بقلم: محمد قروش بداية حملة التقشف بالمساس بالمكاسب الاجتماعية للمواطن ستكون لها نتائج وخيمة على استقرار البلاد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي خاصة إذا مسّت الجوانب الأساسية في حياة المواطن مثل المعيشة والسكن والعمل التي تُعد أدنى واجبات الدولة تجاه المواطن مهما كان واقع الظروف الاقتصادية والمالية. فلا شك أن الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد منذ بداية هذه السنة بسبب انهيار أسعار البترول قد فاجأت الجزائر وضربتها في صميم مشاريعها وخططها الاقتصادية بسبب اعتمادها الكلي على مداخيل المحروقات، وهو ما يفرض إعادة الحسابات في كل المخططات، وعلى رأسها أولوية خلق بدائل اقتصادية جديدة تضمن تعويض خسائر المحروقات وتحريك عجلته المتوقفة. فإذا كان هناك ما ينبغي البداية به فهو إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية بصفة جذرية من خلال تحديد أسباب الفشل الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، وانعدام قاعدة اقتصادية متينة وعدم قُدرة المؤسسات الجزائرية على الانطلاق والمنافسة والتصدير، وهي تساؤلات طالما ركز عليها خبراء الاقتصاد دون أن توضع الحلول الناجعة لها بفعل البحبوحة المالية التي ظلت تعتمد على مبدأ (اصرف ما في الجيب وربي يجيب). إن الكلام عن بداية التقشف من خلال التفكير في حرمان الجزائريين من بعض المواد الاستهلاكية أو الاتجاه نحو تقليص المشاريع ذات المنفعة الاجتماعية والشعبية هو اتجاه خاطئ يشبه رب عائلة يريد أن يتقشف من خلال عدم شراء المشروبات في حين تجده ينفق نصف أمواله على العطل والأسفار وغيرها، وبذلك فلن يكون لتقشفه أثر على ميزانيته لأن أشياء أخرى أكبر تأكل جل أمواله. وهكذا فإنه من الأولى والأجدر بالحكومة أن تركز اهتمامات تقشفها على الجوانب التي تكاد تنسف كل مدخرات الدولة ومداخيلها، ومنها ميزانيات التسيير الخطيرة التي تتمتع بها الوزارات والهيئات والمؤسسات والتي لا تدر أي عائد أو دخل على البلاد والمواطن، إضافة الى كثير من النفقات على مشاريع البهرجة التي لا طائل من ورائها، وهو ما يمكن أن يوفر أموالا طائلة للدولة قد تساعدها على إعادة هيكلة الاقتصاد والتخفيف من آثار الأزمة الخانقة في حال استمرار انخفاض أسعار المحروقات. وبالنتيجة فإن التهرب من إعادة النظر في المنظومة الاقتصادية المهترئة والتوجه نحو الحلول السهلة عن طريق مسح كل آثار الأزمة في عباءة المواطن المغلوب على أمره سوف لن يحرك الاقتصاد ولن يقلل من آثار الأزمة، بل سيكون زلزالا سيضاعف من المتاعب الاقتصادية والاجتماعية ويفرمل جهود الإصلاح الاقتصادي عن طريق ضرب استقرار البلاد والمؤسسات وتقويض السلم الاجتماعي ومن ثمة الدخول في متاهات تعيشها كثير من الدول الفقيرة والنامية يستحيل الخروج منها بعد ذلك.