الصداقة من النعم التي أنعم الله بها على بني البشر، ليخفف بها عنا مآسي الحياة، ويزيد من فرحتنا وسعادتنا كلما أكرمنا الله بنعمة في حياتنا، لأن الصديق هو من يواسينا ويساندنا في حزن أو كرب، وهو كذلك من يفرح لفرحنا. لذا فقد وجهنا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إلى ضرورة حسن اختيار الصديق، ووضع لنا مواصفات لذلك، حتى تستقر العلاقة بين الناس، ومن بين تلك المعايير كما ذكر أن يكون هناك توافقًا في الطباع والخصال الحميدة فروي أن (خير الأصحاب من قل شقاقه وكثر وفاقة). وضرب لنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مثلين عظيمين لتأثير الصديق في صديقه، وذلك عندما قال للصحابي الجليل أبو موسى الأشعري: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة). فشبه الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الصديق الصالح بحامل المسك العطر، الذي إما أن ينفح جليسه بشيء منه على سبيل الهدية، وإما أن تغريه الرائحة الزكية فيشتري منه شيئاً. أما صديق السوء فشبهه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحداد الذي ينفخ في الكير، فهو إما أن يحرق ثياب جليسه بما يطير من شرر النار، أو يشم منه ريحاً سيئة ومنفره بسبب رائحة الحديد المحمي، وكذلك رائحة العرق بسبب الحرارة. وفي ذلك إشارة مهمة إلى ضرورة اختيار الصديق الصالح. وقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قوله: ما تحاب اثنان في الله إلا كان أفضلهما عند الله أشدهما حباً لصاحبه. وتعلمنا سيرة السلف الصالح أن خير صديق من يكون وافر الدين وافي العقل، الذي لا يمل منك على القرب ولا ينساك على البعد، والذي إن دنوت منه دانك، وإن ابتعدت عنه راعاك، وإن استعنت به دعمك، وإن احتجت إليه رفدك، وتكون مودة فعله أكثر من مودة قوله. وروي عن أحد أهل الصلاح: (لا تصحب خمسة: الكذاب فإنك منه على غرور وهو مثل السراب يقرب منك البعيد ويبعد منك القريب، والأحمق فإنك لست منه على شيء يريد أن ينفعك فيضرك، والبخيل فإنّه يقطع بك أحوج ما تكون إليه، والجبان فإنّه يسلمك ويفر عند الشدائد، والفاسق فإنّه يبيعك بأكلة أو أقل منها)س.