يحل اليوم بالجزائر وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في زيارة رسمية، وقال بيان لوزارة الخارجية إنه سيتم خلال هذه الزيارة عقد الاجتماع الأول لآلية التشاور السياسي بين البلدين برئاسة وزيري خارجية البلدين، ولم يشر البيان إلى المواضيع التي سيجري بحثها خلال الزيارة. زيارة الأمير سعود الفيصل تأتي بعد أربع وعشرين ساعة من اختتام وزير خارجية إيران علي أكبر صالحي زيارة رسمية إلى الجزائر دامت يومين، التقى خلالها نظيره الجزائري مراد مدلسي والوزير الأول أحمد أويحيى وفي ختامها استقبله الرئيس بوتفليقة، ولم تتم الإشارة إلى المواضيع التي تناولتها الزيارة، غير أو الطرفان عبرا عن إرادتهما في توطيد العلاقات بينها وأكدا على أن هذه العلاقات تشهد نشاطا متزايدا. قد لا تكون الصدفة هي التي جعلت زيارة وزير الخارجية السعودي تتزامن مع زيارة نظيره الإيراني إلى الجزائر، فهناك قضايا ساخنة تطرح على الساحة الإقليمية تزيد من كثافة التحركات الدبلوماسية، ولعل أهم هذه الملفات هي الوضع في لبنان، فإعلان تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة لبنانية جديدة خلفا لحكومة سعد الحريري التي أطاحت بها المعارضة تفتح الباب أمام احتمالات تعقيد الوضع الداخلي أكثر، ويشار إلى إيران بأصابع الاتهام، وأنها تلعب دورا أساسيا من خلال حزب الله على الساحة اللبنانية وأنها تمسك بأكثر من خيط يجعلها قادرة على التأثير بشكل كبير في الوضع اللبناني، وتقف السعودية على النقيض من إيران ويتصارعان بشكل واضح على الساحة اللبنانية، وتتأثر من خلال هذا الصراع العلاقة مع سوريا التي تعتبر حليفا أساسيا لإيران وحزب الله والمعارضة اللبنانية، وهو ما قد يجعل هذه التحركات الدبلوماسية جزء من المساعي الهادفة إلى احتواء الوضع الذي يتجه بشكل مقلق نحو مواجهة خطيرة. وكان وزير الخارجية السعودي قد أطلق تصريحات متشائمة بخصوص الوضع في لبنان الذي قال إنه قد ينتهي كدولة. الأوضاع التي تشهدها مصر هي الأخرى تثير قلق كل الأطراف، ورغم أن الجزائر لم تتخذ أي موقف رسمي مما يجري في مصر، رغم تصريح مقتضب لوزير الخارجية مراد مدلسي الذي قال بأن الجزائر لا تدعم الأنظمة وهي تحترم إرادة الشعوب، فإن ما يجري هناك يفتح الباب أمام تحولات عميقة في المنطقة وقد يقلب كل التوازنات الإقليمية، وتتخوف السعودية من تعاظم الدور الإيراني في المنطقة، وهو نفس الموقف الذي يتخذه النظام المصري من هذا الدور، ويسود الاعتقاد بأن طهران ستكون أكبر مستفيد من انهيار نظام مبارك، وأن ذلك قد يؤدي إلى انحسار الدور السعودي على الساحة العربية باعتبار أن الرياض كانت تعتمد على تحالفها مع القاهرة بشكل أساسي في تمرير سياساتها في المنطقة العربية، ويبرز هذا التحالف بصفة خاصة في تشجيع السلطة الفلسطينية على المضي قدما في عملية التسوية والتفاوض مع إسرائيل، بالإضافة إلى السعي إلى احتواء المقاومة الفلسطينية واللبنانية سواء في قطاع غزة أو في لبنان. الجزائر التي تميل إلى اتخاذ مواقف معتدلة لا ترى بأن إيران تشكل خطرا على المنطقة العربية، بل إنها تعتبر من الدول التي تدعم حق إيران في الحصول على التقنية النووية السلمية، وهو موقف معلن من قبل الجزائر، في حين تتخوف دول الخليج العربي ومصر من المشروع النووي وتتجه إلى تبني الموقف الأمريكي الضاغط على طهران باتهامها بالسعي إلى الحصول على السلاح النووي والعمل على إخضاع المنطقة لنفوذها، وقد تجددت هذه المخاوف مع إطلاق وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان لتصريحات ادعى فيها أنه مع سقوط نظام مبارك لن تكون هناك إلا ثلاث قوى في المنطقة هي إسرائيل وإيران وتركيا. العمل على استقرار العلاقة بين العرب وإيران يعتبر من ضمن أهداف الدبلوماسية الجزائرية، والعلاقة الجيدة التي تربط الجزائربإيران تؤهلها للقيام بدور وساطة من أجل احتواء توتر العلاقة بين بعض الدول العربية وإيران، وقد يكون هذا الدور بالذات هو المطلوب حاليا على الساحة العربية، فكل الدول العربية المؤثرة تعتبر منحازة إلى طرف وهو ما يجعلها منحازة، فسوريا متحالفة مع إيران، ومصر والسعودية علاقتهما متوترة معها، والمغرب قطعت علاقاتها بإيران منذ فترة، وهو ما يجعل الجزائر القوة العربية الوحيدة الجامعة التي يمكنها أن تعيد ترتيب العلاقة بين الطرفين بما يسمح ببروز تضامن إسلامي يوفر هامشا أكبر للمناورة أمام العرب.