تحولات كبرى مر بها بلد الرشيد، وخاصة بعد الغزو الأوروأمريكي صهيوني طبعا ولو بالوكالة له. فبعد تسريح الجيش العراقي وإعدام الرئيس الأسبق صدام حسين في يوم عيد الأضحى لاستفزاز أهل السُنّة والعراق يفيض بالتحولات والتغيرات الهادرة، فظهرت الفتنة الطائفية وتمدد الفرس في بلاد الرافدين وكثرت الجماعات والفرق والحركات المسلحة من سنية إلى شيعية إلى كردية وسال الدم أنهرا ولم يذق العراق استقرارا قط منذ العام 2003. بعد تولي الشيعي الطائفي الموالي لإيران نوري المالكي مقاليد سلطة رئاسة الوزراء في 2006 وحتى 2014 ازداد التنكيل بأهل السُنّة واتسعت هوة الفرقة بين العراقيين وبات القرار العراقي في خزائن طهران بصورة فجة، هذه التحولات الكبرى لم يكن عناصر جيش صدام حسين بمنأى عنه، حيث عانى الكثير منهم ويلات الاضطهاد والفقر والحصار وانخرط كثير منهم تارة بين الصحوات أو الحركات المقاومة للاحتلال أو المرتزقة بحثا عن المال الذي يعيلون به أسرهم. وحانت الفرصة مع رحيل القوات الأمريكية في 2011، وتصاعد الاحتراب الطائفي والخلاف بين حكومة بغداد وكردستان العراق واعتصامات أهل السُنّة أواخر 2012 وبدايات 2013 ضد سياسات نوري المالكي، كلها عوامل صنعت بيئة ملائمة لظهور جماعة داعش وحلفائها، بقيادة (عزه الدوري). * دلالات التحالف الداعشي الصدامي للتعاون بين عسكر صدام حسين، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أكثر من دلالة، وكم تحدثت عنه كبريات الصحف الغربية والعربية، وأكبر المحللين السياسيين نقلا عن أهل العراق أنفسهم. فما كان ل (داعش) أن تتمدد وتفعل ما فعلته بالقوات الحكومية العراقية دون مساعدة خبراء حرب كالدوري وبكر وغيرهم من القيادات العسكرية، ولا يخفى أن داعش لم تكن لتسيطر على غرب العراق والموصل لولا مساعدات كثير من القيادات البعثية العسكرية في الموصل وتكريت ومساعدات شيوخ العشائر في الأنبار والرمادي وديالى الغاضبون من أداء رئيس الحكومة نوري المالكي. فمنذ بدايات الغزو الغربي الصهيوني للعراق، وثمة تحولات في ايدولوجيا الجنود العراقيين المسرحين، حيث تأثر أغلبهم بالفكر المتطرف، وانخرط بعضهم في جيش (النقشبندية) الذي أعده (الدوري) لقتال الأمريكان والشيعة ثأرا مما فعلوه بالجيش العراقي وقتئذ. فقد نشر الموقع الأمريكي (بيزنس أنسيدر) تقريرا في جوان من العام الماضي، أشار فيه إلى دور رجال صدام حسين، في تصاعد الاحداث التي يشهدها العراق حاليًا، من هؤلاء الرجال وعلى رأسهم (عزة الدوري)، الملقب بالرجل الثاني إبَّان حكم صدام حسين، والذي اختفى في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، وتمكن من الهرب بالرغم من رصد واشنطن عشرة ملايين دولار لمعلومات تقود إلى اعتقاله أو قتله. وأشار الموقع إلى أن أحداث الموصل التي قادها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، متحالفة مع نُخب وضباط رفيعي المستوى تابعين للبعثي- العراقي. وذكرت صحيفة (بيلد) الألمانية أن الرجل الثاني في نظام صدام حسين، عزة الدوري، هو من يقود (داعش) نحو بغداد لإسقاط الحكومة العراقية. ونقلت الصحيفة عن مصادر مخابراتية، أن (الدُوري( شكل تحالفًا من جنود صدام السابقين ومقاتلي داعش، مؤكدة أن الدوري خاض معارك داميةً الأسبوع الماضي مع الجيش العراقي. وأكدت الصحيفة أن الدوري هو الرابط بين ضباط ورموز صدام حسين وداعش، مضيفة أن واشنطن عرضت 10 ملايين دولار لمن يساعد في تصفيته. ولفتت الصحيفة إلى أن عزة الدوري يقود عشرات الآلاف من المقاتلين السنة للإطاحة بالحكومة الشيعية في بغداد ردًا على الإطاحة بصدام حسين. ومؤخرا في جويلية الماضي شن تنظيم داعش حملة اعتقالات على جنرالات الجيش العراقي السابق، حيث اعتقل مسلحو داعش نحو 60 ضابطا معظمهم أعضاء في حزب البعث وموالين للرئيس المخلوع صدام حسين حسب روايات السكان المحليين وأقارب المعتقلين في الموصل. ونقلت وكالة رويترز للأنباء، أن الاعتقالات التي نفذتها داعش بحق كبارضباط الجيش القديم في الموصل تحمل دلالة على انشقاق في التحالف المسلح غرب العراق والذي ساعد مقاتلي الدولة الإسلامية في تحقيق نصر سريع عندما جاؤوا من الصحراء واستولوا على الموصل. * مستقبل التحالف مثل هذا التحالف لن يدم طويلا، وهذا ما يفسر توجه داعش للتخلص من قيادات عسكرية حليفة، من أجل التأكيد على أن القرار قراره، وأنه لن يسمح لأحد من خارج الفكرة والأيدولوجيا بالتمكين. لكن هذا أيضا ساعد في كشف التنظيم أمام خصومه، وربما هذا ما يبرر تقهقره في كوباني وفي الأنبار وتكريت بعض الشئ، وأسر وقتل العشرات من أتباع التنظيم. وتستمر المعركة وتطول الحرب ويبقى المستفيد الأول هم تجار السلاح في العالم من الروس والأمريكان والأوروبيين، ويدفع كلفة هذه الحرب المستعرة دائما شعوب عالمنا العربي والإسلامي.