عاصفة من التصفيق تواكب كل إهانة للإسلام، وصيحات احتجاج كلما نطق مخاطب بكلمة مسلمين، وشعارات كتبت فوق صور منقبات على الجدران، ورؤوس حليقة لشباب من النازيين الجدد.. كلها مشاهد تذكرنا بعهود أوروبا المظلمة. نحن قطعا لسنا في تجمع "معاد للسامية" كتلك التجمعات الألمانية قبيل الحرب العالمية الثانية التي شجعت على نقل مئات الآلاف من يهود فرنسا لإبادتهم في المحرقة النازية، ولسنا في برلين عشية ليلة الكريستال الشهيرة حينما أطلق هتلر ضربة البداية للحملة ضد الأقليات في أوروبا.. إننا في فرنسا 2010 في تجمع عنوانه الأبرز "مقاومة الوجود الإسلامي في أوروبا"!. كان علينا أن نعبر الحواجز المتعددة التي نصبتها الشرطة الفرنسية للوصول إلى فضاء "شارنتون" في الدائرة الثانية عشر من باريس للولوج إلى قاعة مؤتمر "مناهضة الأسلمة في أوروبا" الذي افتتح مساء السبت. فقد ضربت السلطات الفرنسية طوقا أمنيا حول مقر المؤتمر مخافة وقوع أحداث عنف بين منظمي المؤتمر من أنصار "كتلة الهوية" اليمينية المتطرفة والنشطاء من مناهضي العنصرية الذين خصصت لهم الشرطة الفرنسية مكانا في طرف الحي للتعبير عن غضبهم من تنظيم المؤتمر. وفي مدخل قاعة المؤتمر، انتصب شباب من تنظيم "كتلة الهوية" يرتدون زيا أزرق موحدا ويفتشون في وجوه القادمين عن أي دخلاء قد يفسدون عليهم حفلهم. خطاب العنصرية المثالي وعلى خلاف البرد القارس في الخارج والذي زادت من قساوته الثلوج المنهمرة على العاصمة باريس، فإن الحلقات التي ننتشر في رواق المؤتمر تبدو ساخنة بحوارات بين الحاضرين محورها الأساسي أن "مشكلة الإسلام" - كما تقول إحدى الحاضرات مخاطبة رفيقها- "إنه لا يقبل الإصلاح". وتضيف قائلة: "بل إنهم (المسلمون) يتبنون رؤية لا علاقة لها أصلا بالحياة، فتخيل -تقول المشاركة لمخاطبها- إنهم يستشيرون أئمتهم حول ابسط مقتضيات النظافة من قبيل هل يجب أن نحلق الأماكن الحساسة في أجسادنا أم لا؟! أو هل يمكن أن تقود امرأة سيارة أم لا؟!" مع أن الأمر ينحصر في السعودية وليس بمليار مسلم في العالم. ويجدر بالوافد إلى المؤتمر مع الطقس البارد في الخارج أن يضع أعصابه في الثلاجة داخل القاعة مع نوعية هذا الخطاب العنصري، ومع عناوين الكتب التي أقبل عليها المؤتمرون بكثافة من قبيل كتاب عنوانه "أوسكار والمآذن" لكاتبه "سلوبودان دسبوت" والذي يمجد فيه هذا الأخير "أوسكار فريسنجر" زعيم اليمين المتطرف في سويسرا والذي استقبل كبطل قومي في الساعات الأولى لافتتاح المؤتمر. وكان "أوسكار فريسنجر" وحزبه "اتحاد الوسط الديموقراطي" قد تمكن من فرض مبادرتين شعبيتين في سويسرا اعتبرت عنصرية من قبل المراقبين، الأولى تتعلق بمنع بناء المآذن ( 2009) والثانية في 2010 تتعلق بترحيل الأجانب الذين يرتكبون جرائم ومخالفات قانونية في سويسرا. إهانات بالجملة وفوق إحدى طاولات المؤتمر، تتوزع كتب أخرى، مؤلفوها لا يخفون عداوتهم للإسلام والمسلمين وللوجود الإسلامي في أوروبا بشكل عام، من قبيل كتاب "غضب فرنسي" لكاتبه موريس فيدال، وهو الكتاب الذي رفضت طبعَه 45 دار نشر فرنسية منذ سنة 2006 لطابعه العنصري ليجد طريقة هذه السنة إلى الأسواق من خلال دار نشر مجهولة. ومما لا شك فيه أن كل الكتب المعروضة للبيع تستهدف الإسلام والمسلمين بدون أقنعة ككتاب "ما تحت النقاب" وكتاب "مقاومة الجمهورية"، وهي كتب وضعت صور النقاب والحجاب واللحى على صفحتها الأولى فضلا عن المنشورات التي ترسم رموز الإسلام مع شعارات إسلاموفوبية.. منشورات تذكر بتلك التي انتشرت قبيل الحرب العالمية الثانية المحرِّضة ضد اليهود والتي تحمل نجمة داود الصفراء للإشارة لليهود. وفي قاعة ضمت حوالي 500 من أنصار اليمين الفرنسي المتطرف من مختلف الأعمار مع غلبة نسبية للكهول وعدد من الشباب من ذوي الرؤوس الحليقة, تداول على المنصة خطباء حرصوا على إنذار الحاضرين ب"خطر" الإسلام والمسلمين، فهنا لا يتعلق الأمر هنا بمجرد التحذير من "التشدد الإسلامي" لأن "الإسلام في أصله تشدد وإرهاب" كما يقول "ريني مارشون" في محاضرته التي زعم فيها أن "الإسلام هو دين الحرب بامتياز ولا يقبل أنصاف الحلول ويسعى إلى عملية أسلمة أوروبا على عدة محاور من خلال جلب أكبر عدد من المسلمين إلى أوروبا". وهنا يتعلق الأمر بحسب المحاضر"بجلب المسلمين الأكثر جهلا والأكثر انغلاقا"..أليست هذه عنصرية بل وعنصرية مقيتة؟!. على أي حال، مع كل جملة يهين فيها المحاضر الإسلام والمسلمين ترتفع عاصفة من التصفيق ربما لم يوازها حماسة وهيجانا من قبل الحاضرين إلا الشريط القصير الذي بث في القاعة والذي يصور مسلمين يقيمون صلاة الجمعة في بعض الشوارع الفرنسية أيام الجمعة بالنظر إلى ضيق المساجد حيث ارتفعت صيحات الاستهجان والسخرية من قبل الحاضرين. ولم يقتصر "مؤتمر الكراهية" على اللغة الفرنسية حيث ألقت الصحفية النمساوية "اليزابيث والف" مداخلة باللغة الإنجليزية شارحة فيها أسباب محاكمتها في النمسا بتهمة الحض على الكراهية ومعاداة الأجانب لا لسبب إلا لأنها "فضحت فيه" على حد قولها "النصوص المروِّعة ضد المرأة في القرآن؟". ومن الدنمارك، حضر "أندري غرافير" الذي يترأس منظمة "أوقفوا الأسلمة في أوروبا" وتنقل "غرافير" بين جنبات قاعة المؤتمر محاطا بثلاثة من الحرس الخاص الذين لم يكفوا لحظة عن مراقبة المحيطين به في توجس وخشية وكأنهم يحضرون مؤتمر اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية بالبورجي!. كما تردد بين جدران المؤتمر صوت "بول وستون" وبمداخلته بالألمانية محذرا فيها من "الخطر الإسلامي التركي" على ألمانيا، وهو المحاضر الذي سعى طويلا لاستقبال "جيرد فيلدرز" صاحب فيلم "فتنة" الهولندي الذي لم يحضر مؤتمر باريس لأسباب قال بعض الحاضرين تتعلق بتحفظات من السلطات الفرنسية. * عن "أون إسلام" * عاصفة من التصفيق تواكب كل إهانة للإسلام، وصيحات احتجاج كلما نطق مخاطب بكلمة مسلمين، وشعارات كتبت فوق صور منقبات على الجدران، ورؤوس حليقة لشباب من النازيين الجدد.. كلها مشاهد تذكرنا بعهود أوروبا المظلمة. * كل الكتب المعروضة للبيع تستهدف الإسلام والمسلمين بدون أقنعة ككتاب "ما تحت النقاب" وكتاب "مقاومة الجمهورية"، وهي كتب وضعت صور النقاب والحجاب واللحى على صفحتها الأولى فضلا عن المنشورات التي ترسم رموز الإسلام مع شعارات إسلاموفوبية.. منشورات تذكر بتلك التي انتشرت قبيل الحرب العالمية الثانية المحرِّضة ضد اليهود والتي تحمل نجمة داود الصفراء للإشارة لليهود.