إذا زرت إيران ستجد أنّ نخبها وإعلامييها يتحدثون بفخر واعتزاز عن الثورة التحريرية الجزائرية، ولا يتوانى كثير منهم في اعتبارها ملهمة الشعب الإيراني في ثورته الإسلامية ضد حكم الشاه نهاية السبعينات. الإيرانيون يستحضرون وقوف الجزائر إلى صف الثورة الخمينية، في وقت ناصبتها دول الخليج ومن والاها من الأنظمة العربية، العداء والخصومة، مثلما يستذكرون دورها في الوساطة مع العراق، ورعاية مصالح الرعايا الإيرانيين في أمريكا بعد الحادثة الشهيرة لحجز الرهائن في طهران. صحيح أن عشرية التسعينات من القرن الفائت، قد كانت صفحة سوداء في المسار الثنائي للبلدين، حيث وصل الأمر حدّ قطع العلاقات بشكل كامل طيلة سنوات، وذلك على خلفية اتهام طهران بإسناد الجماعات الإسلامية في الجزائر. لكن تاريخ البلدين، وحجمهما الإقليمي، ورهانات الواقع والجغرافيا، لم تكن لتسمح باستمرار القطيعة بين ثقلين، لهما وزنهما وطموحاتهما في التأثير على سياسات المنطقة، وقبل ذلك رغبتهما في استئناف فرص التعاون والشراكة بينهما. الخيار الجديد في التواصل ومدّ جسور الالتقاء، تجسّد مع صعود الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة وبروز الفيلسوف محمد خاتمي منذ مطلع الألفية الثانية، لتنطلق العلاقات بشكل سريع، ترجمته الزيارات المتبادلة على أعلى مستوى بين الطرفين، وكرّسته المبادلات والاتفاقيات الثنائية في عديد القطاعات. هذا الوضع الاستدراكي في علاقات الجزائروإيران، نجم عنه مباركة طهران لمشروع المصالحة الوطنية في بلادنا، مقابل دفاع هذه الأخيرة عن حق طهران في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية. ظلّت مواقف البلدين متناغمة في كثير من القضايا الإقليمية، وتعمّقت أكثر باندلاع ثورات "الربيع العربي"، حينما وجدت طهران في الجزائر الظهير الذي يرفض عزل دمشق وتدميرها، وهنا يبرز السؤال الأساسي، لماذا تغرّد الجزائر خارج سرب الدول العربية المؤثرة، حينما يتعلق الأمر بالموقف من طهران. العارفون بشؤون الدبلوماسية الجزائرية يؤكدون أنّ الجزائر رفضت تاريخيا الاصطفاف في لعبة المحاور الدولية والسياسية، كما أنها لا تقيم وزنا في علاقاتها مع الدول الإسلامية للمعطى الطائفي، كونها دولة لا تعرف إشكالية التعدد المذهبي بالمفهوم التقسيمي، ولا تعاني تبعاته الاجتماعية والثقافية، فضلا عن بُعدها الجغرافي من بؤر الصراع والنفوذ الطائفي. ميزة أخرى مهمة في أعراف الدبلوماسية الجزائرية، برزت أكثر لا سيما في العشرية الأخيرة، وهي فتح علاقات متعددة مع أطراف متناقضة المصالح في المنطقة، مثلما هو الحال مع فرنسا، الاتحاد الأوربي، أمريكا والصين، وهو ما ينطبق تماما على دول الخليج كذلك، وفي مقدمتها السعودية والإمارات وقطر، فالجزائر لها علاقات معتبرة مع هذه الدول، لكنها في المقابل تحتفظ بعلاقات مماثلة مع خصمها طهران، وذلك ضمن استراتيجية التوازن التي تحقق لها البراغماتية مع جميع الأطراف. عامل آخر قد يفسر تميز الموقف الجزائري عن نظيره العربي من إيران، يتمثل في الوضع المالي المريح، وهو ما يجعلها أكثر تحرّرا في بناء مواقفها ونسج علاقاتها بمنأى عن إكراهات الضغوطات الخارجية. ولا يتردد مراقبون في اعتبار النظام الجزائري برغم ما لحقه من تآكل، فإنه ما زال يحتفظ في خياراته المبدئية بالنفس الثوري التحررّي، فلا يتصّور أن يقبل بالإملاءات مهما كان مصدرها، وهو ما يضعه خارج سمفونية شيطنة طهران بخطاب النعرات الطائفية. وإذا كانت الجزائروإيران قد نجحتا حتى الآن في تجاوز"الصراع المصطنع"، وعدم السقوط في"حرب الوكالة" برأي البعض، فإن المطلوب هو تشكيل محور إقليمي قويّ يكون في خدمة الشعوب والدفاع عن مصالح المنطقة في ظلّ طغيان إرادة الهيمنة التي تحكم قواعد العلاقات الدولية.
نايت بلقاسم وأحمد حماني زارا قائد الثورة والخميني أشاد بثورة الجزائر كل اتفاقيات إيران التاريخية حدثت في الجزائر من بومدين إلى الشاذلي لم تكن زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني، الذي نقل رسالة من الرئيس روحاني للرئيس بوتفليقة، إلا حلقة من عقد شراكة سياسية قوية، بين إيرانوالجزائر، تمتد إلى أربعين سنة، ثم أخذت أبعادا خليطا بالثورة منذ نجاح الإمام الخميني في نسف حكم الشاه بهلوي، ووقوف إيران رفقة فنزويلا إلى جانب الجزائر في القضايا النفطية، جعل البعد السياسي يرتبط بالاقتصادي، خاصة أن إيران كانت دائما ضد إغراق السوق النفطية، الذي أدى إلى انهيار أسعار النفط، فضرب اقتصاد الجزائر في الصميم، ولم يحدث أبدا وأن اهتزت العلاقات الديبلوماسية بين الجزائروإيران، بالرغم من أن الجمهورية الإسلامية وجهت للجزائر انتقادا لاذعا بعد توقيف المسار الانتخابي عام 1991، وأبانت بعض التعاطف مع الحزب المحظور. وتكاد الجزائر تدخل بقوة في تاريخ إيران المعاصر، منذ السادس من مارس 1975، عندما ظهر الرئيس العراقي صدام حسين بقوة في عالم السياسة، وبدأت حكاية الحدود بين العراقوإيران تُطرح وتُهدد بحرب في الخليج، فجمع الرئيس الراحل هواري بومدين البلدين في اتفاق الجزائر الشهير، فمثل إيران شاهها بهلوي ومثل العراق صدام حسين وكان حينها نائبا للرئيس، وعندما اندلعت الحرب العراقيةالإيرانية، قام صدام حسين عام 1980 بتمزيق الإتفاق والدوس عليه بقدميه، وهو ما أغضب الجزائر، التي سعت برغم ذلك إلى الصلح بين البلدين ودفعت الثمن غاليا في الثالث من ماي 1982 عندما نجح صاروخ روسي في نسف طائرة كان بها وزير الخارجية المرحوم محمد الصديق بن يحيى، ومازلت لغزا لحد الآن، بالرغم من أن الرئيس الشاذلي بن جديد وعد حينها بأن يكشف للشعب الجزائري، كل تفاصيل الجريمة التي طالت أحد أهم الديبلوماسيين في تاريخ الجزائر، ولكن الإيرانيون لن ينسوا أبدا ما قامت به الجزائر خلال أزمة الرهائن الأمريكيين الذين تم احتجازهم داخل السفارة الأمريكية في طهران، حيث تحوّلت الأزمة إلى مشكلة مزمنة ومن دون حلّ، وهددت بحرب عالمية ثالثة منذ الرابع من نوفمبر 1979، عندما هاجم طلبة جامعيين إيرانيين السفارة واحتجزوا 52 مواطنا وديبلوماسيا أمريكيا، ووجدوا دعما من الخميني، وعجزت أمريكا سياسيا وحتى عسكريا لإنهاء الأزمة، بعد أن تحطمت طائرتين من قواتها وهلك ثمانية من جنودها في عملية إنقاذ فاشلة وصفها الإيرانيون بعقاب السماء، وبلغت الأزمة والترقب يومها 444 إلى أن نجحت الجزائر في جمع البلدين، وتم إطلاق سراح الرهائن في اتفاق الجزائر، وبالرغم من أن العلاقة الأمريكيةالإيرانية ازدادت تدهورا، ولكن البلدان أجمعا على أن الجزائر أنقذتهما من حرب ظلت تدق أبوابهما إلى غاية 19 جانفي 1981 تاريخ اتفاق الجزائر. وبالرغم من أن موقف الجزائر من القضية اليمنية لم يكن له أي ارتباط بعلاقتها المتميزة مع إيران، إلا أن الكثيرين حاولوا القول بأن الجزائر تتفادى التصادم مع إيران البلد الوحيد في الوقت الراهن الذي يلتقي مع الجزائر في المصالح الاقتصادية في منظمة أوبيك. ومن أهم الخطب التي ألقاها آية الله الخميني مع عودته من باريس إلى طهران، ذاك الذي طلب فيه من المسلمين الاتحاد، وربط وحدتهم بتشابه ثوراتهم، وطالب من الإيرانيين الاقتداء بالثورة الجزائرية التي ربطت بين الجهاد الأصغر ضد الاستعمار والجهاد الأكبر ضد التخلف، واستقبل الإمام الخميني في أولى أيام الثورة كبار الجزائر، ومن بينهم المفكرين الكبيرين المرحومين نايت بلقاسم وأحمد حماني، حيث أبان التلفزيون الجزائري صورهما، وهما يجلسان على الأرض في مكان إقامة قائد الثورة الإيرانية مع الخميني، ولكن العلاقة بقيت بترولية فقط، ولو حكم الحزب المحظور لنُسفت نهائيا، بعد التصريح الشهير للرجل الثاني في الفيس، علي بلحاج عبر التلفزيون، عندما احتل صدام حسين الكويت واقترب موعد عاصفة الصحراء الأمريكية ضد العراق، فوصف إيران بالمنافقة، متسائلا عن عدم دعمها للعراق، ومع ذلك رفضت إيران توقيف المسار الانتخابي. هذه الأحداث المتعاقبة، على مدار أربعين سنة هي التي بنت هاته العلاقة المميزة والهادئة، ولكنها أبعد من أن تكون استراتيجية ومفيدة لبلدين يعيشان من ريع النفط، وبعيدان عن أن يكونا الأقوى في قارتيهما الآسياوية والإفريقية فما بالك عالميا.
في ظل "امتعاض" عربي ورفض داخلي عاصفة الحزم... مسار آخر من التقارب الجزائريالإيراني مع بداية عاصفة الحزم في اليمن، التي قادتها المملكة العربية السعودية وعدد من حلفائها ضد الحوثيين المدعومين من إيران، ودخول المنطقة مرحلة جديدة من الصراع، اختارت إيرانالجزائر، لتعلن رفضها العملية العسكرية، وبحثت معها عن السبيل لفك الخناق الذي وقع لها ولحلفائها الحوثيين، هذا "التقارب" أثار الكثير من التساؤلات، خاصة وأنه حصل على حساب بعض من الدول العربية، وعلى حساب الرأي العام الجزائري الداخلي، الذي يرى في إيران "دولة مارقة مذهبية توسعية"، الأفضل تحجيم العلاقة معها إلى أدنى مستوياتها.
الوزير والدبلوماسي السابق، حليم بن عطاء الله ل"الشروق" "إيران تعطي الانطباع أن الجزائر في صفها" كيف ترى واقع العلاقات الجزائريةالإيرانية وهل هنالك تقارب في مواقف البلدين من التطورات الحاصلة؟ في رأيي، السياسة الجزائرية الخارجية، هي سياسة دائما متوازنة مع إيران والعالم العربي، وإيران وتلجأ إلى الجزائر عندما تكون هنالك أزمة دبلوماسية مع بلدان الخليج أو في حالة العزلة الدبلوماسية، وهذا دائما يترك الانطباع أن الموقف الجزائري مؤيد للموقف الإيراني في الأزمة الحالية والحرب على اليمن تحديدا. هذا التوجه الإيراني وترك الانطباع أن هنالك دعما جزائريا لطهران، من شأنه أن يخلق سوء فهم مع بعض الأطراف العربية، رغم أن السياسة الجزائرية دائما متوازنة حتى في الظروف الحالية التي تشهد العديد من التوتر، خاصة من طرفي النزاع، وهما السعودية وإيران، وهما مسؤولتان عن انتشار التطرف الديني بالمنطقة. هنالك جانب آخر في القضية، ويتعلق الأمر بخصوصية جزائرية، فهي مترددة في الأزمات بين الأطراف الإسلامية، خاصة إذا كانت الأزمة متعلقة بالصراع الديني أو العرقي، لكن هناك حرب أمريكية بذراع سعودية، بعد فشل التدخل الأمريكي المباشر في اليمن، وهذه الحرب تقوم بصفة أخرى، أي أن هنالك اتفاق أمريكي سعودي للتدخل السعودي وحلفائه، فلا يمكن للأطراف التي تدخلت أن تنفذ خطتها دون تأييد أو موافقة أمريكية مسبقة، من هذا المنطلق كذلك أعتقد أن الجزائر لا تدّعم أي طرف على حساب طرف آخر.
لماذا تحاول إيران التقرب من الجزائر في حالة الأزمات السياسية؟ لأن إيران ترى في الموقف المتوازن الجزائري دعما لها، وهو غير صحيح، فالمواقف الداعمة لإيران معروفة وهي من لبنانوالعراق وسوريا، لكن ما حصل في الموقف الجزائري يفسر من قبل الإيرانيين أنه في صفها، وتكرر هذا الأمر في الأزمة اليمنية، ولو عدنا إلى الموقف الجزائري، فقد كان واضحا، فهو دعا إلى وقف إطلاق النار، والتأكيد أن لا حل سوى الحل السياسي، وهذا لا يمكن تفسيره على أنه دعم أو تأييد للموقف الإيراني من التطورات الحاصلة. هنالك لعبة استراتيجية في المنطقة، الأزمة ليست جديدة، ويبدو لي من خلال المعلومات والتجربة أن أحسن موقف تتخذه الجزائر هو"عدم الانحياز"، خاصة وأن السعودية ستلوم الجزائر لأنها لم تؤيد أو تساير الموقف العربي في الصراع ضد إيران، وبالمقابل فإن إيران والسعودية ترفضان التدخل الجزائري في شؤون المنطقة.
لكن إيران أوفدت إلى الجزائر مسؤولا رفيعا في الخارجية، والحديث جار عن وساطة جزائرية؟ من جانب تكتيكي وبروتوكولي، لو أرادت إيران وساطة جزائرية، لتقدم بالطلب وزير الخارجية نفسه، وليس عبر إرسال نائبه، خاصة في قضية كبيرة بحجم الأزمة اليمنية، لهذا لا أعتقد أن هنالك رغبة إيرانية في أن تقوم الجزائر بدور الوساطة.
الكاتب والمحلل السياسي الإيراني، حسن هاني زاده ل"الشروق": "الجزائر ثورية ونحن ثوريون ولهذا نتقاسم التطلعات معها" كيف تقيّم واقع العلاقات الجزائريةالإيرانية؟ الجزائر بلد ثوري، قدم مليون ونصف مليون من الشهداء، وهو موضع احترام لكل الشعوب، وقبل انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 ، كانت العلاقات بين الجزائر والنظام الملكي في إيران مميزة، الرئيس الراحل هواري بومدين قام بدور وساطة بين إيرانوالعراق، والذي أفضى إلى التوقيع على اتفاق الجزائر عام 1975، وبعد الثورة الإسلامية أقامت إيران علاقات قوية مع الجزائر ترجمت في قيام الجزائر بدور الوسيط التي أنهت أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية، وما عدى بعض الفترات التي لفها الغموض في واقع العلاقات الجزائريالإيرانية، خاصة في العشرية السوداء في الجزائر، وكان سببها سوء الفهم الذي وقع بين مسؤولي البلدين، وأعاد الرئيس بوتفليقة الوضع إلى سابقه، يمكن وصف العلاقات بين البلدين بالمتميزة.
لماذا تعمل إيران على التقارب من الجزائر؟ الجزائر بلد ثوري، وخاضت حروبا ضد المستعمر الفرنسي، والقادة في الجزائر يتقاسمون ألام الشعوب العربية، لأنها عانت الاستعمار، ولأننا دولة ثورية نقيم علاقات مع من يقاسمنا التطلعات. ألا تعتقد أن الجزائر قد وقعت في خطأ عندما سايرت الموقف الإيراني من الأزمة اليمنية؟ السعودية تتخبط في سياستها الإقليمية، وتتدخل في شؤون الدول، فقد تدخلت من قبل في العراقولبنان، هنالك شخصيات متطرفة لها أهداف توسعية، كان حريا بالسعودية أن تلعب دور المسهل في الأزمة اليمنية لا التصعيد وصب الزيت على النار، لكن السعودية تحوّلت إلى ضرب الشعوب المسلمة الفقيرة وكأنها تأثرت بالربيع العربي.
هنالك رفض شعبي بالجزائر من إقامة علاقات مع إيران ويٌنظر لكم أنكم دولة مذهبية توسعية؟ هذه اتهامات جزافية، في إيران هنالك مكونات من كل الطوائف، هنالك 10 ملايين سني يعيشون في سلام وأمان، بعيدا عن أي تجاذبات تتعلق كون هذا سني أو شيعي، إيران كذلك دولة مسلمة والنظام السياسي بها نظام ديني منبثق عن الكتاب والسنة، ولكن الإعلام الغربي والأمريكي تحديدا أعطى تصورا خاطئا عن الشيعة، أؤكد مرة أخرى أن دستور البلاد يكفل التعبير والحرية لجميع المذاهب والطوائف، لكن الحاصل أن هنالك سعي لعزل إيران عن محيطها.