بقلم: بودرع ياسر* بعد زيارة عبد القادر مساهل وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي للمملكة العربية السعودية ولقائه ولي العهد السعودي محمد بن نايف تشير تقارير إعلامية إلى قرب زيارة الأخير إلى الجزائر، ولأن الساحتين العربية والدولية تشهدان عديد الأحداث والقضايا الساخنة فإن توقيت هذا الحراك الدبلوماسي بين البلدين يحمل دلالات كثيرة وإشارات تكاد تكون واضحة الأهداف وما يمكن أن يطرح للنقاش بين مسؤولي البلدين فليس خافيا على أحد أن العلاقات بين الدولتين على غير العادة تشهد في الفترة الأخيرة نوعا من التوتر غير المعلن صنعه تباين المواقف حول عديد المسائل التي تهم الطرفين. بداية الانهيار إذا أردنا أن نذكر أصل التململ في العلاقات الجزائرية السعودية فمن المنطقي أن نعود إلى فترة الانهيار المفاجئ لأسعار النفط، فاقتصاد الجزائر يتضرر كثيرا بسبب ذلك ما جعلها تحاول إقناع السعودية ودول أوبك بخفض حصص إنتاجها وهو ما لم توافق عليه المملكة التي تبدو مصرة على تحقيق هدف إستراتيجية يتوافق ومصالحها القومية، النقطة الخلافية الأخرى بين البلدين برزت إلى السطح بعد تدخل المملكة في اليمن أين دعت بعد إعلان عاصفة الحزم إلى إنشاء قوة عربية مشتركة تحت غطاء الجامعة العربية وجاء الموقف الجزائري بهذا الصدد متفقا مع دستورها وأعرافها الدبلوماسية وفي نفس الوقت مخالفا للرغبة السعودية التي كانت تراهن على حشد أكبر عدد ممكن من الداعمين لها وهنا تظهر إلى السطح نقطة خلافية أخرى ذات صلة بسابقتها حيث أن الجزائر تربطها بإيران علاقات دبلوماسية جيدة وهو النقيض تماما لو تكلمنا عن العلاقة السعودية الإيرانية، لكن هذه الجزئية لا تبدو بتلك الأهمية فالمملكة تعي تماما أن الجزائر تحافظ على علاقات طبيعية مع إيران بما لا يؤثر على علاقتها بدول الخليج فعقلية التوازن التي تتصف بها السياسة الخارجية الجزائرية تجعلها دائما طرفا محايدا وبعيدا عن دائرة صراع النفوذ والاستقطاب أمر يجعل السعودية ترى إلى الجزائر بعين الارتياح من هذه الزاوية، وإذا أردنا أن نضيف نقطة خلافية أخرى فلابد من ذكر مواقف البلدين تجاه الثورة الليبية فالسعودية إضافة إلى دول خليجية أخرى ساهمت بشكل مباشر في تفويض الناتو إسقاط نظام معمر القذافي على خلاف ما كانت تنادي به الجزائر التي عارضت أي تدخل خارجي في الشأن الليبي محذرة من نتائج وخيمة أصبحت اليوم واقعا محرجا للجميع فالداخل الليبي ممزق ينخره صراع الجماعات المسلحة أضف إلى ذلك الهاجس الأمني الذي تعيشه دول الجوار وحتى أوروبا لم تسلم هي الأخرى من فعلتها عندما وقفت عاجزة أمام زحف جيوش المهاجرين السريين نحو الشواطئ الإيطالية. من المؤكد أنه لا توجد مشاكل حقيقة أو جوهرية بين الجزائر والسعودية، فبالعودة إلى تاريخ علاقات البلدين لا أقل من وصفها بالودية والطيبة يبقى أن اختلاف المواقف حول قضايا معينة يعود إلى قناعة كل بلد بما يتوافق ومصالحه وأمنه القومي ومن هنا ينتظر أن تكون هذه التحركات الدبلوماسية بين البلدين تأكيدا على أن الاختلاف لا يفسد للود قضية فلكلا الدولتين وزنهما وثقلهما على المستوى الإقليمي والعربي وأي تقارب جزائري سعودي في وجهات النظر من شأنه أن يكون خطوة كبيرة في سبيل العمل على تحقيق استقرار وأمن المنطقة والسعودية تحديدا تعلم تماما نوايا الجزائر الإيجابية نحو أشقائها العرب، إن عدم تطابق رؤى الجزائر مع رؤى المملكة في بعض القضايا لا يعني وقوفها ضد أحد بل الجزائر أعلنتها في مناسبات كثيرة سابقة أنها تقف على الحياد فيما يخص الشؤون الداخلية للدول الأخرى وفق ما ينص عليه الدستور الجزائري الذي يمنع الدولة من التدخل في شؤون الدول ذات السيادة كما يحتم عليها البقاء على مسافة متساوية من جميع الأطراف في حالة النزاع كالذي تشهده بلدان عربية في كل من ليبيا واليمن لذلك هدفت زيارة مدلسي للتأكيد على ضرورة احترام الخيارات الجزائرية وتبديد الشكوك وهو ما سيسمح للمياه بالعودة إلى مجاريها بين البلدين اللذين يعملان منذ سنوات على تطوير العلاقات الثنائية خاصة في الشق الاقتصادي والاستثمارات.