* وزارة التجارة تستعد ليوم العلم بتحرير تجارة الخمور!/ تستعد الجزائر للاحتفال بيوم العلم الذي يأتي هذه السنة في ظروف خاصة جدا يطغى عليها الحديث عن تحرير تجارة الخمور الذي يعتبره كثير من الجزائريين عارا في جبين وزير التجارة الذي لا يبدو في نيته التراجع عن (خطيئته) ووسط (حرب) بين المدافعين عن الثوابت وحماة الهوية من جهة والتغريبيين من جهة أخرى. بينما يشتد النقاش حول تحرير بيع (أم الخبائث) أثار تغريبيون نقاشا من نوع آخر يحاولون الخلط فيه بين الحريات الشخصية والحق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث عبّر بعضهم عن امتعاضهم من حملة تدعو للاحتشام في قسنطينة، معتبرين أنها مساس بالحريات الخاصة، وهو تبرير غير منطقي تماما، فالحرية الفردية لا تبيح المجون والتبرج المفضوح، فأين نحن من فكر ابن باديس. هل ينام ابن باديس هانئا؟ (نم هانئا يا ابن باديس فالشعب بعدك راشد والوارثون لما تركت كثير) هذا ما يردده المنتسبون إلى جمعية العلماء المسلمين وهم يقفون وقفة مودة وتقدير لشيخ جمعيتهم الأول، الذي تمر هذه الأيام 75 سنة على رحيله يوم السادس عشر أفريل من سنة 1940، وهو اليوم الذي تحول، فيما بعد إلى مناسبة خاصة يتعارف الجزائريون على تسميتها بيوم العلم. المكانة المرموقة لشيخنا ابن باديس تتعدى حدود التراب الوطني، فهو مشهود له بالعلم والفكر والدعوة والإصلاح عربيا وإسلاميا، مكانة تُشعرنا بكثير من الفخر الذي سرعان ما ينقلب إلى أسف وأسى، حين نتابع (التقزيم) الذي يطال فكر الشيخ في واقع جزائرنا اليوم. فالرجل الذي يقال إن التعب وسهر الليالي في التفكير والتدبر والتعليم والتعليم قتله أصبح مجرد اسم يتردد على ألسنتنا في يوم السادس عشر أفريل من كل سنة، في ذكرى وفاته التي تحولت إلى (عيد)، وليتنا نردد اسم الرجل لنقتدي به ونقتبس بعضا من نور فكره، ففي فكره كثير من الإصلاح الذي يمكنه كبح ما أفسدته فضائح سوناطراك والخليفة والطريق السيّار وغيرها من الفضائح التي باتت تُشعرنا ب (القنطة) والخجل. الشيخ ابن باديس الذي كرّمته بلدان أخرى بنشر كتبه وترويج فكره يهان اليوم في الجزائر بأكثر من طريقة، فالرجل الذي قال (شعب الجزائر مسلم.. وإلى العروبة ينتسب) لو نظر إلى حالنا اليوم لوجد شعبا يقول إنه مسلم يحدث بين ظهرانيه ما لا يحدث في بلاد الكفار، ولوجد العروبة التي قال إن إليها ننتسب مجرد شعار دستوري تدوسه أقدام التغريبيين. والرجل الذي قال إن (الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا ولا تستطيع أن تصير فرنسا لو أرادت، بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد في لغتها وفي أخلاقها وعنصرها وفي دينها، لا تريد أن تندمج ولها وطن معين هو الوطن الجزائري) سيفاجأ بأن بعض الجزائريين يتمنون اليوم لو أمكنهم أن تتبناهم (أمهم) فرنسا، وأن هذه الأمة التي ليست هي فرنسا تكاد تتقرب بواسطة بعض المحسوبين عليها زاحفة من فرنسا. وآسفاه يا رجلا انشغلت بتكوين فكر أفراد يخدمون قضية الحق والخير قد نهينك جهلا أو عمدا، وقد يطويك النسيان قليلا أو كثيرا، لكنك أبدا لن تُمحى من ذاكرة الأمة الجزائرية كما أسميتها والإسلامية ككل، فرغم كل شيء، هناك من يحيون دراسة تلك القيم التي عشت لنشرها بوعي وبصيرة عسى أن يخدموا الإسلام والمسلمين.. فنم قرير العين أيها الشيخ الجليل. من هو الشيخ عبد الحميد بن باديس؟ جاء في موقع العلامة الراحل (ابن باديس) ما يلي: الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد النهضة العلمية والإصلاحية في الجزائر 1889-1940، هو عبد الحميد بن محمّد المصطفى بن المكّيّ بن محمّد كحول بن علي سليل الجدّ الأعلى (مناد بن منقوش) كبير قبيلة تَلْكَاتَة (أو تُلُكّاتة أو تْلَكّاتة) وهي فرع من أمجاد صنهاجة أشهر القبائل البربرية في الجزائر والمغرب الإسلامي. وُلِدَ الشّيخ عبد الحميد بن باديس يوم الأربعاء الحادي عشر من ربيع الثاني سنة 1307 الموافق للرابع من ديسمبر سنة 1889م بمدينة قسنطينة، وهو الولد البِكر لأبويه. ونشأ الشيخ ابن باديس في أحضان أسرة متمسكة بالدين والمحافظة على القيام بشعائره، وحرصا على تنشئة أبنائها على أساس تربية إسلامية وتقاليد أصيلة، عهد به والده وهو في الخامسة من عمره إلى الشّيخ (محمّد بن المدَّاسي) أشهر مُقرئي بقسنطينة فحفظ القرآن وجوده وعمره لم يتجاوز الثالثة عشر سنة، ولما أبدى نجابة في الحفظ وحسن الخلق قدّمه ليؤم المصلين في صلاة التراويح لمدّة ثلاثة سنوات متوالية في الجامع الكبير، ثم تلقى منذ عام 1903م مبادئ العلوم العربيّة والشّرعيّة بجامع (سيدي محمّد النجار) من العالم الجليل الشّيخ (حمدان الونيسي) وهو من أوائل الشيوخ الذين لهم أثر طيب في حياته. وفي سنة 1908م سافر إلى تونس ليكمل تعليمه ويوسع معارفه بجامع الزّيتونة، فتتلمذ على صفوة علمائه ومشاهير الأعلام أمثال الشّيوخ: (محمّد النّخلي القيرواني)، (محمّد الطّاهر بن عاشور)، (محمّد الخضر بن الحسين)، (محمّد الصادق النيفر) والأستاذ (البشير صفر). وبعد ثلاث سنوات من الجد والاجتهاد نال (عام 1911م) شهادة التطويع (العالِمِية) وكان ترتيبه الأوّل بين جميع الطلبة الناجحين، وهو الطالب الجزائري الوحيد الذي تخرّج في تلك الدّورة ثّم بقي بتونس عاما بعد تخرّجه يُدَرّس ويَدرس على عادة المتخرجين في ذلك العهد. وبعد أداء مناسك الحجّ زار المدينة المنوّرة ومكث بها ثلاثة أشهر، تعرّف فيها على الشّيخ (محمّد البشير الإبراهيمي) وقضا معه ليالي تلك الأشهر الثلاثة كلها في وَضْع البرامج والوسائل التي تنْهَضُ بها الجزائر، كما أتيح له أن يتّصل بشّيخه (حمدان الونيسي) والتقى بمجموعة من كبار العلماء منهم الشّيخ (حسين أحمد الفيض أبادي الهندي) وألقى بحضورهم على مشهد كثير من المسلمين درساً في الحرم النبوي، وعند رجوعه عرج على مصر فزار جامع الأزهر الشريف بالقاهرة ووقف على نظام الدراسة والتّعليم فيه، ثم زار مفتي الدّيار المصريّة الشّيخ (محمّد بخيث المطيعيّ) في داره بحلوان رفقة صديقه (إسماعيل جغر) المدرس بالأزهر، قدم له كتاب من شيخه (الونيسي) فأحسن استقباله وكتب له إجازة في دفتر إجازاته بخط يده. اهتمام كبير بالتربية والتعليم والإصلاح أولى الشّيخ ابن باديس التربية والتّعليم اهتماماً بالغاً ضمن برنامج الحركة الإصلاحية التي قادها ووجهها، فالتربية عنده هي حجر الأساس في كل عمل بنائي، لذلك أعطاها كل جهده ووقته، فبدأ نشاطه التربوي والتعليمي بالجامع الأخضر أوائل جمادى الأول 1332 - 1914م، يدرّس الطلبة كامل النّهار وفق برنامج مسطر لكل مستوى ويلقي دروسا في تفسير القرآن، والحديث النبوي الشريف من الموطأ بالإضافة إلى الوعظ والإرشاد لعامة الناس في المساء ويخص صغار الكتاتيب القرآنية بعد خروجهم منها بجملة من دروسه. ثم وسّع الشيخ نشاطه بإلقاء دروس في مسجد سيدي قموش ومسجد سيدي عبد المؤمن، وقام في أيام الراحة الأسبوعية وأيام الإجازة الصيفية بجولات لمختلف مناطق القطر. وبعد بضع سنوات من التّعليم المسجدي رأى جماعة من الفضلاء المتصلين به تأسيس مكتب يكون أساساً للتّعليم الابتدائي العربي سنة 1926م انبثقت عنه سنة 1930 م مدرسة جمعيّة التربية والتّعليم الإسلامية. ودعا الجزائريّين إلى تأسيس فروع لها في أنحاء الجزائر. كما رأى الشيخ ابن باديس أن حركة الإصلاح يجب ألا تقتصر على التربية والتّعليم، فأعلن على دخول عالم الصحافة لدى تأسيسه جريدة (المنتقد) عام 1925م رغم بدايات أولى له سبقتها في ممارسة العمل الصحفي بدأها بنشر مقالات في جريدة (النّجاح) لأول عهدها أمضاها باسم مستعار هو (القسنطيني أو العبسي). لكن (المنتقد) لم تعش طويلاً نظراً لجرأتها ولهجتها الحارة في ذلك العهد، أوقفتها الإدارة الاِستعماريّة بعد ظهور ثمانية عشر عددا فخلفتها جريدة (الشهاب) التي ظلت تصدر أسبوعيا طوال أربع سنوات ثم حولها إلى مجلّة شهرية منذ فيفري 1929م. وحتى يوفر أقصى ما أمكنه من شروط نجاح واستمرارية نشاطه الصحفي من بدايته، أسس (المطبعة الإسلامية الجزائرية) التي طبع فيها جرائده وجرائد جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين الأربعة التي أشرف عليها وهي: السنّة المحمدية، والشريعة المطهّرة والصراط السوي والبصائر. وفكّر الشّيخ ابن باديس بدءا من سنة 1913م -خلال إقامته بالمدينةالمنورة- في تأسيس جمعيّة، ومع رفيق دربه الشيخ الإبراهيمي وضع الأسس الأولى لها، وبقصد تحضير التأسيس جمعتهما عدة لقاءات منذ عام 1920م، وتمهيدا لبعثها طلب من الشيخ الإبراهيمي عام 1924م وضع القانون الأساسي لجمعية تجمع شمل العلماء والطلبة وتوحد جهودهم باسم (الإخاء العلمي) يكون مركزها العام بمدينة قسنطينة، إلا أن حدوث حوادث عطلت المشروع. ثم توالت بعدها الجهود لتأسيس جمعية. ومن الإسهامات التي هيأت الجو الفكري لها دعوات الشيخ ابن باديس العلماء في جريدته (الشهاب) إلى تقديم اقتراحات، تلتها سنة 1928م دعوته الطلاب العائدين من جامع الزيتونة والمشرق العربي لندوة، سطروا خلالها برنامجا يهدف إلى النهوض بالجمعية المزمع تأسيسها. وفي نفس الفترة برز (نادي الترقّي) كمركز ثقافي ذا تأثير وملتقى للنخبة المفكرة في الجزائر. ومن منطلق رسالته الهادفة طلب الشيخ ابن باديس من مؤسسيه تكوين لجنة تأسيسية ترأسها (عمر إسماعيل)، تتولى التحضير لتأسيس الجمعية. وبعد مرور قرن كامل على الاحتلال الفرنسيّ للجزائر (1830 - 1930م) واحتفال الفرنسيين بذلك تضافرت ظروف وعوامل كثيرة، ساهمت جميعها في إظهار (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) التي تأسست يوم الثلاثاء 05 من ماي 1931 م في اجتماع بنادي الترقّي لاثنان وسبعون من علماء القطر الجزائري ومن شتى الاتجاهات الدينية والمذهبية. وانتخب الشّيخ ابن باديس رئيسا لها والبشير الإبراهيميّ نائبا له. وتوفي الشيخ ابن باديس مساء يوم الثلاثاء 9 ربيع الأول سنة 1359 الموافق ل 16 أفريل 1940م في مسقط رأسه مدينة قسنطينة متأثرا بمرضه، وقد شيّعت جنازته عصر اليوم التالي لوفاته، وحمل جثمانه إلى مثواه الأخير طلبة الجامع الأخضر دون غيرهم وسط جموع غفيرة زادة عن مائة ألف نسمة جاءوا من كافة أنحاء القطر الجزائري.