرآن بصوت مرتفع ثم تجده يتمتم ببعض العبارات. o يأمر المريض أَنْ يعقد خيوطا أو حبالا على شجرة معينة. o يأمر المريض بأن يعلِّق السِّحر على الدواب أو الطيور أو الأشجار أو أَنْ يضعه في أماكن منزوية. o استخدام الأبراج الفلكية (القوس، الجدي، الدلو...) مدَّعِيًا معرفة مستقبل الشخص. o إيقاد الشُّمُوع الملوَّنة (البيضاء،الحمراء، الخضراء)، واستخدام كرة زجاجية وغيرها من الأشياء الغريبة. وقبل الختام: هذا نداء حاني إلى كل إخواني: * أَلَا فليحذر كُلُّ مسلم ومسلمة مِنْ أَنْ يسلُكَ هَذَا المسلك الخطير، وهو طَرق أبواب السحرة والكهان مهما كان، فإنَّ فيه إذاية للخلق، وسبب لسَخَط وغَضَب الخالق.. أيا عبد الله، أيا أمة الله، يا من سوَّلت لك نفسك أَنْ تعمل هذا العمل.. البدار البدار بالتوبة والأوبة إلى العزيز الغفَّار.. الآن الآن إذا كان عندك طلسم أو حجاب أو ودعة أو خيط ففكه وارم به، والتجئ إلى ربك القادر على كل شيء.. * علق قلبك بربك، وفوَّض أمورك إليه، وتوكَّل عليه أي: كافيه الأمر الذي توكَّل عليه به، وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي العزيز الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء (تيسير الكريم الرحمن) (ص869). وقفة: ربَّاه ربَّاه هنيئا لمن وقف بباب ربه ودعاه وناجاه: ربَّاه ربَّاه.. فكم من مريض شفاه؟! وكم من سائل أعطاه؟! وكم من فقير أغناه؟! وكم من محتاج كفاه؟! فلا إله إلا الله ولا ربَّ سواه شرح الله صدورنا للإيمان وجعلنا من التائبين، كما أسأله أن يغفر لنا أجمعين. وفي الختام: نختم بكلام نفيس من الإمام المصلح عبد الحميد بن باديس رحمه الله، إذ يقول في تفسير قول الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) [الإسراء:82]. (نتناول القرآن العظيم دواءً من عند ربنا، شفاءً لأمراض عقولنا، وأمراض نفوسنا، وأمراض مجتمعنا، فنتطلب ذلك منه بتدبر آياته وتفهم إشاراته ووجوه دلالاته، وشفاء أيضاً لأبداننا فنفعل كما كان يفعل النبي) ... وانتهى إليه علمنا. غير مقصرين ولا غالين وعلى ربنا متوكلين، سائلين أن يشفينا بالقرآن الكريم أجمعين آمين يا رب العالمين (مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير) (1/361). كما لا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل لشيخنا الوالد عادل بن طاهر المقبل حفظه الله فقد استفدت كثيرا من كتابه القيم: (هم ليسوا بشيء)، وأثناء حضوري لدروسه ودوراته، جزاه الله خير الجزاء. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.