السؤال: لقد وقع في بلدتنا خلافٌ في هذه الأيام ما بين العلماء الجاويين في مسألة السنة والقضاء، وقد أفتى جمهورهم ببطلان السنة وتركها، ويحرم فعلها إذا كان عليه قضاء مطلقًا بلا قيد ولا شرط، فبناءً على هذه الفتاوى الصادرة قد اتخذ العوام ذلك سلاحًا عظيمًا وبرهانًا جليًّا وساطعًا لهدم سنن أشرف العباد وفقًا لأهوائهم، مرتكزين على أقوال علمائهم الذين أعانوهم بكل صراحة، فقد دب وسرى ذلك الداء في قلوبهم حتى أمثال العيدين وصلاة الجنائز والتراويح بطلت ولم يفعلها إلا القليل النادر، ولهذه الحالة أصبحت شعائر الإسلام آخذة في الوهن، مع أن السلف الصالح -رحمهم الله تعالى- قالوا: (إذا كان عليه فوائت فلا بد من صرف زمنه للقضاء، إلا ما اضطر كنوم ومؤنته ومؤنة من تلزمه جاز له ذلك على قدر الضرورة). فهذا مراد السلف الصالح في كتبهم بتحريم السنة، فمِن أين للعلماء المذكورين الآن هذا الاستنباط بتجويز كل عمل ما عدا السنة لا يجوز فعلها على الإطلاق، وإذا فعلها كانت إثمًا مبينًا وذنبًا عظيمًا، وهناك الطامة الكبرى كما يفهم من كلامهم وتصريحهم؟! وبعكسه إذا لم يصرف جميع زمانه للقضاء، أبفعل السنة يؤثم أو يثاب على الترك عمدًا؟ أفيدونا مأجورين. الإجابة على هذا السؤال، ونفيد بأنه نقل الطحطاوي في حاشيته على الدر، وابن عابدين في رد المحتار عن المضمرات ما نصه: (الاشتغال بقضاء الفوائت أولى وأهم من النوافل، إلا سنن المفروضة وصلاة الضحى وصلاة التسبيح والصلوات التي رويت فيها الأخبار). قال ابن عابدين: (كتحية المسجد والأربع قبل العصر والست بعد المغرب). اه. وقال صاحب الدر في فصل في العوارض المبيحة لعدم الصوم: (إن قضاء الصوم واجب على التراخي، ولذا جاز التطوع قبله، بخلاف قضاء الصلاة). وكتب الطحطاوي على قوله بخلاف قضاء الصلاة ما نصه: (أي: فإنه على الفور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ فَنَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا)، لأن جزاء الشرط لا يتأخر عنه، وظاهره أنه يكره التنفل بالصلاة لمن عليه فوائت ولم أره. نهر. قلت: قدمنا حكمه في قضاء الفوائت وهو الكراهة إلا في الرواتب والرغائب فليراجع، انتهت عبارة الطحطاوي، وما قدمه في باب قضاء الفوائت هو ما سلف ذكره من عبارة المضمرات. ومن هذا يعلم جواز أداء السنن وصلاة العيدين وصلاة الجنائز والتراويح ممن عليه فوائت، وأنه ليس فعل شيء من ذلك محرمًا عليه ولا مكروهًا لمجرد أن عليه فوائت.